في الوقت الذي تتعاظم فيه أزمات البلاد يواصل الحاكم والمشترك سجالاتهما وتبادل الاتهامات بإيصال الحوار الذي لم يبدأ أصلا حول تنفيذ اتفاق فبراير 2009م إلى طريق مسدود وإلقاء تبعات مسئولية ذلك كل على الآخر. وبالرغم من افتقار الطرفين لأي رؤى واضحة يمكن الجلوس حولها وتجاوز الخلافات بينهما فإن كثيراً من المراقبين يرون عدم قدرة السلطة والمعارضة على إخراج البلد من الأزمات التي تواجهها بأقل الخسائر وهو ما جعلهم يعمدون إلى إجهاض الحوار السياسي أكثر من مرة ويلجأون إلى تبادل الاتهامات بعرقلة الحوار وإعادة إنتاج خلافاتهم المكررة. قبل ما يقارب الأسبوعين أبلغ المشترك المؤتمر الشعبي العام بتعليق الحوار بمبرر مستجدات ما حدث في أبين وحبيل جبر وتوسيع حملات الاعتقالات السياسية وجدد مطالبه السابقة للحوار بتنقية الأجواء السياسية والإفراج عن المعتقلين وإشراك الحراك ومعارضة الخارج وكافة الأطراف اليمنية في الحوار وهو ما اعتبره المؤتمر خروجاً عن اتفاق فبراير الموقع بين الأحزاب الممثلة في مجلس النواب ودليلا على تهرب المشترك من الحوار. ومطلع الأسبوع الحالي ناشد المستشار السياسي لرئيس الجمهورية الدكتور عبدالكريم الإرياني أحزاب المعارضة بالعودة إلى الحوار، مؤكدا عدم إغلاق المؤتمر باب الحوار حتى 27 إبريل 2011م (موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة بعد تأجيلها عامين) غير أنه اعتبر ربط الحوار "بقضايا حية وموجودة ولا تنكر أمراً غير مقبول". وفيما كان المشترك علل إنهاءه الحوار مع المؤتمر للمستجدات الجارية في الجنوب وصعدة مشترطا ضرورة تضمينها في الحوار، قال الدكتور عبدالكريم الإرياني إنه لا يوجد مانع من السير في اتجاهين متوازيين للحوار الأول لتنفيذ اتفاق فبراير والثاني لبحث المشاكل القائمة اليوم. وأضاف في مقابلة مع صحيفة الخليج الإماراتية: "ليس لدينا أي اعتراض، لكن ليس عليهم أن يقولوا لنا أوقفنا الحوار حتى تنجزوا وتنفذوا ما طلبناه.. هذا ليس حوارا بل هو أوامر، ولا يمكن أن نقبلها ولا يقبلها إلا مغفل. وتابع "هناك قضايا يجب الخوض فيها وألا تربط بحادثة في صعدة أو مظاهرة في لحج أو مشكلة في زنجبار" معتبرا اشتراطات المشترك ليست دليلاً على جديته في الحوار. ولفت في إيضاحة للمعارضة إلى أن انتخابات 2011 لها مواعيد زمنية محددة يجب عدم تجاوزها.. وفيما يصر المشترك على ضرورة تنقية الأجواء للحوار بما فيها مشكلتا صعدة والجنوب، فإن الحزب الحاكم يعتبر ذلك تعجيزا وغير ممكن وبحسب مقابلة الإرياني فإنه قال للمعارضة: إذا أردتم ألا نبدأ الحوار إلا بعد أن نكون أنهينا مشكلة صعدة والحراك في الجنوب والمشاكل الاقتصادية والسياسية فأنا أؤكد لكم أنني سأموت قبل أن نبدأ الحوار". اتفاق فبراير 2009م الذي تم بموجبه تأجيل الانتخابات لمدة عامين ركز على ثلاث قضايا دون أن يوضح آلية تنفيذها وهي تنقية الأجواء السياسية في البلد ومناقشة موضوع تطوير النظام السياسي وإصلاح النظام الانتخابي كمرحلة لاحقة بما فيها القائمة النسبية. وهذه النقاط يريد المؤتمر اقتصار الحوار عليها فقط فيما يريد المشترك ضم قضايا جديدة. وعن ذلك يقول عضو المجلس الأعلى للمشترك أمين عام الحزب الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان "هذه القضايا كنا قد اتفقنا عليها وكانت قد شكلت أساسا جديدا لحوار وطني جديد لكن الذي جرى أنه بعدما وقعنا هذه الاتفاقية بدأت السلطة بالحملات العسكرية على الجنوب مباشرة، وخلقت وضعا متأزما في مناطق من اليمن، فصارت هناك مواجهات في صعدة واعتقالات للقوى والناشطين السياسيين وقوى الحراك في الجنوب" وأضاف في حوار صحفي "وبالتالي أنتجت السلطة وضعا لا يمكن أن يتسم بأنه وضع مناسب لإجراء أي حوار سياسي". مؤكدا رفض السلطة حتى اليوم هذه النقاط التي توقف الحوار عندها وأوضح الدكتور ياسين استمرار تواصل المشترك مع الحزب الحاكم "إما عن طريق الرسائل أو بأشكال مختلفة ويتركز في البحث عن الوسيلة الملائمة لتنفيذ اتفاق فبراير 2009م، متسائلا عن السبب الذي يدفع المؤتمر إلى جر الجميع إلى حوار خارج نقطة تهيئة الأجواء السياسية "إذا كانوا في المؤتمر يعتقدون أنهم قد أخطأوا عندما وقعوا معنا هذا الاتفاق فيما يخص النقطة التي وردت فيه تهيئة الأجواء لإجراء الحوار- فإنه في هذه الحالة لا يوجد داع للعبث بالقوى السياسية والتلويح بأن هناك برنامجا زمنيا للانتخابات وكأن المشترك هو الذي يعترض على الحوار". وتمنى الدكتور ياسين عدم تعطل الحوار "إلا إذا كان المؤتمر يريد أن يتعامل معنا بنفس الطريقة التي ظل يتعامل بها في فترات سابقة وهي أن نوقع الاتفاق أولا وبعد ذلك يبدأ بفرض شروط الحوار نحن لن نشارك في هذا ولم تعد أوضاع البلاد تحتمل أية مناورة من هذا النوع". وفيما كانت أنباء سرت عن خلافات بين أحزاب المشترك جرت إثر اعتراض الحزب الاشتراكي على خوض حوار مع المؤتمر بدون ضم القضية الجنوبية والإفراج عن المعتقلين والناشطين فقد جدد الحزب الاشتراكي تأكيده عدم المشاركة في حوار من ذلك النوع حتى وإن خاضه المشترك. وقال أمين عام الحزب الاشتراكي: إذا لم تؤخذ الأوضاع التي يعيشها البلد بجدية كاملة ومسئولية وطنية من قبل الجميع وفي المقدمة المؤتمر الشعبي العام ومعالجتها والخروج برؤية حقيقية فنحن على الأقل في الحزب الاشتراكي لن نشارك في أية عملية فيها مناورة لتعطيل الإصلاحات الجذرية. وعلى خلاف تصريحات سابقة للمشترك بأن تعليق الحوار كان من قبلهم أكد نائف القانص رئيس الهيئة التنفيذية للقاء المشترك أن الحزب الحاكم هو الذي قام بتعليق الحوار وليس المشترك" موضحا بأن تعامل السلطة وحزبها الحاكم بخفة مع الاتفاقات هي الأسباب الحقيقية لتعليق الحوار. وقال: تعمد الحزب الحاكم الإساءة للمشترك بغرض التشويه لمواقفه المبدئية إزاء ما تعانيه البلاد، اعتمد على القوة في معالجة القضايا". وكالعادة عقب توقف أي حوار يجهد الحاكم والمشترك في إعادة إنتاج خلافاتهم القديمة وتبادل الاتهامات بتعطيل الحوار والدفع بالأزمات نحو التصعيد، غير أن المؤتمر يرد على ذلك باستخدام سلطة حكمه في ضرب الخصوم ومن ذلك تجديد لجنة شئون الأحزاب تهديدها للأحزاب التي تزعم ممارستها أنشطة سياسية بالمخالفة للقانون. وأبلغت اللجنة مطلع الأسبوع الحالي النائب العام بقيام حزب الحق بممارسة صلاحياته بدون ترخيص والذي بدوره استدعى أمين عام الحزب حسن زيد الذي يترأس الدورة الحالية لأحزاب اللقاء المشترك للتحقيق معه. وبررت اللجنة التي يرأسها وزير الدولة لشئون مجلسا النواب والشورى تصرفها ذلك بعدم عقد حزب الحق مؤتمراته الفرعية وأنه سبق حله من قبل مؤسسيه غير أن أمين عام حزب الحق حسن زيد اعتبر قيام الوزير الكحلاني بذلك بغرض قطع الطريق امام أي حوار أمام المشترك ووضع عقبة جديدة للحوار مع المؤتمر قائلا "السلطة عبارة عن مجموعة من المتضاربة مصالحهم الذين يديرون صراعاتهم من خلال الآخرين". واستغرب من توجيه استدعاء له"لهم عامان منذ أن زعم حل الحزب ومرت حكومتان ولم يتخذ أي إجراء بل على العكس قابلنا رئيس الوزراء عقب اتفاق الدولة بصفتي أميناً عاماً للحزب وقابلنا رئيس الجمهورية أكثر من مرة باسم الحزب". مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية وجه قبل أسابيع قليلة بصرف مستحقات الحزب الموقوفة بشيك عن طريق وزارة المالية وأنها عوملت رسميا عن طريق مكتب الرئاسة. وتوقع أن الإجراء هو "لقطع الطريق أمام محاولة تخفيف الاحتقان بين المشترك والمؤتمر أو خدمة مجانية لدائرة العنف "في إشارة إلى ما يجري في صعدة وفي سياق تصعيد الخطاب الإعلامي للطرفين استنكر اللقاء المشترك ما وصفه بالتضليل الإعلامي الموجه ضده وقياداته من قبل الإعلام الرسمي الذي ينفق عليه من المال العام، معبرا عن أسفه من "لجوء السلطة لمثل هذا النهج الرخيص الذي تحاول من خلاله التغطية على أخطائها وتضليل الرأي العام والهروب من المعالجات والتستر على الفساد والفاسدين وتحميل الآخرين حجة الجرائم التي تقوم بها في المحافظات الجنوبية وغيرها من الأخطاء الفادحة". وأضاف بين صادر عن اجتماع المشترك السبت الفائت "إن السلطة تقوم بهذا التضليل بدلا من أن تقف لحظة محاسبة للنفس والسعي في تهيئة الأجواء المناخية للحوار لتفادي الفتنة التي زرعتها منذ سنتين". ودعا المشترك السلطة إلى الكف عن تلك "الممارسات اللامسئولة والانشغال في التوعية والإصلاحات المالية والاقتصادية وبما من شأنه أن يحافظ على وحدة الصف الوطني وعدم إراقة الدماء البريئة".