ربما إنه من السابق لآوانه التنبؤ بفشل الثورة الشعبية والتسرع في إلقاء الأحكام جزافاً بدون أية مبررات منطقية, فالثورة الوليدة انتصرت بزخمها الكبير وتحركاتها الجسورة بخطىً ثابتة نحو الأمام, وتحبو بتواضعٍ شديد نحو تحقيق أهدافها, ومن السابق لآوانه أيضاً التكهّن بمآلاتها ونتائجها وسبر أغوارها و إتهام فصيل أنصار الله بانتهاج الأساليب الهمجية والبربرية القمعية - كما يحلو للبعض التغني بها- في إدارة الملف الأمني مع غياب الأجهزة الأمنية, بل و مع ضعف وشحة الأمكانيات القائمة, تواجد أنصار الله واللجان الشعبية في قلب ومحيط العاصمة لتسيير الأعمال الأمنية مطلب أمني وإستراتيجي هام تتطلبه المرحلة, وحاجة ملّحة وضرورة إجتماعية قصوى و فريضة واجبة ك ( واجب وطني) و أخلاقي مسؤول يحتمة الواقع, أولاً لتفادي الهجمات الإرهابية المحتملة والإختلالات الأمنية والأعمال التخريبية التي قد تتبناها الجماعات الإرهابية او أي طرف ثالث وإلصاقها بالثورة السلمية وتشويه المسار الثوري , و ثانياً مع غياب الولاءات و إنعدام الثقة في الجيش ووحداته وانقسامها تجعل من مقاتلي الحركة مجرد دروع بشرية وقائية لحفظ السلام وتسيير الأعمال الأمنية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية في العاصمه, باستثناء تسليم بعض المقار خارج المحيط السكني العام كمبنى الإذاعة و التلفزيون والقيادة العامة للشرطة العسكرية وبالتعاون معها بما لا يمثل خطراً حقيقياً على السلم الإجتماعي وثالثاً للحفاظ على النصر الثوري بقدسيته وصفاءه وعدم المساس به من المتاجرين بأحلام الأمّة والعابثين باستقرار الوطن. التجاوزات الفردية التي تتم هنا وهناك بصورة إستثنائية تعتبر حالة طبيعيىة-إن جاز التعبير- بعد مخاض عسير للأحداث بل و تمثل في حد ذاتها حالة صحية للثورة و توضح عن مدى الفساد الذي قامت لإنتشالة واجتثاثة وتعكس مدى الإنفلات الأمنى الذي كان معششاً في مرافق الدولة كشبح ينتظر الفرصة المواتية لإفتراس الوطن, فما هو إلا صورة من صور الفساد والفوضى الخلّاقة ونتاج السياسات الفاشلة و يعكس (حاله ثأرية إنتقامية) لدى البعض باستغلال أجواء الثورة والنصر لتصفية حساباتها مع الغير وركوب موجة الثورة, وأحياناً قد تكون أعمالاً عبثية طائشة تفرزها مخاضات الواقع العسير, كما حدث من إقتحام لبعض المؤسسات الإعلامية كقناة سهيل ومقار حزب الإصلاح , فالجميع يعرف أن جماعة الإخوان تمتلك رصيدا ضخماً من العداوات والكراهية لدى الكثيرين , أنتجتها سياسة الحزب و تتحين الفرصة للوثوب والانقضاض على منظومتة الإعلامية والسياسية ومقاره ومبانيه التنظيمية, لذا فاتهام حركة أنصار الله –منفردة- بأغلب تلك الأعمال المشينه أو إلقاء اللوم عليها فيه نوع من المبالغة والإجحاف والتعسف, الثورة الوليده والنصر بحاجة الى تكاتف وتعاضد المجتمع باكملة عبر اللجان الشعبية وكافة أطياف المجتمع لإحلال الأمن والإستقرار والخروج من هذه المرحلة بأقل التكاليف والخسائر الممكنه حتى يصل الوطن إلى بر الأمان, التعامل الأخلاقي الرفيع الذي أظهرته قيادات الحركة في التعامل مع اغلب هذه التجاوزات الفردية -وإن كان اغلبها بغرض الحماية- إلا انها توضح حسن النوايا وانتصار المعركة الأخلاقية والقيم التي يخوضونها من موقع قوة وإقتدار في الظرف الطارئ وبمسؤولية كبيرة. لسنا هنا بحاجة للتذكير والتدليل بما جرى في مصر بعد ثورة ال 30 من يونيو وإسقاط حكم الإخوان ومع وجود جيش وطني قوي كانت هناك تجاوزات وإحراق مقار ومحال وعمليات نهب وتصفية حسابات واسعة , بل و وصلت الى اغلاق مقار حزب الحرية والعدالة والجمعيات والمرافق التابعه له وإغلاق جميع القنوات الفضائية الناطقة باسم الجماعة وحظر جميع أنشطته الدينية والمدنية, وفي آخر المطاف تم حله واعتباره جماعة إرهابية وتم اعتقال أغلب قياداته وإصدار أحكام الأعدام بحقها ومن هي في الخارج تم مطاردتها عبر الإنتربول الدولي, وجه المقارنه هنا قد يكون مجحفاً ولكن من باب المقارنة العملية و التوضيح عن مجمل الحدث والتنوع قبل صدور أية احكام تعسفية جائرة, فالتسامح وسمو الروح الوطنية والدعوة الى الشراكة الحقيقية التي أبداها أنصار الله كانت بمثابة صخرة تتحطم عندها كل الشكوك والمؤامرات والأراجيف المغرضة, فتوقيع الاتفاق لم يجف حبره بعد وتحميل انصار الله المسؤولية كاملة فيه نوع من المبالغة والمزايدة بل والإصطياد في المياه العكره, فلم يكن انقلابا بالمعنى الكامل لإستفراد حزب أو مكون بعينه في الحكم ولم يكن غزواً مسلحاً لتحميله ( إستثنائية النصر) و هشاشة الواقع فالمسؤولية جمعية بامتياز. لسنا هنا بحاجة للتذكير والتعليل عن مجريات حرب صيف 94 فالمقارنه قد تكون هي الأخرى ظالمة ومستفزة لدى البعض وكبيرة مقارنة بما يجري فقد تمت أكبر عملية سطو تأريخية ممنهجة- مع سبق الإصرار- في الجنوب إبتداءاً من نهب المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة وإنتهائا الى مصادرة الحقوق و الحريات والصحافة و وسائل الإعلام لقد تم ابتلاع دولة بكاملها في اطار الوحدة بين شطري الوطن وهذا مما أساء الى اتفاقية الوحدة وكان عاملاً اساسيا في مطالبة الأخوة في الجنوب بالإنفصال, الوضع هنا مختلف تماما مجرد تجاوزات فردية عابرة وغالباً ما يتم إصلاحها وتفاديها من قبل المكتب السياسي لأنصار الله, بالرغم أن الحركة ليست مطالبه بإيجاد التبريرات والتوضيحات وليست في موقف المدافع عن النفس بقدر ما تتحلى بموقف أخلاقي وسياسي يحتم عليها ألمضي به قدماً إلى الأمام و الأمان, على العكس من ذلك نجد انفسنا في موضع شكر وتقدير وعرفان للحركة التي أخذت على عاتقها تحقيق مطالب الشعب المشروعة, وإن كان يكفيها شكراً وعرفاناً أنها هدت أركان الفساد بقطبيه العسكري والمالي لكفاها أن تتوج على الرؤوس وتحفظ في المآق والأحداق. (القلق الأمني) حالة طبيعية بعد أية ثورة شعبية أو أي تغيير جذري ملموس في تحسس الحالة الوطنية و في منظومة الحكم ككل, ما من ثورة قامت في دول العالم وأكثرها تمدناً وتحضراً إلا نتج عنها نوع من الإرباك الأمني المؤسسي (شعبية أو مؤسساتية) كردة فعل طبيعية للتغيير الحاصل و مظهراً صحياً من مظاهر التغيير الحقيقي وإلا لما سميت و كانت ثورة حقيقية!, الثورة الفرنسية هي الأخرى ظلت تراوح مكانها عشرة أعوام قبل أن يكتب لها النصر الأكيد, ومرت بفترة هي الأشهر والأشد عنفاً من حالة الإضطرابات الاجتماعية والسياسية امتد تأثيرها الى أوروبا كافة, وثورة السادس والعشرين من سبتمبر لم يكتب لها النصر إلا بعد قيامها بثمانية أعوام بعد فك حصار السبعين يوماً, وظلت أسيرة التخبط والحكم الأسري وتفرد القبيلة حتى ثورة فبراير من العام 2011, التي ازاحت النصف لتكملها ثورة 2014 لتكمل النصف الآخر من مظاهر الفساد وتقتلعة من جذوره كلياً, والثورة الروسية ليست ببعيد عن نسق الثورات التي تمت على مرحلتين لتختتم بالثورة البلشفية مسيرة النضال الروسي. التبريرات المنطقية والتعليل قد لاتغير من أرض الواقع شئ لأن منطقية الأحداث هي من تبرر نفسها تلقائيا وتثبت مصداقية الثورة وحاملي مشعل الحرية لكن إستغلال المواقف -لدى البعض- ينم عن عدم النضج الفكري والتسرع في الحكم وقصر نظر بل و يساهم في تكوين حالة جمعية محبطة تشاؤمية قد لا تخدم الموقف بشكل عام, في الظروف العصيبة الإستثنائية الغير مناسبه وليس من مصلحة الجميع, عوضاً عن المساهمة الفاعلة والأكيدة والبناءة في التوعية العامة و تحقيق الأمن والسير بعجلة الوطن الى التوافق والإلتحام الكامل, كما حصل من دعوى الناشطة النوبلية توكل كرمان باحتلال منزلها والتهجم عليه من قبل البعض وبالرغم من إعتراف قيادة أنصار الله بتسليم ذويها المنزل كاملاً, وتوثيقه خطياً وما كان تواجد المسلحين إلا لغرض الحماية إلا أن إستغلالها الموقف للتشهير وحرف مسار الأنظار عن النصر الثوري وعدم تقديمها الاعتذار والشكر والتوضيح لاحقاً يندرج عن نية مبيّته في إطار سياسة الأنا الأنانية والإستعلاء, بوصف ما يجري إنقلابا عسكرياً بحتاً يوضح مدى السقوط الذي وصل اليه بعض قيادات الإخوان خاصة مع بوادر حسن النوايا بالدعوة الى شراكة وطنية حقيقية, وينم عن رغبه جامحه لبلورة الأحداث وتجييرها لخدمة الإعلام الخارجي وصبّ الزيت على النار وايجاد حالة بلبلبة وتذمر عام , بما يساهم في تشوية الحركة الثورية وحرف الأنظار عن الايجابية العميقة التي تتمتع بها لاجتثاث الفساد و خلق نوع من الفوضى في الوقت الخاطئ بما سيضر بالأمن والسلم الإجتماعي بشكل عام. ربما لم تستوعب السيدة توكل -وهي في حالة الذهول- الدرس التأديبي بعد بحرمة التعايش والتوافق مع الغير والتقبل بالآخر في إطار الوطن الواحد, بدلاً من أن تقوم بشكر الحركة على عرفانها وجميلها بقصقصة أجنحة الحزب الميليشاوية وتخليصه من ثقلها وهيمنتها على القرار أسوة ببقية القيادات الأكثر مرونة و وطنية. حركة انصار الله ليست ملائكية سماوية ذات معصومية الهية حتى يتم تحميلها أوزار وتبعات الوضع القائم أوأية تجاوزات فردية خاطئة, ولم تأت لتقدم الجنة وصكوك الغفران في ليلة وضحاها, بل قدمت الجمهورية على طبق من ذهب لأبناء الوطن و زفّت صنعاء في عرسها السبتمبري الى ميلاد الجمهورية الثانية وصححت مسار الوطن, وتعتبر مكون أساسي من مكونات الشعب وتيار كان له الفضل بل والشرف في قيادة مركب الثورة والمطالبة بحقوق الشعب والوقوف إلى جانبه في محنته, نحن جميعاً -وليس أنصار الله فحسب- أمام خيارات صعبة ولحظات حرجة وإختبار حقيقي من ظرف طارئ يمر به اليمن بحاجة الى التكاتف والتعاون و إلى جرعة أمل كبيرة بدافع الإحساس الوطني والهمة العالية للوقوف صفاً واحداً مع اللجان الشعبية في خندق واحد للمساهمة في إحلال الأمن في جميع مؤسسات ومرافق الدولة والأحياء السكنية. وحين يتم التعامل مع ظاهرة الفيد والنهب ك (ظاهرة إجتماعية سلبية) وموروث سئ يجب القضاء عليه لا يمكن حصرها في مكون بعينه بحكم أنها ظاهرة اجتماعية سيئة ومشهودة مع أية تداعيات جديدة على أرض الواقع -والأمثلة كثيرة- لذا يجب محاربتها بوعي إجتماعي متكامل وتكاتف المجتمع ككل. وعليه فالأخوة الكتّاب والصحفيين ملزمين كواجب وطني بنشر الوعي لتفادي هذه الظواهر بدلاً من الولولة والتباكي ونشر جو عام من التشاؤم أو الإكتفاء بالمشاهدة والتقييم والترصد للأخطاء لأغراض أنانية حزبية وقتية أو إستغلال الموقف لمهاجمة فريق بذاته, فلو كان حقاً يهمهم أمر اليمن لكانوا الآن ضمن اللجان الشعبية في الميدان يساهمون بشكل إيجابي وبفاعليه كبيره في إحلال الأمن والإستقرار.. فالوطن والأمن مسؤولية الجميع.