أعرف سلفاً أن بعض المشتغلين بالشأن السياسي العربي السائد هنا وهناك، لن يروق لهم ما سوف يذهب إليه هذا الحديث، كما لن يتفهموا حقيقة الرجاء الذي أحاول أن أضعه بإخلاص بين يدي الأشقاء في سوريا وفلسطين. لكنني حين أعذر هؤلاء الذين لن يروق لهم الحديث وأحترم وجهة نظرهم لا أستطيع إلاَّ أن أعبر عن رأيي وما أراه من وجهة نظري مفيداً وضرورياً، لا سيما في هذه الظروف الرمادية التي أصبحت رؤية الحقيقة فيها شبه مستحيلة، في ظل الغيبوبة المرعبة وما أنتجته من أوضاع وممارسات غير مسبوقة لا في تاريخ العرب وحدهم؛ وإنما في تاريخ الإنسانية كلها. ولتكن البداية مع رجائي الموجه إلى الأشقاء في سوريا وخلاصته أن يسارعوا إلى مفاجأة أشقائهم العرب في كل مكان بإلغاء فكرة "القمم العربية" واقتلاعها من جذورها بعد أن صارت قاعاً لا يشرّف الأمة ولا حكامها أن يقفوا عنده أو تتم الإشارة إليه من قريب أو من بعيد. وإذا كان ثمة أشياء في ممارسات الأنظمة العربية ينظر إليها الجمهور العربي باستخفاف وأحياناً بسخرية فإن في مقدمة هذه الأشياء "القمم العربية" التي لم تسفر عن أي عمل إيجابي جاد، بل لقد أوصلت الأمة العربية إلى الحضيض وعملت في العديد من اجتماعاتها على عكس ما تقتضيه المصلحة العربية. واللافت في هذه المؤتمرات أن نتائج انعقادها لا تكون مخيبة للآمال فحسب؛ بل غالباً ما تكون كارثية كما هي الحال في نتائج قمة 2003م التي سبقت استباحة العراق بأيام، وقيل أن مقرراتها وتوصياتها حملت إشارات غير مباشرة ترحب بالحرب على العراق وتدمير طاقاته. ولا يمكن الحديث عن العدوان المستمر على الفلسطينيين والحرب على لبنان ومحاولة تفتيت السودان بعيداً عن مؤتمرات القمة وما تسفر عنه دائماً من ضعف عربي وتنافر بين القيادات المنقسمة المواقف والآراء. وبذلك فالأمة العربية بأكملها - لا سوريا وحدها - مطالبة بمغادرة هذه القمة/ القاع. أما رجائي للفلسطينيين، وهو رجاء غالبية هذا الشعب الصامد ورجاء الشعب العربي كله فخلاصته تتمثل في إلغاء السلطة الصورية التي لم تتمكن تحت وطأة الاحتلال سوى من إذكاء الصراعات بين الفصائل وإطالة زمن التنافس والتناحر، وفي إظهار القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية وكأن لا هم لها إلاَّ حماية هذه "السلطة" والدفاع عنها والتمسك بمظاهرها ولو أدّى الأمر إلى تدمير الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه. والوثائق وقراءة الواقع تشهد أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في ظل هذه السلطة الشكلية من قبل الكيان الصهيوني وبسبب الصراع على تلك السلطة أكثر - بما لا يقاس - مما قتله الكيان المحتل منذ النكبة. فضلاً عمّا لحق بالمدن والأرض من تدمير وتجريف... إلخ. ولا ننسى في هذا الصدد أن المغدور به المناضل ياسر عرفات طيَّب اللّه ثراه كان قد أدرك خطر هذه السلطة ولكن بعد فوات الأوان، كما أدرك أنه والثورة الفلسطينية قد وقعا في فخ نصبه له بعض المقربين وبعض الحكام العرب الذين كان من مصلحتهم أن يبرروا مواقفهم الاستسلامية بأن الفلسطينيين أنفسهم قبلوا بتصفية القضية وتحويل ثورتهم إلى سلطة شكلية تحت الاحتلال. ويقول المخلصون المقربون من المناضل الراحل ياسر عرفات إنه كان يحضّر لإلغاء السلطة، وينتظر أن تتاح له فرصة الخروج من المعتقل "الرئاسي" إلى أي بلد عربي ليعلن براءته من هذه السلطة وما يمت إليها من تشكيلات إدارية والعودة إلى الثورة، وتحويل ما يسمى بالسفارات إلى مكاتب للثورة كما كانت من قبل، ولكن الأعداء كانوا يدركون هدفه فحاصروه وقتلوه. كتاب وديوان جديد للشاعر مقبل نصر غالب: الكتاب الذي أصدره الصديق الشاعر مقبل نصر غالب بعنوان "دراسات نقدية" يضم مجموعة مقالات في الفكر والسياسة والأدب توجز بأسلوب علمي وأدبي وجهة نظر الشاعر في كثير من القضايا التي عالجها بوعي عميق. أما الديوان الجديد وعنوانه "حبر الشرايين" فيضم مجموعة من الحكم والأمثال الشعرية التي ترصد الواقع بأبعاده العربية والمحلية. وكعادته يلتزم الشاعر مقبل نصر في كتابة قصائده الإيجاز والوضوح، وهو في هذا الديوان أكثر وضوحاً وإيجازاً وحكمة. تأملات شعرية: بعد قليلٍ يتنادونَ إلى القمةِ لكن القمة تحملنا، تحملهم نحو القاعْ. يا رؤساء الأمة يا من تجتمعون وتنفضّون على اللاشيء، يكفي قمماً خاوية فاقدة الروح وفاقدة الإشعاعْ. *صحيفة الثورة