أثبتت التجارب أن على رغم المساعي التي تمت لعقد اتفاقات وتفاهمات إسرائيلية- فلسطينية، بهدف الوصول إلى تسوية، وحل النزاع الشرق أوسطي. فدولة الاحتلال أخلت بالمواثيق والمعاهدات وبخاصة اتفاق أوسلو، واليوم يعود المشهد ليتكرر مع ما يعرف بصفقة القرن. ففي الماضي لم تكن إسرائيل قد نجحت في تحقيق الشروط اللازمة لإعلان حلم الكيان الصهيوني، في بناء دولة إسرائيل على أن تكون القدس عاصمتها. من يتابع المشهد الإقليمي والعالمي، يتضح له أن أمام هذه الصفقة عراقيل عدة. وأن شكل هذه الصفقة يبقى إلى الآن غير واضح المعالم والشروط والأهداف، ومضمونها مجهول ولم يعلنه الرئيس دونالد ترامب على رغم أن الصفقة من بنات أفكاره. وهناك غضب شعبي عربي يصعب امتصاصه لقبول الصفقة، ولتصبح إسرائيل كياناً يسهل دمجه عربيا على قاعدة القرابة السلالية والعرقية. إذن كيف يمكن أن يقبل كل من الأردن ولبنان بحل أزمة اللاجئين الفلسطينيين، فذلك قد ينعكس في شكل سلبي على الصعيد الديموغرافي والجيوستراتيجي والسياسي؟. لا يمكن تحقيق سلام من خلال إنجاز صفقة قائمة على أساس منفعة طرف (إسرائيل) وغبن طرف آخر (الفلسطينيين)، وذلك من خلال تصفية قضيتهم وتهويد أرضهم، ومحاصرتهم والهيمنة عليهم، فقط لأن إسرائيل تنظر إلى الشعب الفلسطيني نظرة دونية معادية. وقد تكرست هذه النظرة غير الإنسانية نحو الفلسطينيين منذ نشوء دولة الاحتلال. وربما الاستعانة ببعض مواقف كبار المسؤولين الإسرائيليين تغني عن الإسهاب، فرئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق شامير قال للفلسطينيين خلال انتفاضة الحجارة سنة1987: «سوف نخضعكم بالبطش... أنتم لستم سوى جنادب قياساً بإسرائيل»، والحملة الانتخابية لحزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف تبنت في 2009 شعار «فقط ليبرمان يفهم العربية»، للقول إن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة». هذه الأيديولوجيا التطهيرية القائمة على التزوير والنفاق والكذب والأضاليل التاريخية والآثارية- الأركيولوجية»، لا تحمل في بذورها أي عناصر حياة لأي مشروع تسوية غير متوازن، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ليس فقط بالسطو على الأرض، بل بتزوير التاريخ، وقد يكون ملائماً هنا الاستشهاد بما يقوله كيث وايتلام في كتابه: «اختراق إسرائيل» من إن «على الفلسطينيين أن يستحضروا تاريخهم المسكوت عنه بين العصر البرونزي والحديدي، لأن إسرائيل تعمل على طمس الحقائق بما يتلاءم مع أهدافها وتوراتها وعقيدتها التي لا صلة لها بأرض الواقع، بل هي مجرد فبركات وتلفيقات استطاعت أن تجعل من الوهم حقيقة...». هناك عراقيل كثيرة تحول من دون تحقيق أهداف صفقة القرن. والسؤال الذي يطرح نفسه هل استفاد وتعلم العرب من تجارب الأمس كي لا يتكرر مشهد النكبة والنكسة، والسؤال الأهم لماذا هذا الصمت والتخاذل تجاه ما تتعرض له المقدسات في القدس من بيع أوقاف وأراضٍ... ويبقى السؤال الأهم هل صفقة القرن حقيقة أم وهم...؟ إلى أن صفقة القرن تتضمن توقيع اتفاق ثلاثي بين إسرائيل وحركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، وستُقام دولة فلسطينية تسمى "فلسطين الجديدة"، في الضفة الغربيةوغزة، لا تشمل فرض السيطرة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة. إضافة إلى ذلك، تتضمن الصفقة، وفق الوثيقة المتداوَلة، أن الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية ستبقى كما هي اليوم في أيدي إسرائيل، وستنضمّ إليها مستوطنات معزولة، وسوف تتوسع مناطق الكتل لتصل إلى المستوطنات المعزولة التي ستضاف إليها. وفي ما يتعلق في القدسالمحتلة، فلن تتعرض للتقسيم والتقاسم بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، وستكون عاصمة إسرائيل وفلسطين الجديدة، وسيكون السكان العرب هم مواطني فلسطين الجديدة. وستكون بلدية القدس الإسرائيلية مسؤولة عن جميع مناطق القدس باستثناء التعليم، الذي ستتعامل معه الحكومة الفلسطينية الجديدة، وستدفع السلطة الفلسطينية الجديدة لبلدية القدس الضرائب والمياه. ولن يُسمح لليهود بشراء المنازل العربية، ولن يُسمح للعرب بشراء المنازل اليهودية، ولن تُضَمّ مناطق إضافية إلى القدس، وستبقى الأماكن المقدسة كما هي اليوم. أما قطاع غزة، فتشير الوثيقة، إلى أن مصر ستأجّر أراضي جديدة لفلسطين لغرض إنشاء مطار ولإنشاء المصانع والتجارة والزراعة، دون السماح بالسكن فيها، وسيحدَّد حجم المناطق والسعر بين الطرفين من خلال وساطة الدول الداعمة. وفي ما يتعلق بالدول الداعمة، فإن الوثيقة تنص على أن الدول التي ستدعم مالياً تنفيذ هذا الاتفاق هي: الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج المنتجة للنفط، وستوفر الدول الداعمة ميزانية قدرها 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات للمشاريع الوطنية في فلسطين الجديدة. وتنصّ أيضاً على أنه لن يكون لفلسطين الجديدة جيش، السلاح الوحيد هو الأسلحة الخفيفة التي تحتفظ بها الشرطة، وستوقَّع اتفاقية دفاع بين إسرائيل وفلسطين الجديدة تضمن فيها إسرائيل لفلسطين الجديد الحماية من كل عدوان خارجي، وستدفع فلسطين الجديدة لإسرائيل مقابل هذه الحماية. أما آلية التنفيذ، فإن حماس ستكون مُلزَمة إيداع جميع أسلحتها بما في ذلك الأسلحة الشخصية للسلطات المصرية، فيما سيستمرّ أعضاء حماس، بمن فيهم القادة، في تلقِّي رواتب من الدول الداعمة حتى قيام الحكومة. الوثيقة تشير إلى أن حدود قطاع غزة ستكون مفتوحة لمرور البضائع والعمال إلى إسرائيل ومصر، كما هي اليوم مع الضفة الغربية، وعن طريق البحر، فيما ستُجرَى انتخابات ديمقراطية في غضون عام، وستُنتخَب حكومة لفلسطين الجديدة، وسيكون بإمكان كل مواطن فلسطيني الترشح للانتخابات. الوثيقة المزعومة، تقول إن إسرائيل ستكون مُلزَمة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بعد مرور عام على الانتخابات وتشكيل الحكومة، وذلك تدريجيًّا خلال ثلاث سنوات. وفي غضون خمس سنوات سيُنشأ ميناء بحري ومطار في فلسطين الجديدة، وحتى ذلك الحين سيُستخدم المطار في إسرائيل والمواني البحرية في إسرائيل. وستكون الحدود بين فلسطين وإسرائيل جديدة مفتوحة أمام مرور المواطنين والبضائع كما هو الحال مع الدول الصديقة. صحيفة يسرائيل هيوم، تقول إن الإدارة الأمريكية سوف تُلغِي دعمها المالي للفلسطينيين، وتضمن عدم تحويل أي دولة في العالم الأموال إليهم في حال اعترضوا على صفقة القرن. وفي حال وافقت فلسطين على شروط هذا الاتفاق ولم توافق حماس أو الجهاد الإسلامي، فسيُعتبر قادة حماس والجهاد الإسلامي مسؤولين، وفي جولة أخرى من العنف بين إسرائيل وحماس ستدعم الولاياتالمتحدة إسرائيل لإلحاق الأذى شخصيًّا بقادة حماس والجهاد الإسلامي، فمن غير المعقول أن تحدّد مجموعة من عشرات الأشخاص حياة ملايين الأشخاص، وفق الوثيقة. أما إسرائيل فستتعرض لعقوبات اقتصادية من الولاياتالمتحدة في حال رفضها للصفقة.