تجفيف منابع الإرهاب بصناعة ونشر الثقافة والموسيقى والفنون والمتاحف إلى: الفنان نبيل العموش، الذي منع واختطف ومورس عليه الإرهاب من قبل أعداء الحياة من المليشيات المسلحة، لأنه يطرب ويبهج العرس في عمران.. ** "كم هي صغيرة الأشياء التي أحبها." من رواية "أن تقرأ لوليتا في طهران". لقد جرى تجريم وتحريم وتمييع الفنون، ونعتها بالتفاهة، والانحلال، والأبلسة، حتى أصبحت جزءاً أصيلاً من ثقافتنا، ليتبوأ الفنان مرتبة دونية أسفل سلم الحياة، بمنطق التراتب الاجتماعي في اليمن، المناهض لقيم المواطنة ومبدأ المساواة، فمن يشتغل بالفنون هو مزين، والمزين هو ذلك الإنسان الذي يصنع البهجة، وخفة الروح بالموسيقى والفنون.. فيتخذه الشرف القبائلي مرتبة أدنى في سلم الحياة بحكم العرف القبائلي الذي يحتقر المهن، ويحترف الحرب والسلاح والغزو والغنيمة، بما في ذلك احتقاره الفنون والمرأة والدولة والنظام والقانون، والحياة السوية. ولأننا نعيش حياة القرون الوسطى على أنها الحياة المثلى في ظل الخلافة وجماعة الفضيلة والأمر بالمعروف، فصوت اليوم هو صوت الداعية والشيخ والأشباح الظاهرة والباطنة، والرصاص والسكاكين، صوت الفتوى والتذابح بنقاء العرق والطائفة ومنع الفنون واختطاف الفنانين، وحبسهم، بحجة أنهم يخالفون الشريعة الإسلامية، فيحرمون المزمار لأنه صوت الشيطان، ويجرمون صوت النساء والفنانات على أنهن عورات، ناهيكم عن جرائم إغلاق المتاحف ونهبها، وتهريب المخطوطات وذاكرة البلد. قررنا: نحن دعاة البهجة من: مزينين، أخدام، مدنيين، منظمات مجتمع مدني، وكل من يمتهن العمل والحرف والصناعات للإنتاج والبناء، ومعنا كل البشر من أنحاء العالم ممن ينشدون السلام والتعايش، والتسامح والجمال.. أن نمنحكم صكاً يليق بجوع رجولتكم المزمن، وشرف حروبكم وقتلكم للنساء والأطفال والجنود، وتجنيدكم للأطفال في حروبكم الهمجية المسلحة، والتجييش والتحريض، من أجل كرسي: السيد والشيخ... قررنا أن تأخذوا لكم الجهاد الأكبر والأصغر حتى قيام الساعة، وجهاد الفخذين والبطنين والكعبين، والرأسين والجذعين والمنخرين ما علاهما وأسفلهما، وانتصاراتكم وفتوحاتكم الكبيرة من الشرق إلى الغرب، وجبهاتكم المقدسة في الميمنة والميسرة، وفي الكواكب والمجرات، وعين الشمس بخمس، اشبعوا ووسحوا وفالخوا فيها. خذوا لكم ألقاب الفاشيات الجديدة -القديمة: أنصار الله، وجنود الله، وحزب الله، كتائب ومليشيات الله، وأحفاد الرسول، وقاهر الروافض، وأسود السنة، مع التكيات المقدسة، وشعارات يسقط، يطلع ينزل، أي نظام، ولأي رئيس وزعيم وداعية وسيد. وأشبعوا غرائز هيجاناتكم المسلحة بجهاد المنكاحة والمرابحة، ومناكحة الطفلات بمثنى وثلاث ورباع، وما ملكت أيمانكم، جهاد البراميل المتفجرة والأحزمة الناسفة، والسحل والمقصلة والهويات، لترفعوا بجهادكم راية الرحمن في إبادة اليزيدين في جبل سنجار، وتعلو كتائب قسام غزة، وشيخ مشائخ الشهداء في عمران، وإسقاط وزير الدفاع وكل مؤسسات الدولة. خذوا الربيع بكل ثوراته، وفوراته المستمرة، ومؤتمراته، وجمعه المليونية، وتبرعاته، ومسيراته: أنا نازل، أنا طالع، أنا سارح ومتروح.. لا يهمنا جهادكم ضد الطغاة، مع الطغاة.. وغزواتكم من نصر إلى نصر، ومن ثورة إلى ثورة، ومن فتح إلى فتح.. هذه الضروريات لا نريدها البتة، ولا يسيل لعابنا لها مطلقاً. وحقكم الإلهي أبو قناديل، والجنس الآري المعمد ببصيرة نسل الله والرسول، اصنعوا منه تيجاناً وبصائر في علو أضرحتكم ودواوينكم المقدسة من "قم" إلى "قطر ونجد"، وعلى الطريق ثبتوا بصائركم بتعميد ألقاب الملوك: أقيال، أذواء.. شلوا لكم القحطانية والعدنانية، والشافعية والزيدية، والحنبلية، والإمامة والزعامة، والجنرلة، والمشيخة، واتركوا لنا انتماءنا لعناضيل المواطنة والمزينين، والمهمشين، وعيال الخمس، لكن لن ندفع "الجزية"، ولا "الخمس" لو أتيتم ببصائر السموات كلها. حقنا في التفاهة إناثاً وذكوراً يكمن في الآتي: الحق في الحياة بلا حروب الشرف والنقاء، والعيب الأسود للقبيلة، وحق الحرية بلا مرجعيات الأسلاف أياً كانت قداستها.. حقنا أن نمشي في الشارع، ونتناول الشاي في أي مقهى، دون أن يكفرنا أي من أنصار لله، وجند الله، وأتباع الله، وحماة الأخلاق والفضيلة، وألا يفجرنا أي منهم بألغام عفة "فقه الضرورة"، وأضعف إيمانهم شتمنا: ب"يساري"، علماني، فاجر، مسيح دجال، وكأن العلمانية واليسارية نقيصة! كامرأة، ألاّ أستقبل صباحاتي وأنا ذاهبة إلى العمل، بشتيمة سائق الدباب: يا فاجرة، وألاّ يتبرع أي مارٍّ في الشارع ويخثل القات والشمة ويرميها على وجهي، وينعتني يا "ق..."، هكذا لمجرد أني لا أشبه أمه وأخته وزوجته في التحصين الموسع للشرف بالجلباب والنقاب. كامرأة، ألاّ يحرض الناس عليّ إن منعت صاحب البقالة أن يسرقني، فينهروني، "قري في بيتك، وما خرج أبوش للشارع"، وإن اعترضت على راكب يتحرش بابنتي يصرخون "اركبي سيارة إذا ما أعجبك الدباب"، أن أخرج أرقب تنفس الصباح في الأحياء القديمة، وفي الأراضي الممتدة، والجبال والبحر.. لا أن ينعتني عسكري.. شكلك جاسوسة ومش مصلية على النبي. ومن قضايانا التافهة جداً التي لا ترقى إلى مستوى قضايا الأمة، والشعب والوطن والمصير، وفلسطين، وبورما، و... الخ، أن يفتتح في كل شارع حديقة لأطفالنا، أن تتنفس الأمهات هواء الله، ولا يحجبن بالأردية "الطربالية" الكاتمة للتنفس والحياة، بحجة أنهن عورة وشيطان وناقصات عقل ودين.. تفاهاتنا بوجود وصناعة سينما في كل المدن والأرياف اليمنية، أن نستمتع نحن وعائلاتنا بمشاهدة الأفلام من كل الثقافات، وأن يتأنق كل أفراد أسرتنا عند ذهابهم إلى السينما، وفي يد كل واحد منهم الفوشار، تسبقنا ضحكاتنا إلى أبعد مدى في هذا الكون، بلا نقاط ومطبات وتقطعات التحريم والترهيب "لا".. تفاهتنا: أن نرى مسارح مدننا تتنافس مع مسارح العالم.. وأن نستقبل فناني العالم ليعرضوا ثقافاتهم على مسرح "السائلة"، أو مسرح قصر غمدان التاريخي، أو "ساحة الباب الكبير"، أو "ساحة العروض"، أو مسرح خور المكلا، أو مسارح الدولة الكبرى في كل مدن اليمن. مطالبنا التافهة.. أن نجد طريقاً إسفلتياً ورصيفاً آمناً وسابراً، لا أن تتكسر أقدامنا في حفرة، بالوعة، أو كيس قمامة، أو حيوان ميت، شارعاً تكسوه الأشجار والزهور، ويافطات حفلات الموسيقى والفلكلور، وكرنفالات الحياة، أن تزين جدران الشوارع صور الفنانين والفنانات، واللوحات التشكيلية، ومنحوتات للمفكرين والفلاسفة، لا جدران دواعش الجهاد و"جئناكم بالذبح"، وهويات الموت، وصرخات الرعب لنا وللإنسانية. مطالبنا التافهة الخالية من النقاء الثوري وكفاحه المسلح، بالكف عن إرهاب استخدام العقل، والتفتيش في ضمائرنا، وحماية أطفالنا من مدارس شحن خطب الجهاد على المسلم وغير المسلم، وفرز المنقبة من السافرة، والكافر من المؤمن... الخ. تفاهاتنا العظيمة: أن يدرس أطفالنا علوم الحياة، المنطق والفيزياء والفلسفة، وعلوم العربية والأديان الإسلامية وغير الإسلامية، ومعتقدات الشعوب، أن يتعلم أطفالنا الموسيقى والرسم، والرقص والنحت، وأن يستقبل جاره بتحيات الصباح بموسيقى آلات البهجة، لا بطبول الحرب، وأين ستكون المعركة القادمة، و"حي على جهاد الكفار، والفرنجة والمجوس والصابئة"... الخ. *** باسمي ككاتبة في التراث الثقافي والشعبي، وناشطة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية، أنادي بصوت عالٍ بإعلاء قيم هذه التي يسمونها "التفاهات"، بحقي في الحياة، وحريتي التي تبدأ من تحقق هذه التفاهات في الواقع، والتي أراها ويراها كل من يناصر حقنا في التفاهات، من أشد الضروريات كالهواء، والمأكل والمشرب، والأمن. بل وأطالب، وبالصوت العالي: بالنص في الدستور القادم على الحق في قيم "التفاهة"، المساوي لحق الحياة بالضبط.. وإلا كيف تشوفوووا.. – صحيفة الأولى