خلق الله الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بينهم ولا تفضيل إلا بمعيار واحد هو واضعه سبحانه وتعالى لأنه أدرى بغرائز البشر، وتفاهات البشر بل وسخافات البشر ! ( حسن العلاقات والتعامل الإنساني والتقوى ) كما أوضح ذلك في كتابه : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، عن الله عليم خبير ) . وهذا هو الذي ينبغي أن يُصار إليه ويحتكم إليه فلا اعتبار بالدم ولا النسب والحسب إذا لم يهذب هذا المخلوق الذي أوله نطفة وآخره جيفة !
ولقد كان للعرب في الجاهلية الجهلاء خصائص مميزة لعلّ أهمها : التفاضل بالدم والنسب وتقديمه على الكفاءة والأخلاق ، كما قال بذلك عمرو بن كلثوم :
إذا بلغ الفطام لنا صبي يخر له الجبابر ساجدينا
وكما يفعل جهلاء الناس بتقبيل صاحب الهرمونات الهاشمية وتفضيله على من سواه ولو كان من كان !
والخاصية الثانية للمجتمعات الجاهلية هي حب القتال والأنفة به والغرور، حتى إن لم يجد أحداً يقاتله كاليهود وأمريكا يتجهون لقتل أبناء البلد ! كما صور تلك الحالة الشاعر الجاهلي ويعيدون قراءة الأسطوانة اليوم :
وأحيانا على بكرٍ أخينا ...... إذا لم نجد إلا أخانا !
والخاصية الثالثة هي انعدام الضوابط الأخلاقية والنظر من علو على كل من هو دونهم واحتقارهم لأنهم ليسوا من أهل الحسب والنسب :
ونشرب إن وردنا الماء صفوا .... ويشرب غيرنا كدراً وطيناً
من ينظر إلى خصائص الجاهلية القديمة والجاهلية المعاصرة التي يقودها الحوثيون وكل من لف لفهم يعرف إلى ماذا يهدف الحوثي بالضبط ، ولعلّ أدباؤنا ومثقفونا رحموا الحوثي وسلالته حين وصفوهم بأنهم يحاولون العودة بالجمهورية اليمنية إلى ما قبل ثورتي 48 و 62 المجيدتين ! وإلا في الحقيقة هم يريدون باليمن العودة إلى عصر ابن كلثوم وما قبل الإسلام !
نعم هي هذه الصراحة التي ينبغي ألا نخجل منها ، والتي قالها النبي صلى الله عليه وسلم بحزمٍ ووضوح في حجة الوداع يوم الحج الأكبر والجمع الأكثر للناس "ألا وكل أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع".
وأي جاهلية أعظم من ادعاء الحق الإلهي والحكم السلطاني في البطنين أو الفخذين أو الرجلين !
وأي جاهلية أعظم من قتال أبناء البلد والتوسع على جماجمهم بالقوة من أجل تقبيل ركب السادة أو حفنة ريالات !
وأي جاهلية أعظم من تقسيم الناس إلى سادة وعبيد ، أو إلى قناديل وزنابيل حسب مسمياتهم !
لقد حارب القرآن والسنة كل نزعات الجاهلية بأشد الكلمات والتوبيخات والأفعال والتوجيهات ، ومن أكثر الحملات في القرآن كانت على العنصرية الممقوتة والطائفية البغيضة وتقديم الأنساب على التقوى والكفاءة ..
ولقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يعرض ( لا إله إلا الله ) فقط على أبي جهل ، ويرد عليه سيد الجاهلية بقوله : أما عندك غيرها ، فنعطيك منها عشراً !! فأبو جهل سيقبل أي كلمة غير كلمة التوحيد وسيعطي عشراً منها ، لكن إلا هذه ! لأنها ستنزع منه سلطة مكة وتجعل الأمر لله ورسوله يضعها حيث شاء . ثم ستجعل أبو جهل القرشي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وسمان الفارسي أصحاباً لا فرق بينهم !!! ... وهو ما رفضوه سادات مكة رفضاً قاطعاً وحازماً ، ويرفضه اليوم أحفادهم ( اللهبيون الجدد ) من الحوثي وجماعته ..
ويقولون لكل أبناء اليمن : أما عندكم غير هذه كلمة التوحيد والإجماع الوطني والدولة المدنية فتقولونها وسنعطيكم مائة منها !