قبل الخوض والحديث في مستقبل الحركة السلفية يجدر بنا التعريف: على الخارطة التي تشكل في مجموعها هذه الحركة. وخاصة بعد وفاة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله. فقد توفي والسلفيون اتجاهات ثلاثة: • الإتجاه الأول: وهو المتمثل بجمعية الحكمة التي دخلت في صراع وخلاف شديد مع الشيخ مقبل استمر حتى وفاته في 30 ربيع الثاني 1422ه الموافق 21/7/2001م. وكان محور الخلاف حول الجمعيات الخيرية والعمل التنظيمي والإداري والتصوير.. وغير ذلك من المسائل التي كان الحق فيها والصواب من قيادات وعلماء جمعية الحكمة ومنهم الشيخ عبدالعزيز الدبعي والشيخ محمد المهدي والشيخ عقيل المقطري والشيخ المعلم والشيخ مراد القدسي وغيرهم من الذين خالفوا الشيخ مقبل في العديد من المسائل الاجتهادية والقضايا المستجدة. وقد دافعوا عن آرائهم واجتهاداتهم بالأدلة الدامغة والبراهين الواضحة. • الإتجاه الثاني: جمعية الإحسان الخيرية وقد انفصلوا عن جمعية الحكمة لأسباب لا يراها كاتب هذه السطور أسباباً وجيهة ولا مقنعة. ومثل الحكمة دخل أصحاب الإحسان في خلافات شديدة مع الشيخ مقبل وقد وصفهم بالسروريين والقطبيين وأنهم حزبيون لا يختلفون عن الإخوان المسلمين ومن أبرز قيادات جمعية الإحسان الشيخ عبدالمجيد الريمي والشيخ عبدالله اليزيدي رئيس الجمعية والشيخ أحمد (هيف) أمين عام الجمعية والشيخ عبدالرحمن سعيد والشيخ محمد بن موسى العامري البيضاني والشيخ فيصل الأهدل والدكتور حسن شباله والشيخ عبدالله الحاشدي والشيخ الدكتور علي مقبل الأهدل وغيرهم ممن ينتسبون لهذا الإتجاه تنظيمياً أو فكرياً. وفي بداية التأسيس سعى أصحاب جمعية الإحسان للحد من عمل ونشاط الحكمة. وكان التنافس قوياً والصراع واضحاً والخلاف كبيراً. ومع مرور الأيام والسنين ونظراً لوجود قيادات معتدلة في الجانبين فقد شهدت العلاقة بين الإحسان والحكمة في الفترة الأخيرة تحسناً ملحوظاً، وتتمثل في التعاون والتفاهم وإقامة الفعاليات والزيادات المشتركة وغير ذلك من أنواع العلاقات الحسنة والتعاون على البر والتقوى. واعتقد أن هذه العلاقة سوف تشهد خلال الفترة القادمة تحسناً وتطوراً يتناسب وحجم التحديات التي تواجه الحركة السلفية. • الإتجاه الثالث: تيار ومدرسة الشيخ مقبل والذين كانوا معه وحوله أمثال الشيخ أبو الحسن المأربي والشيخ محمد بن عبدالوهاب والشيخ محمد الإمام والشيخ عبدالعزيز البرعي والشيخ يحيى الحجوري وعبدالرحمن العدني ومحمد الصوملي وعبدالله بن عثمان وغيرهم من العلماء والدعاة وطلاب العلم، وبعد وفاة الشيخ مقبل رحمه الله انقسم هذا الاتجاه إلى عدة تيارات وأجنحة وفصائل بسبب الصراع على خلافته من جانب وبسبب الغلو والمغالاة من جانب آخر. ونستطيع أن نحصر هذه الانقسامات إلى التيارات في الاتجاهات التالية: اتجاه أو تيار مركز دماج بقيادة الشيخ يحيى الحجوري الذي استولى على المركز وجعل نفسه خليفة للشيخ مقبل ووصياً على هذا الاتجاه، ونظراً للطيش وعدم التعقل والاتزان فقد عمل الشيخ الحجوري على زرع الفتن وصناعة الخلافات وتوسيع دائرة الأعداء والخصوم. اتجاه الشيخ أبي الحسن المأربي الذي كان أول من اختلف مع الشيخ الحجوري ودخل معه في معركة حامية الوطيس شاركت فيها أطراف أخرى داخلية وخارجية، وكان التمايز والاختلاف بين الشيخ أبي الحسن والشيخ الحجوري على أساس الغلو والاعتدال، فمن كان من أتباع الشيخ مقبل وهو في اتجاه يقرب من الاعتدال ويبعد عن الغلو فقد انضم للشيخ أبي الحسن، ومن كان في غياهب الغلو والتعصب وقف مع الحجوري، وهناك من وقف مع هذا أو ذاك لأسباب وعوامل أخرى، وفي كل الأحوال فقد كان المؤيدون للشيخ أبي الحسن يشكلون نسبة لا بأس بها من حيث الكم ومن حيث الكيف. فقد كانوا الأكثر اعتدالاً وانصافاً وعلماً وصدقاً – نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، قياسياً لأصحاب الحجوري. وأثناء تلك المعركة ظهر اتجاه آخر وتيار جديد عرف باسم – أصحاب براءة الذمة – وهم مجموعة من الدعاة الذين عرفوا أن الحق مع الشيخ أبي الحسن ولكنهم لم يمتلكوا الشجاعة الكافية لإعلان ذلك والانضمام إليه، واكتفوا بإصدار بيان من باب براءة الذمة وكانوا في منزلة بين المنزلتين، أما اليوم فقد توزعوا وانضموا إما إلى الشيخ أبي الحسن أو إلى جمعية الحكمة، وبعضهم ما زال في منزلة بين المنازل. ومن أبرز أصحاب براءة الذمة: نعمان الوتر ومحمد راجح وأحمد بن منصور العديني وحفظ الله البعني وعلي بن محمد الأغروقي وآخرون. ويشكل كل من الشيخ محمد الإمام والشيخ محمد بن محمد الوهاب والبرعي والصوملي وعبدالرحمن العدني اتجاهاً جديداً في الخارطة السلفية حيث أن هؤلاء لم يصيروا على نزق وطيش الحجوري الذي قدم نفسه باعتباره قائداً لهم وأنهم تابعون وهو متبوع، مع أنهم أكثر منه علماً وأرسخ أثراً وأكثر شهرة وحضوراً، ولأجل ذلك فقد أعلن الشيخ عبدالرحمن العدني الانفصال والانشقاق عن الشيخ يحيى الحجوري في دماج والاستقلال عنه، وبعد أن قام الحجوري بهوايته المفضلة بالسخرية والاستهزاء من المخالفين له فقد أصدر قراراً بفصل الشيخ العدني من قائمة أهل السنة والجماعة، وقد تعاطف عدد من علماء هذا التيار مع العدني وأصبح بينهم وبين الحجوري جفوة، وفي المستقبل القريب سوف تتحول إلى قطيعة. وهؤلاء هم محمد بن عبدالوهاب الوصابي "الحديدة" ومحمد بن عبدالله الإمام "معبر" وعبدالله بن عثمان "ذمار" وعبدالعزيز البرعي "مفرق حبيش" ومحمد الصوملي "صنعاء". والخارطة السلفية في جناحها المتشدد من أصحاب الغلو قابلة لمزيد من الانقسام والتشرذم والتشظي. في المقابل تشهد التيارات المعتدلة مزيداً من التقارب والتآلف والتعاون، وخاصة جمعية الحكمة التي تتمتع بعلاقة جيدة ومتميزة مع تيار الشيخ أبي الحسن الماربي وتيار جمعية الاحسان، بينما علاقة جمعية الإحسان بالشيخ أبي الحسن ليس على ما يرام ويشوبها عدد من الخلافات. المستقبل السلفي والعمل السياسي إذا تركنا تيار الغلو واتجاه الغلاة في الحركة السلفية، فإن بقية الاتجاهات والتيارات السلفية تسير بخطىً واضحة وخطوات محسوبة نحو مستقبل أفضل، حيث أن هذه الاتجاهات (جمعية الحكمة، جماعة الشيخ أبي الحسن، جمعية الاحسان) تمتلك اليوم قاعدة تربوية ودعوية وتعليمية قوية ومؤثرة، عبر مراكز الدعوة والمعاهد العلمية (مدارس خاصة) والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والدعوية، مثل مؤسسة الإمام الشوكاني القريبة من جمعية الحكمة، ومؤسسة الريادة الثقافية التابعة لجمعية الإحسان، ومؤسسسة القلم التي يرأسها الشيخ عبدالمجيد الريمي، وقد علمت أن الشيخ أبا الحسن المأربي سوف يقوم بتأسيس مركز للدعوة والعلوم الشرعية من صنعاء، مما يجعله أكثر قرباً من العاصمة والأحداث والتطورات، والمتابع للمقابلات الصحفية التي أجريت مع مشايخ السلفية في الفترة الماضية يلحظ التطور والتحسن الذي ظهر في الخطاب الدعوي والفكري، وتحديداً المقابلات والحوارات التي اجريت مع الشيخ محمد المهدي والشيخ أبي الحسن المأربي، حيث استطاعا النيل من السلفيين والإساءة للسلفية، وتوضيح أن هؤلاء المشايخ ليسوا بعيدين عن العصر والتطورات وأنهم يؤمنون ويعملون ويدعون وفق القاعدة المعروفة – سلفية المنهج وعصرية المواجهة.!! لم تعد السلفية بالصورة التي ربما ظهرت فيها في بدايات تأسيسها، السلفيون اليوم يحتكون بالواقع ويتعاملون بمرونة ويلتزمون إلى درجة كبيرة بالواقعية والوسطية، وإن ظهرت بعض المسائل التي لم يحسم الأمر حولها، ولم يتم الإقدام للدخول فيها، ومن ذلك المشاركة السياسية المباشرة وتأسيس حزب أو أحزاب، والمشاركة في الانتخابات بفاعلية وقوة انتخاباً وترشيحاً، وللإنصاف فإن مشايخ جمعية الحكمة وفي مقدمتهم الشيخ محمد المهدي قد أكدوا على أن المشاركة في الانتخابات مسألة اجتهادية لا يجوز فيها الإنكار، وإن لكل فريق أدلته واجتهاده من حيث النظر إلى المصالح والمفاسد، ونفس الأمر ينطبق على قضية الحزبية وتأسيس الأحزاب المقارنة والموازنة بين المصالح والمفاسد، الشيخ أحمد المعلم يؤكد على "أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية مسألة اجتهادية وليست قطعية فلا حرج على من ترجح لديه المشاركة"، هذا بشأن الانتخابات البرلمانية والدخول في المجالس النيابية، أما الانتخابات المحلية والرئاسية فلا يوجد حولها خلاف باعتبار أنها مهام إدارية وقيادية على مستوى المجالس المحلية في المديريات والمحافظات ورئاسة الجمهورية، فإنها مناصب قيادية إدارية والمشاركة فيها ترشيحاً وانتخاباً لا تختلف عن الانتخابات التي تتم في إطار الجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية والنقابات والاتحادات، فكل هذا لا غبار عليه ولا خلاف حوله، والخلاف والاجتهادات تتنوع حول المشاركة في البرلمان، وذلك بسبب أن للبرلمان دوراً تشريعياً بجانب دوره الرقابي، فتظهر المخاوف من إصدارات قوانين أو تشريعات تتناقض والشريعة الإسلامية، والرد على هذه المسألة أن المادة الثالثة من دستور الجمهورية اليمنية تضبط كل القوانين والتشريعات بالشريعة الإسلامية باعتبارها مصدر جميع القوانين والتشريعات وباعتقادي أن مشاركة السلفيين في العملية السياسية والانتخابات أصبحت مسألة وقت وخاصة لدى جمعية الحكمة وقياداتها وعلمائها، وهناك تيار داخل الجمعية يدفع نحو تأسيس حزب سياسي والمشاركة الفاعلة في الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية، وخاصة أن الحركة السلفية تمتلك قاعدة جماهيرية ونوعية كبيرة. يقول الدكتور صلاح الصاوي: إن أحداً لا ينكر أن للتعددية مثالبها كما أن لحكم الفرد مثالية كذلك، ولكن المفاسد التي تنجم عن حكم الفرد من القهر ومصادرة الحريات هي أضعاف ما تترتب على التعددية، والشريعة تؤكد على تحقيق أكمل المصلحتين ودفع أعظم المفسدين وأنها قد تحتمل المفسدة المرجوحة من أجل تحقيق المصلحة الراجحة، علمنا أن نقول بمشروعية التعددية هو الأليق بمقاصد الشرع والأرجى تحقيقاً لمصالح الأمة وصيانة حقوقها وحرياتها العامة. إن الرؤية الإسلامية لهذه التعددية تبحث عن الايجابيات فتنميها وعن المثالب فتقصيها. وتؤكد على الثوابت وعدم المساس بها، فإذا استخلصنا صياغة لتعددية حزبية تحقق المصلحة وتفي بالحاجة وتصون الأمة من جور الحكام المستبدين، وتحفظ حقوقها في الرقابة والحسبة. ويؤكد الدكتور صلاح الصاوي على أن للديمقراطية جانبين: جانب يقره الاسلام ويزكيه بل ويحض عليه ويوجبه وهو حق الأمة في تولية حكامها والرقابة عليهم، أما الجانب الآخر يأباه الاسلام وهو الحق في التشريع المطلق. ورداً على الذين يحرمون المشاركة في الانتخابات ودخول البرلمان يقول الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق: جمع بعض اخواننا السلفيين خمسين مفسدة من مفاسد الديمقراطية. ونحن نقول نستطيع أن نضيف إليها خمسين أخرى بل مائة ولا يعني هذا تحريم الدخول إلى المجالس البرلمانية. وكان الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين والشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمهم الله – وغيرهم من كبار علماء السلفية قد أصدروا فتاوى بجواز دخول المجالس البرلمانية، وفي كل الأحوال لا يجوز الإنكار في هذه المسألة لأنها من مسائل الخلاف. فلكل فريق أدلته واجتهاده من حيث النظر إلى المصالح والمفاسد. فمنهم من نظر إلى مفاسدها ورجحها على مصالحها. أما الذين أجازوها فهم مقتنعون أن المصالح فيها أكثر من المفاسد كما يذكر الشيخ محمد المهدي. وبناءً على ماسبق فقد دخل السلفيون في دولة الكويت العمل السياسي وشاركوا في الانتخابات البرلمانية وأصبح لهم وجود وحضور في مجلس الأمة الكويتي – البرلماني. وعن هذه التجربة وأهميتها يقول الشيخ ناظم المسباح عضو مجلس إدارة جمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت لحاجة مهمة للدعوة السلفية للمشاركة في مثل هذه المجالس، ولا بد أن يكون عندنا كرسي نيابي لحماية الدعوة والدفاع عنها، لا بد أن يكون لنا تواجد حتى نكون قريبين من القيادة السياسية في البلد أو في أي بلد من بلاد المسلمين، فعندما نكون قريبين منهم فإنهم يفهمون رجال الدعوة على حقيقتهم. وفي ذات السياق يقول الشيخ محمد المهدي في إحدى مقابلاته رداً على سؤال: لماذا لا يكون السلفيون حزباً سياسياً؟ يقول موضحاً مفهوم الحزبية: إن كل مجموعة من حيث اللغة تعتبر حزباً. ولذلك يخطئ من يفتي بتحريم الحزبية مطلقاً لأن هذه اللفظة مشتركة تدخل فيها التجمعات المؤمنة والتجمعات الكافرة. ويؤكد الشيخ المهدي على أن هذه المسألة ينظر لها من زاوية المصالح والمفاسد. وأنهم متفقون على الاجتماع على الخير. موضحاً أن من ينكر ذلك لم يستطيعوا تحديد مفهوم الحزبية الممنوعة والحزبية المشروعة. ويضيف قائلاً: أما الحزبية السياسية فإن السلفيين هم من اختاروا طريق التربية والتعليم والدعوة مع تعاطفهم مع كل صف إسلامي سواء سمّى نفسه حزباً أو جماعة. ويرى أن الذين يدخلون في الحزبية قد قادهم تفكيرهم واجتهاداتهم إلى هذه أو هو ما يفهمونه. كما يؤكد الشيخ أحمد بن حسن المعلم على أن مسألة المشاركة في الانتخابات البرلمانية مسألة اجتهادية وليست قطعية فلا حرج على من ترجح لديه المشاركة. ولا حرج على من ترجح لديه الامتناع عنها. اقرأ في الملف : - مقدمة الملف. - ذكريات سلفي سابق .. حين يكون انتماؤك قيداً يكبل عقلك .. مستقبل السلفية تحرر الانغلاق وجمود الاعتدال. - النائب محمد الحزمي: الوادعيون ضد الحوار والتكفير ليس من حق أحد . - بعض أقوال محمد الإمام في كتابه " الحزب الاشتراكي في ربع قرن ". - الشيخ محمد الإمام: الإسلام ليس وسيلة للمحاباة . - مع الشيخ الوادعي في بضع سطور. - مستقبل السلفيين في اليمن .. العمل السياسي أنموذجاً. - الشيخ محمد المهدي: إعادة الناس للماضي شرف لنا .. والسلفيون أكثر من يشتغل بالفكر. - باذيب الذي لن يبلى .