ليست كل موضوعات المعرفة ممكنة لكل البشر.ولا كل عقول البشر متساوية في تقبل المعرفة وفي الإدراك والاستيعاب ولافي التخيل ولا الحفظ والذكاء وغيرها من القدرات الفردية بين بني الإنسان،لكن حدث استثناء في التاريخ اليمني وهو ما يجمع عليه أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل وبالخصوصية الواحدة بأنهم اجتمعوا على قلب رجل واحد،وبمواصفات نفسية ومواهب عقلية واحدة ومعرفة نمطية واحدة،تجاه القضية الجنوبية.والمفارقة الفريدة أن السماء قد أهدتهم مواصفات متطابقة من تلك الخصائص النفسية والعقلية مع الشركاء المشرفين على الحوار،ممثلة في المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر،وكان يشاركهم في ذلك السفير الامريكي في اليمن فايرستاين.كل هذه الأطراف من المتحاورين اليمنيين إلى المبعوث الأممي،تتفق في خصائص موحدة،لكن في جانب واحد،ألا وهو المعرفة التاريخية المطلقة بأن الجنوب بأرضه وحجره وشجره وبشره ماهو إلا ضيعة تابعة لسكان الشمال،يسيمون ويرعون ويهيمون فيه كيفما شاؤوا وبأي طريقة أرادوا.هذا ما حصل خلال عقدين من الزمن وبلغ ذروته في الفترة التي نضجت فيها الثورة الجنوبية.كل هذا هل هو حكم السياسة أم حكم المصالح الداخلية والخارجية؟،لكن الحقيقة على الواقع تدل بأنه حكمهما معا لأنهما مترابطتان جدليا.وما يعرفه الجنوبيون من خلال الممارسة على هذين المضمارين كان الحق بأنهم باتوا في حكم الأقلية وحقهم وأرضهم تؤتى أو تنقص من أطرافها،وليس هم في وهم أو زيف من الحقيقة،فالحق يكشف عن الخداع والسياسة تصطنع الخداع..الوهم الأكبر لدى المتحاورين ورموز النعمة أن القضية الجنوبية ستحل في مؤتمر الحوار الجاري وليس لها من حل إلابه كما يريده زعماء النعمة ومشايخ النقمة،لقد أخذوا من الحوار اسمه ومن الزيف إثمه بأن هذا الحوار الجاري جاء ليحل كل قضايا ومشاكل اليمن،بينما مؤتمر الحوار لم يأت بمرجعياته هنا من فقه الأصول الثقافية والاجتماعية وخبرات العلاقات الإنسانية،بل أتى من فقه السياسة التي تصطنع الخداع،لأن السياسة لم تقم يوما ما على أسس الأخلاق والمبادئ الإنسانية،بل تقوم عادة على أسس المصالح والمنافع الذاتية وعلى الغلبة.ولهذه السياسة فعلها في اليمن تجاه القضية الجنوبية،لذا فرموز السياسة والمنفعة هنا قد أقامت الدنيا ولم تقعدها عن المنجز التاريخي لليمنيين في مسمى الحوار بمرجعياته السياسية وليست الثقافية كما ذكرنا،وذلك الترويج الإعلامي الذي أصم الأذان،كظاهرة صوتية أذهل الرضيع وأعجب الجميع باسمه البديع.فإذا هو ضربا من مهزلة وأقل من مسألة،وليس له مهمة إلا اختزال القضية الجنوبية والالتفاف عليها ومن أجل حلها في إطار مصالح الكبار ولو أبيد كل الصغار،أي عامة الناس.هم يعلمون أن خيار الوحدة عند الجنوبيين انتهى ومات في نفوسهم وضمائرهم بعد أن كان خيارا قيميا،لأن الوحدة عندما طبقت على الواقع كانت في أثرها قد تجاوزت حدود القيم الإنسانية والمصالح البشرية للإنسان الجنوبي،مما أدى إلى استبعادها في أهم مواطنها،يعني في النفس والتفكير عند الشعب الجنوبي،بغض النظر عمن تسبب في الإساءة لسلوك الوحدة،لأن الوحدة بالتالي مصلحة وقيمة عليا عند التطبيق السليم والعلمي لها،كما كانت بالفعل شعاراً وتوجهاً عند الجنوبيين وفقا لتوجههم السياسي والإيديولوجي.لذا برزت مفارقة عجيبة بعد إقامة الوحدة العمياء التي أقيمت بطموح أعمى أيضا ومن صنع أيدلوجية خيالية صماء كذلك،هذه المفارقة أن الجنوبيين وهم من عاشوا وسلكوا في ظل دولة إنبنت إيديولوجيا على القيم ومارسها الشعب قولا وفعلا،إلى أن وقع في وحدة صودرت كل القيم فيها،وجنحت ضد كل الأسس والمقومات التي كان المفروض أن تقوم عليها وحدة حقيقية،وبعد هذا كله فإن المفارقة العجيبة أن الذين يتحدثون عن القيم من أجل استمرار الوحدة هم أول الذين داسو على تلك القيم،وخلعوا لباس الوحدة الأنيق ودثروها بجلابيب قبيحة،باعتبار ذلك هو الفشل الحقيقي للوحدة حيث أصبح أمرا لأمراء فيه.وأن المتمسكين بالوحدة لاهم لهم إلا مصلحتهم بدون مراعاة لمصالح وحقوق المتوحدين معهم،وهذا يعتبر خرقاً حقيقياً لمقومات الوحدة وتسويغاً واضحاً لفشلها والذي تم من خلال إنهيار أهم أسس وأركان ومقومات الوحدة التي منها التالي: 1 إن أركان ومقومات الوحدة قد نسفت من أساسها وأصبح العامل الوجداني والشعوري والعاطفي للشعب الجنوبي لا يقبل بهذه الوحدة،وهو أهم أركانها في ظل إصرار الطرف الشمالي على الوحدة،فان عدم التقبل بها سيصبح أهم عوامل فشل هذه الوحدة.وأن الحلول الترقيعية لتزيين الوحدة ماهي إلا أساليب عبثية تولد زيادة الاحتقان والتوتر بين المجتمعين،وأن مؤتمر الحوار ما هو إلا وسيلة لإبقاء النار تحت الرماد،وقد قال الشعب الجنوبي كلمته في الساحات والميادين،فلا يلزم الاستخفاف بهذا الشعب. 2 إن القضية الجنوبية:قضية سياسية وحقوقية،وقضية إنسانية،وقضية رد اعتبار لشعب عانى الأمرين إلى حدود الإهانة.فلا يمكن التوحد مع من بلغ معك حدود الإهانة،إلا أن تعيش ناقص الإنسانية والكرامة،وهي من أهم أسس الوحدة.بهذا الصدد ندلل على ذلك بقصة تاريخية وردت في الأثر كما جاء في كتاب إبن كثير(قصص الأنبيأ)،كما في الاّية:"وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين&ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما"(الانبياء79،78 ).وقد ذكر شريح القاضي وغير واحد من السلف،أن هؤلاء القوم كان لهم كرم(عنب)فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي رعته بالليل فأكلته،فتحاكموا إلى داود عليه السلام فحكم لأصحابه بقيمته،فلما خرجوا على سليمان قال:بما حكم نبي الله؟فقالو:بكذا وكذا فقال:أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم فيستغلونها نتاجا ودرّاً حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردونه إلى ما كان عليه ثم يتسلموا غنمهم.فبلغ داود عليه السلام ذلك فحكم به.هذه قصة لنا فيها عبرة كما ذكر تعالى:"لقد كان لكم في قصصهم عبرة ياأولي الألباب"(يوسف11)أي اللاحقين من البشر،فيما يخص حقوق الإنسان وهو أول مايحاسب عليه العبد يوم القيامة فما بالنا بحقوق شعب أهدرت الوحدة مصالحه ويريد أصحاب المنفعة أن تستمر الوحدة. 3 إن القضية الجنوبية:قضية شعب ودولة وهذا الشعب أراد من الوحدة ظناً منه بلوغ أهداف سامية ودرجة عليا من التطور،فكيف لشعب أن يسلم دولته لقاء عودته إلى الحضيض،وهذا يتنافى مع كرامة الإنسان وطموحه،ولا يجوز لوحدة بهذا القدر من النتيجة أن تكون،مالم تخدم رقي الإنسان وتقدمه وتطوره في الحياة.ولنا عبرة في قصة أخرى من قصص القران الكريم في صورة(ص)،عندما دخلا الملكان،اذا جاز أنهما ملكان كما في تفسير القران،على داود عليه السلام،(خصمان بغى بعضنا على بعض)الاية22،والملائكة لا يوجد منهم البغي والظلم،وكيف قال:"إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب"(أية23).كيف حكم داود عليه السلام على المدعي عليه بكونه ظالما قبل أن يسمع كلامه؟فلم يحكم عليه إلا بعد اعترافه.(كذا نقله السدي)،إلا أنه حذف ذكر الاعتراف في القصة اختصاراً لدلالة الحال عليه.ويثبت هنا أنه ظلم،ولو أنه إثبات للتسرع في الحكم،والأية كانت تخاطب مباشرة داود عليه السلام في أنه متزوج تسعة وتسعون إمرأة فأخذ امرأة الرجل الذي لا يملك غيرها،باعتباره ظلماً،والظلم يجب أن يزول ولا بد من إعادة الوضع إلى نصابه حتى ينتفي الظلم،هنا كيف تقوم الوحدة بعد أن قدمت الدولة الجنوبية الأرض الشاسعة بثرواتها من أجل المستقبل لا من أجل الغاء الشعب الجنوبي رغم أنه بمساحة وثروة أكبر وسكان أقل،فما حدث هو العكس،لكن الظلم هنا مضاعف بالمقارنة مع ماورد في الأية المذكورة أعلاه،فبدلا من أن يكون له النصيب الأكبر من الثروات والموارد وعائد الأرض،أصبح شعب الجنوب عبارة عن أقلية أرض الوطن،مسلوباً من كل حقوقه المادية والمعنوية وامتيازاته الشرعية في مقياس مميزاته الديموغرافية والمادية. 4 إن التمسك والإصرار على الوحدة من قبل مراكز النفوذ والسلطة لا يدل على نوايا صادقة للعمل من أجل الوحدة بمعناها وأبعادها الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية،بقدر ماهي وسيلة للسيطرة والهيمنة من أجل المنافع الذاتية والأسرية والعشائرية والجهوية.وهذا ما اثبتته الوحدة اليمنية خلال أكثر من عقدين من الزمن،وكلما استمرت الوحدة زادت تلك القلة المنتفعة من قبضتها وسيطرتها على حقوق ومصالح الشعب شمالا وجنوبا إلى أن تكونت طبقات طفيلية تمتلك إحتكارات كمبرادورية أفرغت التنمية والتطور من محتواهما،وزادت في استمرار فرض التخلف الاجتماعي والاقتصادي،ومن أجل استمرار هذا الوضع المتردي.وتقوم مراكز السلطة والنفوذ والمصالح بالقمع العنيف والناعم لأي جهد فكري أو عملي يطالب بالحقوق والتغيير خاصة تجاه شعب الجنوب،فعمدت إلى زرع كل سمومها وأساليبها المدمرة للجنوب وحاول تمزيقه وشق لحمته وتفتيت عراه وتقطيع أوصاله.من أجل ذلك تحاول زرع تنظيم القاعدة على أرض الجنوب،وتحاول شراء الذمم وخلق الفتن وإفساد مجتمعه بالمخدرات وصنع حالة دينية عدائية تفرض تشتيت لحمة المجتمع الواحد من أجل وحدة كالوحدة الحالية التي ما انزل الله بها من سلطان.إن الذي يحب الشيء لابد أن يحافظ عليه لجعله سليما معافا،في الذي يحب الوحدة كان عليه أن يحب الجنوب ويحافظ عليه من التمزق،سواء قامت الوحدة أو لم تقم.ندلل على ما نقول أن هؤلاء من رموز المنافع بعملهم على الواقع لا يدل على أنهم يحبون الوحدة والوطن والناس ولكنهم يحبون مصالحهم ومصالحهم فقط.في مقارنة بهذه القصة التاريخية التي وردت في الأثر الديني،كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بينما امرأتان معهما أبناهما إذ عدا الذئب فأخذ إبن أحداهما فتنازعتا في الإبن الباقي،فقالت الكبرى:إنما ذهب بإبنك،وقالت الصغرى:بل إنما ذهب بابنك،فتحاكما إلى داود فحكم به للكبرى،فخرجتا على سليمان فقال:ائتوني بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه،فقالت الصغرى:لا تفعل يرحمك الله هو إبنها فقضى به لها"أي للصغرى كونه إبنها فهي لا ترضى على شقه.ورضيت الكبرى لأنه ليس إبنها.فكيف بمن يحاول تمزيق الجنوب اليوم هل يريد وحدة؟كما يفعل أصحاب المصالح والنفوذ والسلطة يعبثون بأموالهم ونفوذهم لتمزيق الجنوب فأنى تكون لهم ومعهم الوحدة. والله ولي المتقين صالح محمد مسعد(أبوأمجد) 1/11/2013م