كتب/د.محمد ناجي الدعيس ..إن الإقرار بأن ما وصلت إليه الحياة المجتمعية اليمنية من أزماتٍ ماضياً وحاضراً وقد تقسو مستقبلاً هي نتاجٌ فعلي لممارساتٍ ونظرة قاصرة وخاطئة لقادة كل من الدولة والمعارضة على حدٍّ سواء تحكمت فيها الهواجس والتأويلات أكثر مما كانت استجابة لدواعي ومبررات متبصرة معقولة ومقبولة وطنياً، بمعنى آخر كان من يحكم الفرقاء والشركاء في حل أي أزمة وطنية إخضاع الحل لمطلب ولائهم الذّاتي والفئوي ومصالحهم الشخصية وفئويتها لا مطلب الذّات الوطنية العامة ومصالحها، وما تمليه النظرية العلمية في إدارة حل الأزمات من أبدال حلول ممكنة.. وانطلاقاً من هذا وغيره أرى أن من واجب المسؤولية الوطنية لقيادة كل من نظم الدولة المدنية القادمة ونظم المعارضة الإقرار بذلك والعمل على توفير ما يكفي من الشروط الضرورية لتجاوز ذلك الماضي البغيض وواقعنا الأليم الباعث على إقلاق المجتمع واستدامة هجرة للاستقرار والبناء الوطني وأخلاقياته، ونُصحي بأن لا يخطئوا موعدهم مع التاريخ مرة أخرى، من خلال : توافر الشروط الملائمة من قِبل الدولة لحقوق المواطنة المتساوية لحياة يمنية كريمة وآمنة لدى العامة من اليمنيين قبل خاصتهم عن طريق ممارسة ضمان سبل العيش الآمن حتى يتمكن كل فرد من المساهمة في بناء مجتمعه ومنطقته ووطنه الذي تربى في رحمه وروى من مائه وتغذّى من ثماره بدلاً من حالتي الاغتراب والتغريب التي فرض عيشها لوبي الفساد على المواطن اليمني خارج الوطن اغتراب جسدياً أو داخله تغريب فكرياً وهذا أمر وأقسى من الخارجي.. وحينما أقول الشروط فإنني أعني بذلك الشروط التعليمية والصحية والسكنية والمهنية والسياسية والاقتصادية كافة، الفردية منها والجماعية تماشياً مع ما تدعو إليه أخلاقيات النظم الإنسانية الدولية في إطار التنمية البشرية التي تؤكد على أن الإنسان هو جوهر التنمية، وهي تنمية الناس بالناس وللناس وللوطن.. ضرورة أن تتوافر للدولة المدنية ليمن الغد بسلطاتها المركزية واللامركزية رسالة ورؤى واضحة المعالم وشفافة، على أن تأتي الاستراتيجيات مترجمة لها بأوقات زمنية ومالية محددة، وحذاري أن يغفل قادة الدولة المدنية ونظمها الوطنية والمحلية عن إيلاء العدالة المجتمعية في التوزيع التنموي للمناطق اليمنية أهمية بالغة بما هو حقٌ لها، وما يُمكّنها من امتيازات لتسهيل عملية الانطلاق والإقلاع التنموي والاستثماري على المستوى الوطني، وللتوضيح إن مبرر نُدرة الموارد لا يعطي الحق في التوزيع للبعض وحرمان البعض الآخر، وإنما تكون عدالة التوزيع للكلٍ بحسب ما تمليه نسبة النُّدرة.. لأن الملاحظ منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في ال 22 من مايو 1990م، بأن الحكومات المتعاقبة أكانت شريكة أو مؤتلفة أو منفردة من الأغلبية، جميعها لم تحسن الأداء التنموي أو الصراع من أجل بناء وطن كما أحسنت المناكفات السياسية وتقمُّص أخطاء الشريك لخلق صراعات سياسية هدّامة، أخلّت بحقوق المواطنة وخلقت أزمات مجتمعية مزمنة واختناقات تنموية طيلة الفترة الماضية، وكأنهم جميعاً ينتقمون من وطن وشعب..! فيا ترى هل سيعيد التاريخ نفسه إذا ما شُكّلت حكومة وطنية بالتقاسم؟ يقع على عاتق قادة نُظم دولة يمن الغد بسلطاتها المختلفة المبادأة بسلوك ملموس في الانتقال من الرتابة المهنية ونمطية الأداء في تسيير الإشكالات اليومية التي عانينا منها جميعاً إلى خلق فرص تحسينية وتطويرية للاستقرار المهني والمجتمعي والوطني.. وإنعاش عقولهم وسلوكهم قبل نظمهم بتوفير بيانات صادقة عن مطالب البني التحتية الضرورية لكل تنمية وطنية مستقبلية، وإبدال حلول منطقية لمصادر التمويل وزمن التنفيذ.. والتفكير في الممكنات المتاحة لخلق مشاريع إيرادية في بعض القطاعات الاقتصادية والاستثمارية التي تمكن من توظيف ما هو متاح ومتوافر من الموارد وعدم انتظار أطراف أخرى من داخل البلد أو خارجه ليسهموا بهذا الدور، إذ أننا متأكدون من أن وطننا اليمني لا يشكو من شحة موارده كما يروّج البعض بقدر ما يشكو من عشوائية إدارية تجلّت سوئتها للجميع.. فقد لمسنا وقرأنا وسمعنا قبل وخلال ثورة شباب التغيير ولأكثر من مسؤول كيف بعثرت الموارد وخصصت لثراء غير مشروع لفئة فقط، حتى وصل الحال إلى عدم قدرة بعض الجهات الإيفاء بتسليم مرتبات وظفيها..! وبرغم ذلك صرح وزير النفط في مقابلة له على قناة السعيدة أنه لم يُستغل من الاستثمارات النفطية والمعدنية سوى 20 % أي أن هناك 80 % لم يكتشف بعد ناهيك عن بقية الموارد الزراعية والسياحية والبحرية..الخ،.. وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر في المجال الزراعي حينما كان الدكتور / عبدالكريم الإرياني رئيساً للحكومة بداية الثمانينات اتخذ قراراً لمنع استيراد الفواكه فجاءت ثمار ذلك القرار بامتلاء السوق اليمنية بشتى الفواكه اليمنية والخضروات رغم أن ذلك القرار خلا من آليات التجويد والحفظ للعرض والطلب، فنجد تكدسها في فترات حتى تفسد مما قد يُكبّد المُزارع خسارة فادحة، وندرتها في فترات أخرى.. إن وطننا بحق فيه من الموارد ما قد يدفع بالفرد إلى اتخاذ المبادرة بجد نحو المساهمة في البناء لبقية المجالات شريطة أن تتوافر لدى قادة الدولة ونظمها مؤسساتها النية الحسنة والإدارة الكفؤة الرشيدة، وآليات محفزة لتشجيع المواطنين.. تفعيل دور جهات الرقابة والمحاسبة، والدعوة إلى دعم الخزينة الوطنية مادياً وعينياً وبخاصة ممن اتخذ من الفساد ذريعة للثراء في الحكومات السابقة وتملّك ثروة غير مشروعة مالية أو عقارية أو غيرها في استرجاعه إلى خزينة البلد كنوع من التكفير عن ما ارتكب في حق الوطن باسم الولاء، وهو كنوع من فرض الواجب الوطني للتعبير عن الولاء بصدق.. مع تبني سياسة تقشفية صارمة يبدأ تطبيقها قادة نظم الدولة على أنفسهم ليُقتدى بهم من أتباعهم وبقية أفراد المجتمع.. ومهما بدت للقارئ الكريم الشريف والمتبصر فيما يمكن أن يقدمه ليمن الغد ولإنسانه اليمني من أعمال قد تبدو له بسيطة، فإنها ولا محالة ستخفف من حدة المعاناة المقبلة جراء الطيش السياسي إن صح قول ذلك وشظف العيش وزرع الأمل في نفوس الأجيال الناشئة التي لا نريد لها المقامرة والمغامرة والمجازفة في عرض وطول الساحة اليمنية سيما وكما اعتقد أنه قد آن الأوان لإبراز إمكاناتنا وقدراتنا الكامنة دون أن ننتظر المقابل من الوطن، بمعنى من المعيب أن نمُنَّ فيما قدمنا للثورة السلمية وشبابها وأنه بالضرورة أن نتقلّد مناصباً أو مكانة ما لما قدمناه فهذا ليس الوطنية أو الولاء، إذْ من المفترض إيثار وطن عن مصالحنا الشخصية ولنفهم أنه إذا ما استقر الوطن بإدارة الكفاءات استقرينا جميعاً، وهذا ما يجب أن يتأصل في كل فرد منّا كمبدأ يُرسّخ حاضراً ومستقبلاً، وأن ذاك هو ما نبتغيه جميعاً..... يتبع [email protected]