لم يشهد بلد عربي ويقاسي في العصر الراهن ما قاسته وتقاسيه اليمن من صراعات وحروب وانتكاسات وإخفاقات وصدامات سياسية واقتصادية واجتماعية عنيفة ومدمرة كالتي تشهده اليمن اليوم. كما لا يحفل بلد من بلدان الربيع العربي بهكذا ركام ضخم من التحديات الجسام على كافة المستويات والحقول كما تحفل به اليمن. وعلى خلفية هذه الحقائق والمعطيات فإن شروط العبور الآمن للمرحلة الانتقالية من مرحلة الصراع إلى مرحلة الاستقرار أو السلام ما زال يكتنفها الكثير من الغموض والتحديات. سوف نحاول في حدود طاقة المقال أن نوضح شروط الانتقال الآمن إلى مرحل السلام لثورة الربيع اليمني التي ما زالت برأينا تتأرجح عند منطقة الارتداد. إن جميع الثورات في التأريخ العالمي تحمل سمات مشتركة في كونها تتضمن أربعة عناصر هيكلية حتمية ترافق مسار التحول الثوري منذ بدايته وحتى نهايته. هذه العناصر نطلق عليها هنا مناطق التحول التي تتضمن: أ- مرحلة الصراع التي يطلق عليها في الأدب السياسي الحالة الثورية، والتي يحتدم فيها الصراع بين القديم الجديد، ويؤخذ أشكالًا مختلفة من الصراع بما فيها الصراع الدموي المسلح، ثم المرحلة الانتقالية لمسار التغيير التي تتكون من منطقتين، الأولى هي: ب- منطقة الارتداد، حيث ما زالت قوى وعناصر الثورة المضادة وأنصار النظام القديم تتمتع بقوة المناورة والمبادرة في كثير من الحالات، والمرحلة الثالثة، هي: ج) منطقة العبور الآمن إلى منطقة الاستقرار، وفيها تكون قوى التغيير قد تبلورت وتهيكلت بشكل كافٍ، وأصبح زمام الأمور في كثير من مفاصل مسار التغيير تحت سيطرتها، ولكن عناصر النظام القديم ما زالت وإن كانت في مرحلة الاحتضار النهائي، لكنها موجودة وتسعى للمقاومة والبقاء. أما المرحلة الأخير هي: د) مرحلة الاستقرار أو السلام، حيث تكون قوى وثقافة التغيير قد تغلغلت في أعماق النسيج الاجتماعي للدولة والمجتمع وتملكت كافة موارد ونظم السيطرة الكاملة على عملية التحول الشامل. في حالة الثورة الشبابية الشعبية اليمنية، تجاوزت اليمن مرحلة الصراع، ودخلت في المنطقة الاولى من العملية الانتقالية، وهي منطقة الارتداد، حيث ما زالت قوى الثورة المضادة بأشكالها وألوانها المختلفة تسعي لتغيير مسار حركة التغيير لصالحها من خلال السيطرة على المفاصل الهيكلية للدولة وإحداث حالة من الفوضى والإرباك المجتمعي لدفع المجتمع إلى الاستسلام والارتداد. وعناصر الارتداد إلى الخلف في المجتمع اليمني بينة وبارزة ومتنوعة، حيث قوى التخلف والثورة المضادة وأعداء الدولة المدنية الديمقراطية المساواتية كثر ويرتدون ملابس وأقنعة كثيرة منها ما هو خفي وآخر بيّن وواضح. ويبذلون - الآن - جهودًا جبارة لإحباط عملية التغيير من خلال إعادة شبكة التحالفات المعبرة عن رفضهم لطبيعة وشكل التغيير المعلن والمنتظر شعبيًّا ومؤسسيًّا. هذا بالإضافة إلى الدعم الاقليمي التي تتمتع به هذا القوى التي تتفق مصالحها مع المصالح الاستراتيجية والآنية لبعض الدول الاقليمية الرافضة لشكل ومضمون التغيير في اليمن. فيما تظل القوى المدنية المناصرة لعلمية التغير ضعيفة، ممزقة وتفتقر إلى قوة التنظيم والدعم المالي واللوجيستي التي تملكه قوى التخلف في اليمن، كما تفتقر إلى الرؤية الواضحة لعملية التغيير المنشودة. هذا فضلًا على أن مجموعة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والطائفية، والتي تُعبر عن قوة حضور نمط الحياة القديم بعنصرية (منظومة العلاقات الاجتماعية السائدة والتحيز الثقافي) ما زالت تمثل مجالًا حيويًا لقوى التخلف لصنع الارتداد إلى الخلف. والتمعن في خارطة مسار التغيير في بلدان الربيع العربي من مصر حتى تونس، مرورًا بليبيا، وانتهاء بسوريا المنكوبة يلحظ المرء بجلاء هذا المخاض الصعب والمرهق والمكلف لعملية التغيير مع اختلاف في درجة مناطق العبور بحسب تمحور هيكل القوى الاجتماعية المناصرة والمعادية للتغيير من بلد إلى آخر. وما نلحظه في اليمن أنه في الوقت الحاضر يوجد 13 مركز قوة تتفاعل وتتصارع على الإحكام والسيطرة على مسار علمية التغيير في اليمن، ومعظم هذه القوى وأكثرها تنظيمًا وتمويلًا هي تلك المناهضة لمسار التغيير، وما زال بعضها مترسخًا في بنية الدولة وهياكلها المؤسسة الحاكمة. وعليه فإن مخاطر الارتداد إلى الخلف ما زالت أقوى بكثير من مقومات العبور الآمن إلى مرحلة الاستقرار. وهو ما يتطلب من جميع القوى المناصرة للتغيير على اختلاف مسمياتها وبرامجها أن تقرأ بتمعن وعمق منطقة الارتداد وتحشد قواها مجتمعة لتغيير معطيات القوة لصالح قوى التغيير لبلوغ مرحلة العبور الآمن في أسرع وقت ممكن خلال الأشهر القادمة. وبشكل عملي مباشر لابد أن يعجل رئيس الجمهورية بتنفيذ النقاط العشرين التي اتفقت بشأنها القوى السياسية المناصرة للتغيير، وأن تبدأ الحكومة في تنفيذ المشاريع الاقتصادية.