كتب/د. أحمد صالح بن إسحاق بعد دعوة رئيس الوزراء البريطاني جوردون بران لعقد مؤتمر دولي لمعالجة تداعيات الأوضاع في اليمن بدأت توقعات المراقبين بأن يكون الصراع الحكومي الحوثي والحراك الجنوبي والأعمال الإرهابية والوضع الاقتصادي أولى أجندات هذا المؤتمر وحتى نصل الى ماهية هذا التدويل للازمة اليمنية وتحديد المستفيد والخاسر من هذا التدويل دعنا نتحدث قليلا عن ما ياتي: خلافات الحوثيين مع الحكومة اليمنية: نحو أربع سنوات انقضت من بداية المواجهة العسكرية بين الحكومة اليمنية وأنصار رجل الدين الشيعي حسين بدر الدين الحوثي في صعدة، على خلفية الخلافات التي يراها البعض بأنها دينية مذهبية ويراها آخرون بالسياسية، بعد ان كان الحوثي من الموالين للسلطة وكان عضواً برلمانيا باسم حزب الحق الا ان هذا التغير الدراماتيكي في علاقته والموالين له مع السلطة وتحولها الى صدام مسلح قد جعل بعض المحللين يربط هذا الصدام المسلح باختلاف الحوثي مع علماء الزيدية حول الفتوى التي تنص على "أن شرط النسب الهاشميّ للإمامة صار غير مقبول اليوم" وقد دعم رأي أصحاب هذا الاتجاه في تحليل جذور الازمة حديث وسائل الإعلام اليمنية الحكومية الكثير عن رغبة حسين بدر الدين الحوثي الى إعادة الحكم الامامي لليمن، بدلا عن النظام الجمهوري الذي منح الشعب حرية اختيار مَن هو جديرٌ لحكمه دون شرط الانتماء لنسل الحسن والحسين. بينما ربط آخرون جذور الخلاف بالثورة التي شنها الحوثيون ضد السياسات والمصالح الامريكية منذ عام 2004م - وتحديدا عقب الاحتلال الأمريكي للعراق- تحت شعار "الموت لامريكا الموت لاسرائيل" والتي القت بظلالها على العلاقات اليمنية الدولية. وذهب آخرون في تحليل جذور الأزمة بإتجاه تحديد مستوى الارتباط بين الحوثيين والنظام الشيعي الإيراني خاصة بعد الانسلاخ الفكري لبدر الدين الحوثي (الحوثي الاب) عن مذهبه الزيدي باتجاه الاثنا عشرية السائدة في ايران والمختلفة عن الزيدية وبدأ ترويجه لها في صعدة بعد عودته من ايران التي استقر بها بضع سنوات. الحراك السياسي في جنوباليمن: بعد نحو أربعة أعوام من توحيد شطري اليمن اشتعلت حرب صيف 1994م بين قوات النظام اليمني والقوة التابعة لقياديين جنوبيين يدعون الى التراجع عن الوحدة وعودة المحافظات الجنوبية للانفصال بقيادة علي سالم البيض، إلا ان الحرب التي دامت نحو الف ساعة حسمت بانتصار قوات النظام، إلا ان شكلا آخر من التمرد في محافظات جنوباليمن قد ظهر منتصف عام 2006م وكان هذا التمرد مختلفاً في نمطه عن الأول، حيث تميز بالتغير في أهدافه وسرعة اتساع نطاقه، حيث بدأ ببعض المطالبات الحقوقية من قبل بعض الجمعيات المدنية في الجنوب كالجمعيات السكنية التي عبرت عن استيائها من سيطرة متنفذين عسكريين من محافظات شمالية على أراضيهم السكنية في محافظات جنوبية واتسعت دائرة المطالبات بدخول مطالبات المتقاعدين العسكريين الجنوبيين الحقوقية إلا ان ضعف تجاوب السلطة مع هذه المطالبات الشعبية أدى الى استغلالها من قبل قيادات المعارضة الداخلية والخارجية وتحولت المطالبات الى مظاهرات سرعان ما زاد اتساعها وتغيرت شعاراتها من مطالبات حقوقية الى المطالبة باعادة اصلاح مسار الوحدة اليمنية ثم الى المطالبة بالانفصال وقد زاد من حدة هذه الاحتجاجات الشعبية تمنع السلطة عن معالجة حقيقية للمطالب مع استمرار القمع والاعتقال للمتظاهرين واغلاق صحف الرأي. القاعدة والحوثية والحراك: في الوقت الذي تفاقمت فيه الأزمة الحوثية في محافظة صعدة واخذت بالامتداد الى محافظات أخرى من جهة، واتساع الازمة الجنوبية من جهة أخرى وتزايدت أعمال العنف المتبادل؛ اخذت وسائل الإعلام الرسمية اليمنية التلميح بان هناك علاقة بين الحوثية والحراك والقاعدة، ولكن اختلاف الايدلوجيات الواضحة بين الحوثية والحراك من جهة والقاعدة من جهة اخرى قد جعل بعض المحللين يرون هذا الربط الحكومي اليمني بين الحوثية والحراك والقاعدة محاولة لتخفيف حدة الرأي العالمي الخارجي تجاه استمرار عمليات العنف المتبادل في اليمن ومواجهة اعلام الحراك الذي يلخص هذا العنف بأنه قضية من قضايا حقوق الإنسان وانتهاك حرية الرأي والدكتاتورية في ممارسة السلطة . وآخرون قد رأوا في ان الحكومة بعد ان فشلت في الحصول على الدعم الخليجي لمعالجة ازماتها -وسط الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها- وخاصة الدعم القطري -وفق المبادرة القطرية عام 2008م- مع خروج الصراعات عن نطاق السيطرة لجأت الى لفت انتباه الإدارة الغربية بارتباط هذه الصراعات بمصالحها من عدة اتجاهات. توقعات مؤتمر لندن بين الدعم المالي والتدخل العسكري. اهتم المراقبون للشأن اليمني بالتوقعات للمؤتمر الذي دعا لعقده رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون في بريطانيا أواخر الشهر الجاري لمناقشة التداعيات في الساحة اليمنية، وفي الوقت الذي يرى المراقبون ان اهم الملفات التي ستتصدر حقيبة اعمال المؤتمر ملفات صعدة والجنوب والارهاب والتنمية، وبدأت التوقعات بين توجه المؤتمر نحو توفير دعم مالي لليمن لمعالجة أزماته أو تدخل عسكري، وفي الوقت نفسه حاول علماء اليمن توجيه رسالة مبكرة للمشاركين في موتمر لندن في بيان تلاه يوم الخميس المنصرم الشيخ عارف الصبري العضو في البرلمان، بتوقيع 150 عالم دين يمثلون مختلف المناطق اليمنية هدّدوا خلاله بالدعوة إلى الجهاد في حال حصول أي تدخل عسكري أجنبي في البلاد، وقال العلماء خلال مؤتمر صحفي في صنعاء الخميس الماضي: إنه في حال إصرار أي جهة خارجية على العدوان وغزو البلاد أو التدخل العسكري فإن الإسلام يوجب على أبنائه جميعًا الجهاد لدفع العدوان ومع هذا التزايد في القلق في الاوساط اليمنية من تدويل الازمة من خلال هذا المؤتمر الذي اثر حتى على انخفاض سعر صرف الريال اليمني في اليمن منذ الاعلان عنه رغم محاولات البنك المركزي اليمني ضخ مزيد من العملة الاجنبية في الاسواق ورغم محاولات وزارة الخارجية اليمنية التأكيد ان المؤتمر لن يرتبط بالشأن المحلي كالحراك والحوثية، في الوقت الذي تحدث فيه قبل ذلك عن رفض اليمن للتدخل الاجنبي، فان أمر الازمة اليمنية يبقى مصدر قلق لليمنيين جميعاً ويبقى امر تدويلها مصدر قلق اكبر. من المستفيد من تدويل الأزمة اليمنية؟ بعد هذا الاستعراض الموجز لبعض جوانب الأزمة اليمنية يمكن استخلاص وجهات النظر حول دوافع تدويل الازمة اليمنية في وقت متأخر : - البعض يرى دافع دول عظمى تدويل الازمة اليمنية رغبتها في السيطرة على منفذ خليج عدن. - البعض يرى الدافع هو كبح محاولات الحوثيين قيام دولة شيعية في جنوب الجزيرة ترتبط بايران. - والبعض الآخر يراه محاولة لاستغلال هذه الظروف لتقاسم اليمن بين دول عظمى ونهب ثرواتها بعد تقسيمها الى ثلاثة اقاليم. وفي كل حالة فإن تدويل أزماتنا العربية بدلا من إيجاد حلول عربية لها سيكون الخاسر دائماً فيها كل العرب .