المقالة بشكل عام هي ناتج ومحصلة لمجموعة من العلوم الإنسانية والتطبيقية وكذلك لمتواليات ومصفوفات الأحداث والوقائع، والمقالة ليست رواية وإنما قد تحتوي على السرد بأنواعه ومشتقاته، والمقالة أنواع منها المقالة السياسية، والتي بدورها لا بد وأن تعطي قراءة صحيحة ودقيقة للسياسة بتوجهاتها وتفاعلاتها المختلفة على الصعيدين المحلي والعالمي. كما تتفحص السلوك العام بجميع نواحيه وتطبيقاته للساسة ولأنظمتهم السياسية. فالمقالة السياسية هي كأخواتها من المقالات من ناحية لا بد وأن تأخذ من الماضي العبر ومن الحاضر الوقائع والأحداث الجارية، ومن ناحية أخرى أن تستشرف المستقبل وتأخذ الجوانب والأبعاد العلمية لمجموعات علوم الإنسان، ومنها علم الاجتماع وعلم النفس والمنطق والإحصاء والاقتصاد. المقالة السياسية الجيدة هي المقالة التي يؤلفها الكاتب المستقل غير المنحاز إلى أي مدرسة فكرية، أي أن يكون الكاتب وجوديا وجريئا ويمتلك رسالة إنسانية شريفة، وعلى أن تكون لغته حديثة ودقيقة، وأن يكون هدفها التوعية والتيقيظ، وكذلك التحريك لمشاعر ووجدان وعقل الجماهير. المقالة السياسية الجيدة هي التي تنمي الفضيلة وتساند الحق والعدل والحرية والخير وغيرها من الفضائل. وعليها أن توازن الأفكار في العلاقات مع الآخرين. كل ما سبق ذكره هو النموذج الأمثل للمقالة السياسة، ومقالتي السياسية ومقالة غيري كذلك لا بد وأن تستوفي الشروط العلمية والأدبية ومنها ما ذكرت مسبقا. وبما أن البيئات والثقافات والمدارس ومستويات الخبرة والعلم والمعرفة وكذلك المصالح مختلفة ومتباينة للكتاب والجمهور والدول لذا نرى ونلمس ونشعر بجوانب الاختلافات والصراعات والتنوعات بإيجابياتها وسلبياتها. فالاختلاف سنة في الخلق أيضا وحتمية أبدية. يشير واقع الحال إلى وجود صعوبات ومعوقات كثيرة ليست فقط للمقالة السياسية العربية ولكن كذلك العالمية. فالمقالة السياسية في دول الشمال لم تحرر كليا وأن تحررت فهي تعاني من الإرهاب النفسي المتمثل بالتشهير والتنكيل والاتهامات المغرضة التي هدفها التشويه وقد يمتد العقاب إلى المضايقات وزرع المطبات في طريق من يريد الحرية المطلقة والحق والعدل والعمل من خارج المظلة السوداء لمراكز القوى المستغلة والتي تهدف إلى التحكم في الذهن والشعور والعقل وبرمجتهما خدمة فقط لمصالحها الأنانية والجائرة، وهي تعتمد على الدعاية المضللة والسبق في الأحكام بل وممارسة العقاب. المقال السياسي العربي كذلك يعاني الكثير من المشاكل المتمثلة في غياب الحريات وحكم العسكر وسيطرتهم على مصادر الحياة وتطويع الكتاب والمفكرين إلى حد الإيمان بأفعالهم المخزية والترويج لها أو مصيرهم التنكيل بكافة أشكاله وأنواعه. فالمقالة السياسية العربية فرقت الشعوب مذهبيا وقبليا وقطريا، وزرعت بينها الخصام والدسائس وجعلتها في حالة قتال دائم. والخطاب أو المقال السياسي القومي في حالة شيخوخة وغير قابل للتجديد أو إنجاب جيل قوي ومتعافي وسليم. فما نبصره ونراه هو تدهور وانحطاط أخلاقي وعلمي للمقالة السياسية العربية وأخواتها كذلك. مستقبل المقالة السياسية سيخضع لكل من التغيرات الجيو-سياسية المستقبلية وكذلك لمتغيرات ونواتج ثورة المعلومات والتداخلات الدولية بما فيها العولمة وسقف الحريات والإيمان بالقضايا ومقدرة الكاتب وعلمه وخبرته. فسنري ونبصر ندرة في النوعية وكثرة للمقالة التعيسة والهابطة، أي استمرار للحاضر وخاصة في الوطن العربي الذي يحتضر من جميع النواحي وتزداد علته يوما بعد يوم. ولا أمل إلا بثورة ثقافية وإعلامية تستند إلى استراتجيات جديدة يقودها المبدعون والمبتكرون والمقتدرون على صنع ونقل الأحداث بصدق وأمانة وإخلاص. فالمقالة السياسية ستقوى أو تضعف وحركتها ستكون حركة فوضوية وعشوائية في سائر المجتمعات الكونية تبعا للأحداث وللاكتشافات العلمية وسقف الحريات المتاح، وكذلك اعتمادا منها على العوامل والعائدات الاقتصادية. اتقن عملك أيها الإنسان، فستبلغ المجد والعلى، وهما مستقبلك المحتوم. كاتب وباحث كندي من أصل عربي وسكرتير التحرير التنفيذي لصحيفة أفنان الالكترونية