وخذل سجناء أبين ومتقاعدي الضالع ولحج عمد مجلس النواب إلى التعامل بمبدأ القطيعة مع القضايا والأزمات التي تعيشها البلاد، إذ لاحضور له إلا من باب مفاقمة الأزمات أو تمييع القضايا عبر تشكيل اللجان لدراستها والتي لا تأتي تقاريرها إلا بعد أن تكون القضايا المدروسة قد اتخذت مسارات عدة. وبالنظر إلى القضية الجنوبية التي بدأت باعتصامات للمتقاعدين الجنوبيين أمام مجلس النواب للمطالبة بإعادتهم إلى أعمالهم وتجاهلها البرلمان تحولت مؤخرا إلى حراك سياسي ودعوات للانفصال تتخللها أعمال عنف دامية. وبالرغم من تجاهل المجلس للقضية التي كان يجب أن يبحث لها عن معالجات ويشدد على ضرورة حماية الفعاليات الاحتجاجية السلمية المقامة هناك بدلا من قمعها، فقد ذهب لتأييد الإجراءات الأمنية بحق المتظاهرين، حيث أوصى تقرير برلماني بمنع التظاهر في ساحة الهاشمي بمحافظة عدن منعا باتا. وبرر التقرير توصيته تلك بكون الساحة خدمية للناس ومركز تجمع عدد من الأسواق التجارية ومحطات وسائل النقل. وأيد البرلمان قرار السلطة بعدم خروج أي مظاهرة إلا بإذن رسمي، موضحا أنه على السلطات المحلية بمحافظة عدن تحديد مكان مفتوح كمسرح للمظاهرات والمسيرات السلمية التي تستوفي إجراءات وشروط قانون المسيرات والمظاهرات. تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بتقصي الحقائق حول إطلاق الأمن النار على المتظاهرين في ساحة الهاشمي بعدن في 21 مايو الماضي الذي أسفر عن وفاة مواطنين وإصابة 14 آخرين إلى جانب مصابين من أفراد الأمن فإن إن الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة في أوساط الشباب فضلا عن مشاكل المتقاعدين العسكريين وغياب منهج التربية الوطنية من المقررات الدراسية في المدارس تعد من أهم العوامل التي دفعت إلى خروج المتظاهرين بغير ترخيص وممارسة أعمال شغب وتخريب ونهب للممتلكات العامة والخاصة ورفع الشعارات الانفصالية ونشر ثقافة الكراهية والمناطقية في أوساط أبناء الوطن. وبخصوص تقصي الحقائق حول إطلاق النار على السجناء في سجن زنجبارأبين والاعتداء عليهم داخل السجن وتعذيبهم من قبل أفراد الأمن أواخر يونيو الماضي فقد تبنت اللجنة رأي الجانب الأمني فقط مقابل إدانة السجناء وبحسب التقرير فقد تبين للجنة -من خلال نزولها الميداني إلى محافظة أبين والتقائها بقيادات المحافظة ومسئولي السجن- قيام المساجين بمحاولة كسر بوابة السجن والهروب منه الأمر الذي دفع السلطات الأمنية إلى إطلاق عدة أعيرة نارية وقنبلتين (مسيلة للدموع) على أسفل البوابة بهدف ردع السجناء ومنعهم من الهروب مما أدى إلى إصابة ثلاثة منهم" وهو ذات التبرير الذي قالته حينها السلطة المحلية وإدارة الأمن. ولم تشر اللجنة في تقريرها إلى أن معظم السجناء احتجزوا على خلفية مشاركتهم في فعاليات ومسيرات احتجاجية، مكتفية بالقول: إن مجموعة من السجناء هم أصحاب حالات يرتبط سجنهم بالتزامات مالية غير قادرين على دفعها وكذا حالات قد أمضى أصحابها ثلاثة أرباع المدة المحكوم بها ومنهم من أمضى المدة كاملة. وتطرقت اللجنة البرلمانية إلى افتقار السجن للكوادر المتخصصة والمؤهلة لإدارته وتقصير مصلحة السجون في تزويد السجن بتلك الكوادر". وعلى ما يبدو فلم تكن معاناة السجناء وتعرضهم للعذيب ذات اهتمام من قبل اللجنة بقدر تركيزها على فرض مزيد من القيود على نزلاء السجن، حيث شددت على ضرورة استكمال تسوير السجن وبوابات الحراسة والورش والمعامل وتأهيل السجناء وإكسابهم المهارات الصحفية والمهنية وتكثيف برامج الوعظ والإرشاد وحلقات تحفيظ القرآن الكريم ومحو الأمية. وأوصت اللجنة بمد يد العون للسجناء والالتزام بتطبيق قانون السجون وقانون المرافعات فيما يتعلق بسرعة إجراءات التقاضي أمام المحاكم. وأوصى تقرير آخر ناقشه مجلس النواب في جلسة الأحد الماضي بسرعة تعويض أسر القتلى والمصابين على خلفية الاحتجاجات في محافظتي لحج والضالع. وأكدت اللجنة البرلمانية المكلفة بتقصي الحقائق حول عدد من القضايا الأمنية بالمحافظتين على ضرورة ترتيب وضع العسكريين الذين تم تسوية أوضاعهم ضمن الأجهزة الأمنية ووحدات الجيش بعد إخضاعهم لدورات تنشيطية مع سرعة تسوية من لم يتم معالجة وضعه حتى الآن وفقا للقانون. وشددت اللجنة في تقريرها على ضرورة دراسة أوضاع المتقاعدين العسكريين والأمنيين وبحث المعالجات المناسبة في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ إقرار التقرير. كما دعت اللجنة إلى إعمال مبدأ وسياسة الحوار لحل مختلف القضايا وأوجه الاختلاف وجعل هذا المبدأ ركيزة العمل السياسي بين كل القوى السياسية في الوطن في إطار الدستور والقانون. وفيما لم تقترح اللجنة أي معالجات ناجعة للقضية الجنوبية سوى نصحها باتباع الحوار والتشديد على أجهزة الإعلام والتربية والإرشاد بالتركيز على التوعية بالثوابت الوطنية للحفاظ على أمن واستقرار الوطن ووحدته ونبذ ثقافة الكراهية. من جهة أخرى لم تتمكن أجهزة الأمن من إلقاء القبض على المتهم الرئيسي في جريمة حبيل جبر التي راح ضحيتها ثلاثة من تجار الحلوى من أبناء القبيطة في حين كان مجلس النواب الأحد المنصرم أمهل وزارة الداخلية 24 ساعة لإلقاء القبض عليه إثر مقترح تقدم به رئيس كتلة المؤتمر البرلمانية سلطان البركاني الذي قال في الجلسة "ما لم تقم الأجهزة الأمنية بواجبها في إلقاء القبض على المتهم الرئيس في جريمة العسكرية خلال 24 ساعة فإننا سنطرح قضية مساءلة واستجواب نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن ووزير الداخلية داخل القاعة". إلا أن أياً من ذلك لم يتم بالرغم من انقضاء المهلة دون إلقاء القبض على المتهم، واتهم النائب أحمد سيف حاشد الأجهزة الأمنية بالتقصير في إلقاء القبض على القاتل رغم علمها باسمه ومكان تواجده ولم يستبعد النائب حاشد محاولة توظيف السلطة هذه القضية لأغراض سياسية. وفيما أشار النائب صخر الوجيه إلى أن القتل أصبح حسب الجغرافيا والهوية تساءل عن أسباب وصول هيبة الدولة إلى هذا المستوى من الضعف في عدم حماية المواطنين. ودعا النائب المؤتمري نبيل الباشا الأجهزة القضائية والأمنية إلى القيام بدورها في ضبط الأمن، معتبرا تشكيل لجان لتقصي الحقائق مضيعة للوقت.