ذلك الخبيث الذي يحصد أرواحاً بريئة من أبناء وطننا الغالي، أناس يصطدمون بهول الفاجعة وبتحميل أهاليهم عبئاً نفسياً ومالياً لا يطاق، يعرفون أن ليس لديهم خيار في معالجة مرضاهم إلا بتسليم أجسادهم إلى أماكن غير مؤهلة، ينتظرون متى تكون ساعة الدفن لا ساعة الشفاء، ومسببات المرض تكاد تكون ملموسة غير معروفة، لذا يقيناً لابد من دراستها وبحثها.. وكيف يعقل أن تطالعنا بعض مصادر الإعلام عن وجود حالات مكثفة في مكان ما لأناس يموتون بذلك الخبيث، والدولة في صدر أخبارها حتى نهايتها مشغولة بالأوضاع السياسية!!، وإذا تم تسليط بصيص من ضوء يكون ممزوجاً بالسياسة وبشخصنة المواضيع. أدق هنا ناقوس الخطر براءة للذمة وعلّ وعسى من مجيب. مشاهد رحلة طيران للمرضى اليمنيين ومرافقيهم، الذين لا حول لهم ولا قوة، تسمعهم يئنون أو تراهم يهيمون وآخرون يحزنون على فراق أهليهم وعلى تعاسة حظوظهم في أنهم يمانيون بلا يمن، ساعات متكررة هي معايشتي لهم خلال رحلاتي الى القاهرة او غيرها . إحداها ولا أنساها في طريق العودة من فرانكفورت الى أرض الوطن، جلست فتاة في نفس صف المقعد الذي أجلس فيه.. بعد حوالى ساعة من إقلاع الطائرة بدأت الفتاة تتحدث بحزن وألم عن وجود جثة أختها على نفس الرحلة المتجهة الى العاصمة صنعاء. أصيبت أختها قبل عام ونصف بسرطان النخاع، وكان التشخيص في المانيا، فتم العلاج الكيميائي والإشعاعي لها فتماثلت للشفاء، جرع العلاج الكيميائي والاشعاعي كلفت أكثر من 80 الف يورو، حيث اضطر الأب لبيع بيته في اليمن لمواجهة هذا الدفع الحتمي.. عادت الى اليمن قبل رمضان لتحضر عرس أخاها، بعدها تعرضت لنكسة من خلال ارتفاع طفيف في درجة الحرارة، فعادت الى المانيا حيث لم تكمل عدة أيام في المشفى حتى عادت لوالدتها التي كانت تهيئ نفسها للحاق بابنتها فجاءها الخبر اليقين أنها عائدة إليها ولكن في تابوت. وهذه حالة من آلاف الحالات التي يعيشها اليمانيون ويتعاطف معها الآخرون دون تأثير يُذكر لوقف الاستهتار بروح الإنسان العظيمة. واقعة كهذه تجعلنا نسأل، ألا يوجد في البلد بطولها وعرضها مشفى نموذجي "وليس مراكز أشبه بالدكاكين" لعلاج السرطان! وضع المرض وتزايده وكذا الخط المتوازي له بمكافحة المرض أذكر فيه جيداً وعود الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي "نائب الرئيس آنذاك"، وهو كان مكلفاً بهذا الملف بأنه سيتم افتتاح خمسة مراكز لعلاج السرطان فكان عام التغيير، وتغير الاهتمام البسيط بهذا الملف الجد خطير واستبدلت بقضايا سياسية ومراكز مجابهات أخرى.. لا أقلل من أهمية القضايا السياسية وحلها، ولكن دون أن تحل محل قضايا ذي طابع مهم جدا، وهي أرواح المواطنين، لا أقلل من أهمية مواجهة الإرهاب بأبين، أو أهمية المداولات لإنجاح الحوار الوطني الذي سيضم كافة الأطياف اليمنية من حراك وحوثيين وشباب ومستقلين ومتحزبين ونساء، فالوطن يشمل الجميع ولكن دون أن نغفل أن المرض يزيد والمواطن دخله بسيط، ويفتك به المرض نتيجة زيادة الفساد لغياب دور الرقيب وسوء الإدارة ونتيجة لكثر العبء على الدولة، وكذا الجبهات الكثيرة المتفتحة عليها. كنا مع رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي "نائب الرئيس آنذاك" في عدن في مطلع 2010م، وكان حينها الدكتور يحيى الشعيبي بجانبه ومعه عدد من المسئولين.. تحدثت إليه وبحضور الوفد الكندي الطبي عن ضرورة تدخل الدولة وبصورة عاجلة في وضع الخطط والبرامج الخاصة بها لعلاج ومكافحة السرطان ولا سيما وأن الدعم "العيني" متوفر من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كان حديثي خالصاً وبصدق، وكان الدكتور الشعيبي يطمئنني قائلاً: "خلاص خلاص يادكتور نائب الرئيس وجه الآن بذلك.. تكلمت نعم، ولكن لم يتم شيء...!! ووعدني الدكتور الشعيبي بمتابعة الموضوع، لكن أيضاً لم يحدث شيء..!!! وبراءة للذمة، وخوفا من العلي القدير، أضيف إلى أنه في حال أن الحكومة لم تقم بواجباتها الحتمية تجاه موضوع شبهة تلوث محافظه الحديدة (عروس البحر الاحمر) بالمواد الإشعاعية والكيميائية الضارة والسامة، والتحرك السريع بتنفيذ التوصيات المرفوعة إليها من اللجنة الفنية الخاصة بذلك، فإني أحذر من أننا أمام احتمالية كبيرة لإصابة العشرات والعشرات من ابناء القرى الساحلية بأمراض فتاكة، وهنا أقول (احتمالية) لعدم وجود دراسة علمية دقيقة باستثناء النزول والفحص المبدئي لسواحل عروس البحر من قبل اللجنة الفنية الخاصة بهذا الموضوع، والتي كنت أحد المكلفين فيها وضمن اللجنة الوزارية المشرفة على هذا الموضوع، وهنا أشدد على أهميته، وأن يؤخذ بعين الاعتبار. اكتب الآن بشفافية لا حزبية.. أكتب وأقول حتى ولو لم نجد مصير المواد الاشعاعية فيجب ازالة قضبان الرصاص المؤكد وجودها في سواحل الحديدة، بحسب تأكيد الأهالي، والعينات المأخوذة، (وقد طلبت ذلك من قيادة السلطة المحلية ممثلة بالاستاذ أكرم عطية, رئيس المجلس المحلي بالحديدة). أذكر هنا أن عملية التكتم ستضرنا نحن اليمانيين، وسنندم عليها كثيراً ولنا في المثل السوفييتي على خطورة عدم الشفافية وعملية التكتم أكبر عبرة ففي أثناء الحكم المركزي السوفييتي في بداية ربيع 1986م، لم يريدوا إفزاع الناس والعالم بالمصيبة التي حدثت لهم عندما انفجر مفاعل تشرنوبل، فكانت النتيجة أن مادة الايوديان المشعة التي تتسرب في الأيام الأولى من الانفجار الإشعاعي أصابت الأطفال في الحدائق والشوارع وهم يلعبون، أما "معظم أطفال قادة الحزب الشيوعي" فقد أوعز إليهم بالمغادرة أو البقاء في منازلهم حفاظاً على سلامتهم، إلى أن وصلت الغيوم الإشعاعية إلى أوروبا، وتم رصدها أمريكياً فطلبت الحكومة الأمريكية حينها من الروس بالشفافية في الحادث. فهل ننتظر حتى تحل الكارثة، ولا نعلم من أين يكون المخرج.. اللهم بلغت اللهم فاشهد. مستشار رئيس الجمهورية للعلوم والتكنولوجيا برلين 3 فبر اير 2013م