اختلف مع زوجته، فعاندها بأن حقن طفلتهما ذات الثلاث سنوات، بمخدرات أدت إلى تدمير جهازها العصبي، ومستقبلها، ولم يكن ذلك سوى لأنه مدمن مخدرات، فشل في الحفاظ على حالة وفاق مع الجميع. ووصل آخر إلى مرحلة من فقدان الأعصاب، أوصلته إلى قتل أمه، بأن بقر بطنها التي كان جنينا داخلها ذات يوم، ثم سرق خاتم الذهب الوحيد التي كانت تزين به يدها. وشقيقة أحدهم تربط يدها بقطع من الشاش، وتحملها على عنقها، لقد كسرت النافذة بيدها، عندما كانت تحاول الهرب من أخيها المدمن، الذي كان يلاحقها بخطوات غير متزنة ليحاول اغتصابها. وأخريات تعرضن للقتل والاغتصاب من قبل أقاربهن المدمنين. وتمتلئ شوارع حارات المدن والقرى بعصابات من الشباب المنحرفين، يسميهم البعض ب "المحببين" بمعنى أنهم مدمني حبوب. وللعلم، فهذه الحبوب تباع في الصيدليات. ورغم أنه لا يجوز بيعها إلا بوصفة طبيب، فإن العديد من الصيدليات تبيع هذه الحبوب دون وصفة، وبكميات قاتلة!! وتمتلئ مقايل الرجال والنساء بقصص أكثر بشاعة عن حالات يمضغها الناس في جلساتهم، كما يمضغون القات..؛ وللقات حكاية أخرى. ضُبط تاجرا مخدرات فقط عام 2000، ثم ثلاثة تجار (2001)، فخمسة تجار (2002)، فأربعة (2003)، ثم سبعة في( 2004م). وفي 2005 كان العدد ارتفع إلى 13 تاجرا. أما في العام 2007م فقد وصل عدد التجار -المضبوطين فقط -إلى 204 متهما، بينهم 22 من جنسيات غير يمنية. ويقول وزير الداخلية، إنه تم في عام 2005م إتلاف أكثر من عشرة أطنان من المخدرات، التي تقول الأجهزة الأمنية إنها تدخل اليمن بغرض تهريبها إلى دول الجوار، بينما يقول متحدث باسم وزارة الداخلية، إن الوزارة تسجل أكثر من أربعة آلاف حالة إدمان. يعتقد الكثير من الناس أن من يتم القبض عليهم ليسوا سوى عمال لدى تجار كبار، تربطهم علاقات قوية بمسئولين حكوميين. ويقول البعض، إن تجار المخدرات معروفون للقاصي والداني، ويسكنون في فلل فخمة على مرمى حجر من دار الرئاسه! ولهم علاقات قوية ونفوذ يتسع بشكل مخيف، حتى لا يخضعون لأي تفتيش عادي أو روتيني، ولا يمنعون من التجول بالسلاح في شوارع المدن. وتشير دراسات عامة إلى تداخل المخدرات مع جرائم أخرى، كالعصابات المنظمة التي يمتد عملها إلى الدعارة والسرقة والسطو والخطف وغسل الأموال، والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية المشروعة، فيتسلل تجار المخدرات إلى المؤسسات الاقتصادية والسياسية ومواقع السلطة والنفوذ والتأثير على الانتخابات. ويقول الدكتور مصطفى سويف ل "الجزيرة": الخسائر الاقتصادية الناشئة عن المخدرات، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع خسائر، ظاهرة، وأخرى مستترة، وثالثة خسائر بشرية. ويأتي في الإنفاق الظاهر مكافحة العرض وخفض الطلب، مثل الإدارة العامة للمكافحة، المباحث العامة، الجمارك، السجون، البوليس الجنائي الدولي، سلاح الحدود، خفر السواحل، القضاء، الطب الشرعي، برامج التوعية، التشخيص والعلاج وإعادة التأهيل والاستيعاب. ويأتي في الإنفاق المستتر (الاستنزاف) التهريب، الاتجار، الزراعة، التصنيع، العمل، تناقص الإنتاج، اضطراب العمل وعلاقاته والحوادث. كما يأتي في الخسائر البشرية العاملون في المخدرات والمدمنون والمتعاطون والضحايا الأبرياء. ويقول الأستاذ علي المقالح، رئيس فريق حماة المستقبل بمؤسسة صناع الحياة بصنعاء، إن المخدرات أصبحت في اليمن ظاهرة، وعلينا أن لا نغالط أنفسنا بقول إن اليمن ليست سوى معبر لمرور المخدرات إلى دول الجوار، كما يؤكد على دور مؤسسات المجتمع المدني في المشاركة في توعية المجتمع من أضرار المخدرات. كما يقول، إن من واجب النشطاء أن يساهموا في تحجيم أضرار هذا الوباء قائلا، إذا كانت أجهزة الأمن تقوم بملاحقة المهربين والتجار في خطوة منها للقضاء على "العرض"، فإن الخطوة الأهم تتمثل في توعية المجتمع، ومعالجة المدمنين من أجل القضاء على "الطلب"، وهي مهمة المتطوعين، الذين كانوا يستمعون إلى كلمته في اجتماع عقده فريق "حماة المستقبل"، وعرض فيه مندوب عن وزارة الداخلية عرضا مقتضبا لجهود الحكومة في محاربة الاتجار بالمخدرات. وبينما رفض التحدث بشفافية عن أرقام الإحصائيات الحكومية، مشيرا إلى أنه من الصعب عليه أن يدلي بمعلومات شفافة، فإن رئيس مؤسسة "صناع الحياة"، يعتقد أن رفض الإدلاء بمعلومات شفافة عن مشاكل المجتمع ليس ناتجا عن أوامر عليا كما يقال، بل هو ثمرة طبيعية للعجز الحكومي وغياب أجهزة الإحصاء أصلا. وبهذا الانتشار المخيف للمخدرات، سقطت آخر حجة من حجج المتعصبين للقات، الذين كانوا يعتبرونه حائلا بين المجتمع وبين المخدرات، فأصبح القات صنوا للمخدرات، وهو كذلك من قبل، بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، التي أدرجت القات عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة، بعدما أثبتت أبحاث المنظمة التي استمرت ست سنوات منذ عام 68م احتواء نبتة القات على مادتي نوربسيدو فيدرين والكاثين المشابهتين في تأثيرهما للأمفيتامينات. وينتشر القات في اليمن كما لا ينتشر أي مكان آخر، حيث تعتبره الكثير من العائلات حاجة أساسية يتم اقتطاع قيمته من الدخل الأساسي، كما يصرف فيه اليمنيون أكثر من نصف اليوم. وبينما يعتبره البعض محفزا لإنشاء علاقات اجتماعية متينة، فإنه في ذات الوقت يدمر العلاقات الأسرية، التي تنهار بفعل غياب الزوجين عن البيت وانشغالهما بمجالس القات، وكذلك بتأثير القات على الحالة النفسية بعد ساعات من تعاطيه، وهو الوقت الذي يكون فيه الزوجين قد عادا إلى البيت، كما أنه يؤثر بشكل كبير على القدرة الجنسية للرجل. وربط العلماء بينه وبين انتشار سرطان الفم لدى اليمنيين، كما أنه يزيد من نسبة السكر في الدم، ما يؤدي إلى الإصابة بالسكري، كما يعمل على فقدان الشهية وسوء الهضم بحسب تقارير طبية.. ويتداول سوق القات في اليمن أكثر من ستة ملايين دولار أمريكي يوميا، كما يستهلك أكثر من ثلاثين بالمائة من المياه الزراعية، ويعطل ما يقارب النصف من الأراضي الصالحة للزراعة، كما قضى تماما على شجرة البن، التي لم تعد موجودة في اليمن إلا بأقل من نسبة واحد بالمائة مقارنة بالقات. أصيب المجتمع اليمني بمصيبة المخدرات، التي يرفضها بشدة، بينما يرضى تماما بمصيبة القات التي تشجع عليها الحكومة، لتحصل على المزيد من الضرائب. ولأن الإدمان مرض واحد متعدد الأعراض والأدوات، فإن المجتمع المدمن على صنف من المخدرات، من السهل جدا أن يدمن على الأنواع الأخرى، طالما لا يمتلك الحصانة النفسية والثقافية الكافية لمنعه من الانهيار في هوة المخدرات.