الدماغ وتشبيكاته يعتمد بقوة على العواطف والانفعالات لدى اتخاذ القرارات الحاسمة بدلا من اعتماده على الفكر! هذا أحدث ما توصل اليه العلماء بعد دهور طويلة من تراكم الأدلة على هذا الأمر عبر التاريخ. وتوجهت دراسة حديثة نشرت في مجلة «ساينس» العلمية، خصصت لمسح وتصوير الدماغ، نحو التعمق في مفهوم «التأطير» framing (تأطير المعلومات للوصول الى هدف معين) الذي يؤثر على اتخاذ القرارات، وهو مسألة تثير النقاش بين صفوف علماء النفس وخبراء العلوم الاقتصادية والعلوم السياسة. وحتى الآن اظهرت دراسات التأطير، الطريقة التي يتم فيها اتخاذ قرار، مثل اتخاذ قرار غير صائب لدى عرض دعاية ترويجية سلبية مثلا. الا ان احدا لم يبين بالضبط كيف تتم هذه العملية لدى الانسان قبل ان يقدم بينيديتو دي مارتينو، الباحث في جامعة يونيفرسيتي كوليدج في لندن، وفريقه، دراستهم بتصوير الدماغ، حيث اخضع دي مارتينو ادمغة 20 متطوعا من الرجال والنساء للتصوير على مدى 17 دقيقة اثناء طلبه منهم ممارسة المقامرة، أو عدم المقامرة، بمبلغ ابتدائي قدره نحو 95 دولارا. وعندما اخبر المتطوعون ان بإمكانهم الحصول على 40 في المائة من المبلغ ان لم يمارسوا المقامرة، اخذوا بالمقامرة في 43 في المائة من زمن الفترة الممنوحة لهم. ولكن وعندما ابلغوا بأنهم سيخسرون 60 في المائة من المبلغ ان لم يقامروا، أخذوا في المقامرة لمدة اطول بلغت 62 في المائة. وكان العلماء قد شرحوا للمتطوعين قبل التجربة ما يربحونه ويخسرونه عند استغلالهم لهاتين الفرصتين، وبينوا لهم ان فرص الربح والخسارة متساوية في الحالتين. الا ان تأثير «التأطير» (للمعلومات) ادى الى اجبارهم على اتخاذ قرار غير صائب. واظهرت الدراسة ان لوزة الدماغ، وهي منطقة الدماغ العصبية المسؤولة عن معالجة الانفعالات السلبية العنيفة مثل الخوف، كانت تعمل بشكل محموم استجابة لكل قرار للمقامرة الذي كان يتخذ خلال ثانيتين في المعدل. أما عندما قاوم المتطوعون تأثير التأطير هذا، فقد نشطت ايضا منطقة الدماغ المرتبطة بالانفعالات الايجابية مثل التعاطف ومنطقة اخرى من الدماغ تنشط عادة عندما يواجه الانسان اختيارات عديدة، الأمر الذي يعني مساهمتهما في اتخاذ القرارات. وقال دي مارتينو :«لقد رصدنا انحيازا انفعاليا بشكل ما لدى كل شخص، اذ لم يكن أي منهم (المتطوعين) خاليا من هذا الانحياز». وتأتي هذه الدراسة في وقت تتزايد فيه الأبحاث في اقتصاديات الأعصاب، وهو الميدان الذي يدرس العلماء فيه دور الدماغ في اتخاذ القرارات اثناء عمليات البيع والشراء. * خدمة «يو إس إيه توداي» خاص ب«الشرق الأوسط»