تعطي التقاليد والثقافة السائدة في اليمن، الذكر مكانة أعلى من مكانة الأنثى وتمنحه السلطة الثانية بعد الأب. حتى ولو كان «معتوهاً» أو لم يبلغ بعد سن الرشد، يبقى الصبي رديف أبيه الحائز سلطاته القائم بدوره في غيابه. وتعد اليمن من بين الدول العربية الأكثر احتفاء بالذكر، وصحيح أن وأد العرب للأنثى انتهى مع ظهور الإسلام ، بيد أن ثقافة الوأد هذه لا تزال تتمظهر عبر أشكال متعددة ، ومنها جرائم الشرف والعنف اللفظي والإقصاء السياسي وتعدد الزوجات وقوانين الإرث. ومن اللافت الاحتفاء الكبير الذي توليه الثقافة العربية للمولود الذكر، ويتم تكريسه من خلال الآباء كما من طريق المرأة نفسها التي عادة ما تتعاطى مع الولد باعتباره رجل البيت . وما أن يلمح الصبي رجلاً ، يشير بيده إلى أمه بأن « تدخل إلى المنزل » ، وإذا رأى أنها لم تفعل صرخ فيها : « ادخلي جنّي يركبش (أي يتلبس بها) » . ويصرخ الصبي ، كي يحث والدته على الدخول لأن غريباً يوشك أن يعبر أمام باب المنزل ويشاهدها . ولكن الصبي يفصح ، من دون أن يدري ، عن سلطة ما بات يحوزها ويقرّها له أفراد الأسرة بمن فيهم الأم ، التي ما كانت لتنسل إلى داخل المنزل بتلك السرعة لو لم يصرخ بها أو لم يكن موجودا . صحيح إن الكثيرات من الأمهات والأخوات قد يملكن قدرة التحكم بالأبناء والأشقاء وضربهم أيضاً ، بيد أن ذلك قد يسري على كثير من الأمور باستثناء ما يتعلق ب« العيب والشرف » . إذ يكفي أن ينقل الابن إلى أبيه حكاية عادية من قبيل تعمد والدته الظهور أمام غريب « كي يقيم الدنيا على رأس الأم وبناتها » .سلطة الذكر في اليمن لا تقتصر على فرض رأيه على شقيقاته ووالدته فحسب ، بل تصل إلى السيطرة على الإناث من قريباته ولو من الدرجة الثانية . ويعد ضرب أشقاء لشقيقاتهم أمراً عاديا ً، وقلة من الأسر التي لا تعرف اعتداءات من هذا النوع . وبعض الأسر لا يسمح للبنات بالخروج للتسوق ما لم يصطحبن ذكراً ولو كان في سن السابعة . وتذكر وداد (32 سنة) أنها كادت أن تُحرم من مواصلة تعليمها الجامعي بسبب شقيقها الذي يكبرها بسنة واحدة . وتوضح أنها أنهت الثانوية العامة بعد وفاة والدها ، وكان يفترض بها أن تلتحق بالجامعة في العام التالي غير أن شقيقها الذي أصبح يقوم « مقام رب الأسرة » ، لم يسمح لها بذلك . وتضيف : « بعد عامين ، جاء شاب لخطبتي ، فاشترطت عليه أن يسمح لي بمواصلة دراستي فوافق » ، معتبرة ذلك من « محاسن الصدف » . وتشير وداد إلى عوامل اجتماعية وثقافية تقف وراء استمرار وضع الأنثى في دور المتلقي والخاضع لسلطة الذكر حتى لو كان يصغرها سناً . وتضيف : « الأمر لا ينحصر بالأسرة فقط بل يتعلق بوضعية اجتماعية تراتبية ، تكون الأنثى في جميع سياقاتها موضوعاً لسلطة تمارس عليها » ، لافتة إلى «مفاعيل الثقافة التمييزية الراسخة التي تصف المرأة بأنها ناقصة عقل ، والنساء مجرد قوارير. ولا يزال النظام القبائلي التراتبي التمييزي يلقي بظلاله على نمط التربية . ومنذ الصغر تعطي التنشئة الأسرية والاجتماعية لكل من الولد والبنت أدواراً متمايزة يكون فيها دور الذكر حاسماً ومفصلياً. ويدأب يمنيون كثر على تنشئة أولادهم منذ الصغر ، على مفاهيم الرجولة ، عدا تشجيع صغار السن والمراهقين على التمنطق ب« الجنبية » وحمل المسدسات وارتداء البزات العسكرية... ويوصف من لا يتحلى ببعض الخشونة ب« المايع » و« ابن مكلف » (أي ابن أمه) . ويعتقد يحيى (17 سنة) أنه ومهما « تعلّمت الفتاة فأنها لا تستطيع أن تقوم بكل مهمات الذكر». ويزعم أن « الدين والعلم والواقع تؤكد ذلك ». ويرى إن المرأة « ضعيفة جسمانياً وتتغلب عليها العاطفة ، وبالتالي فأنها لا تستطيع أن تتخذ القرارات الحاسمة ». واللافت تسرب كثير من هذه المفاهيم التمييزية إلى مناهج التعليم والمادة الإعلامية.