قبل يومين من موعد جلسة مجلس النواب اللبناني المخصصة لانتخاب رئيس جديد للبلاد بدت الصورة أكثر ضبابية في ظل معلومات يتداولها النواب حول ضرورة تأجيل الجلسة إلى أجل غير محدد. ورغم وجود أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى في لبنان ومباشرته بتسويق المبادرة العربية المنبثقة عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة منذ أيام فإن الواقع يشير إلى أن الأوضاع لاتزال تراوح مكانها إذ أن الأطراف المعنية بالصراع لم تبد أي تجاوب مع تفاصيل المبادرة واكتفت بالإبقاء على الشكل دون المضمون. وبدا موسى الذي استهل مهامه وسط السجالات الحادة بين الموالاة والمعارضة على خلفية تفسير المبادرة العربية اقل تفاؤلا بعد جولته الأولى، خصوصاً بعد أن لمس أن كل طرف يفسر المبادرة على هواه ووفق مصالحه، فالأكثرية النيابية، وفق ما قالت أوساطها لوكالة الأنباء الألمانية، ترى أن باطن الأمور مغاير تماما لظاهرها.. فبينما بدا أن التوافق العربي العربي على بعض النقاط العالقة في الملف اللبناني بدأ يأخذ مجراه الطبيعي، يشير الواقع إلى عدم نضوج الحلول الإقليمية والدولية بما فيه الكفاية لتمرير الاستحقاقات اللبنانية الوشيكة بدليل المواقف السورية «الملتبسة». ويبدو ان الارتباط بات كاملا بين زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المنطقة، من جهة وتنامي الحديث عن القمة العربية المزمعة في مارس المقبل من جهة ثانية، والتوتر الأميركي الإيراني المتصاعد من جهة ثالثة، وهذه كلها إشارات واضحة إلى ان موسى لن يتمكن من تحريك بنود الأزمة اللبنانية بعدما باتت مرتبطة بالكامل بأزمات المنطقة برمتها. وتوافق أوساط المعارضة على هذه النظرية وتشير إلى ان النقاط العالقة هي أكثر بكثير من تلك المتفق عليها، وذلك على مستوى التضامن العربي المفترض قبل موعد القمة العربية في مارس. فلا يكفي ان يتفق العرب على الإتيان برئيس للبنان، أيا كانت هويته أو حجمه السياسي، بل المطلوب السعي إلى ايجاد حلول سياسية على مستوى لبنان وارتباطاته الاقليمية والدولية بعد ان بات جزءا من أزمة الشرق الأوسط. ومهما تقاطعت النظريات أو تباعدت فإن النظرية الثابتة الوحيدة حتى الآن هي ان المسافة الفاصلة بين طرفي الصراع في لبنان لاتزال بعيدة، بحيث يستحيل معها القول بان المستقبل القريب قد يحمل أية بوادر ايجابية خصوصا بعد المواقف الأخيرة الصادرة عن الأطراف والتي تؤكد ان كلا الطرفين مازال متمترسا في مواقعه السابقة. وفي الوقت ذاته يعاني موسى من إصرار الموالاة على إقصاء المعارضة عن «مواقع العرقلة» بحسب تعبير أقطاب الموالاة، التي تدعو إلى انتخاب رئيس قبل الخوض في تفاصيل حكومة العهد الأولى، فيما تقول المعارضة بان هذا الطرح غير قابل للنقاش فالأزمة اللبنانية لن تحل إلا من ضمن مجموعة حلول تشمل كل الملفات العالقة. وفي هذه الأثناء، يترقب اللبنانيون بحذر شديد وتشكك كبير ما يمكن أن تحمله الساعات القليلة المقبلة من تطورات قد تعمل على رسم صورة المستقبل، حيث عاد السؤال الكبير ليطرح نفسه مجددا على الساحة المحلية: هل ينجح العرب فيما فشل فيه الفرنسيون؟ وبينما تبدو الإجابة الحاسمة غير محددة في الوقت الراهن، فإن الكواليس السياسية العليا تتحدث عن نتائج مشابهة لتلك التي حصدها الأوروبيون خصوصا ان الظروف الإقليمية والدولية لم تتبدل بما فيه الكفاية لتمرير الحل اللبناني بغطاء عربي ودولي. وفي ظل هذه المعطيات تشير الدلالات إلى ان جلسة مجلس النواب السبت ستلقى مصير سابقاتها وإلى أنه سيتعين على موسى إطالة إقامته في لبنان إذا بقي مصرا على وجوده في بيروت حتى إيجاد الحلول. (د.ب.أ)