في محاولة لتدشين سياسة أمريكية جديدة تجاه العالم الإسلامي في عهد أوباما عقدت لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ جلسة استماع تحت عنوان " التعامل مع المجتمعات الإسلامية حول العالم "، تحدث فيها عدد من السياسيين والباحثين هم: وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت ، ووليام فالون الأدميرال المتقاعد من البحرية الأمريكية، وداليا مجاهد المدير التنفيذي لمركز جالوب للدراسات الإسلامية ، وأيضًا إبو باتيل المؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة ومقرها شيكاغو، وأخيرًا زينو باران كبيرة الباحثين بمركز الإسلام والديمقراطية ومستقبل العالم الإسلامي بمعهد هدسون. ووفقا ل" تقرير واشنطن " في عدده الأخير فقد كان الحوار مع المسلمين كان من أهم ما أوصى به المتحدثون؛ فقد أوصى وليام فالون بالتحاور مع المسلمين والاستماع إلى وجهات نظرهم كما دعت أولبرايت إلى التركيز على العمل الدبلوماسي وفتح قنوات الحوار مع أي طرف يمكن أن يسهم الحوار معه في تحقيق المصالح الأمريكية. وتحدثت أولبرايت عن باكستان ودعت إلى ضرورة إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان. وقالت: إن التحدي الرئيس أمام باكستان يكمن في الحكم والإدارة؛ فمع غياب المؤسسات الرسمية للدولة وفشلها في تقديم الخدمات التعليمية والصحية وتوفير الأمان لمواطنيها تتهيأ الأجواء للتطرف. وأكدت أنه على الولايات المتحدة أن تفرق ما بين ما يمكن اعتباره يشكل خطرًا وما هو مختلف فحسب، حيث يوجد في باكستان أناس يعيشون بصورة مختلفة، غير أن أفقهم السياسي داخلي ومحلي لا يشكل أي خطر على المصالح الأمريكية ولكن عندما يتعرضون لفقدان أقرانهم بالقنابل الأمريكية فإنهم يتحولون لإرهابيين؛ ولذا فإن على الولايات المتحدة من وجهة نظرها أن تعدل من سياساتها لأنها لن تتمكن من تحقيق أي نصر في حربها على الإرهاب إذا ما أدت سياساتها بخلق مزيد من الإرهابيين. وقد شاركها في الرأي فالون والذي رأى أن المصالح الأمريكية تستدعي تحسين العلاقات مع الدول الإسلامية وعلى رأسها باكستان وإندونيسيا. وبحسب ما جاء ب "تقرير واشنطن" في مادة أعدتها ( سالي عبد المعز) فقد أوصى غالبية المتحدثين بضرورة قيام الولايات المتحدة بدعم عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والتحول الديمقراطي في الدول العربية والإسلامية. فقد أكدت مجاهد أنه بالرغم من السياسات الكارثية التي انتهجتها الولايات المتحدة في السنوات الماضية والتي جعلت كثيرين ينظرون إلى دعم الديمقراطية بحذرٍ شديدٍ، إلا أن المصالح الأمريكية تقتضي العمل على دعم العملية الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط على ألا ينحصر ذلك في دعم أفراد بعينهم وعلى الولايات المتحدة أيضًا من وجهة نظرها أن تقبل نتائج صناديق الاقتراع. كما أوصت بدعم هذه الدول اقتصاديًّا بما يحقق النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل لبناء طبقة متوسطة ومجتمع مدني نشط ليكونا أساسًا لتحول ديمقراطي حقيقي. وجاءت توصيات زينو باران بدعم الديمقراطية، مختلفة عن توصيات مجاهد. فأكدت باران على ضرورة العمل على نشر الديمقراطية والتي فشلت الجهود الأمريكية على مر ستة عقود، تأرجحت بها السياسات الأمريكية ما بين دعم الديمقراطية والسكوت عنها، من تغيير المشهد السياسي في كثير من الدول والتي يغلب عليها ثنائية نظم حكم سلطوية وقوى معارضة متطرفة. وقد دعت صراحة إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة بدعم القوى السياسية الليبرالية والديمقراطية داخل تلك دول باعتبارها القوى الوحيدة، التي رغم ضعفها الحالي، تعد الوحيدة القادرة على إحداث تغيير وتحول ليبرالي وديمقراطي حقيقي. كما انتقدت رأى بعض الباحثين والسياسيين الداعين إلى إدماج الإسلاميين داخل النظم السياسية معللاً ذلك بأن القوى والأحزاب السياسية غالباً ما تقوم بتقديم بعض التنازلات السطحية مع استمرار تمسكها بأفكار ورؤى وأيديولوجيات جامدة غير قابلة للنقاش. وأعطت مثالاً على ذلك جماعة الإخوان المسلمين منتقدة من يعتبرونها قوى إسلامية معتدلة لأنهم بذلك، في رأيه، يتجاهلون الأيديولوجية التي تقوم عليها الجماعة وتاريخها واستراتيجيتها. فبالرغم من عدم قيام الجماعة بالدعوة بصورة مباشرة لأي أعمال إرهابية غير أن ذلك من، وجهة نظرها، غير كافٍ لاعتبارها جماعة معتدلة. و أكدت أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم مبادئها الحقيقية وأن تعمل على نشر الديمقراطية الليبرالية وليس، ما أطلق عليه، الإسلام المعتدل. ونفت وجود أي نوع من الخصوصية للمجتمعات العربية والإسلامية التي يدعيها بعض الحكام وذلك، في رأى باران، بهدف الحفاظ على سلطاتهم وحكمهم. وأكدت أنه مع اختلاف المسميات في المناطق المختلفة من العالم فإن مطلب الحرية والديمقراطية الليبرالية يعد مطلبًا عالميًّا. وقد أوصت أولبرايت أيضاً بأنه على الولايات المتحدة أن تدعم بصورة واضحة وصريحة عمليات الإصلاح والتحول الديمقراطي وأعلنت رفضها مشاركة ما أطلقت عليهم الجماعات الإسلامية المسلحة مثل حماس المشاركة في العملية السياسية. وفي معرض حديثها أوصت باران بضرورة سعي الولايات المتحدة لتحسين أوضاع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية معتبرة كلاًّ من القوى الإسلامية والنظم الحاكمة العلمانية سواءً في فرض قيود على المرأة في تلك المجتمعات. ودعت إلى دعم تعليم المرأة وتجريم كافة ممارسات العنف والاعتداء ضد المرأة. و قد أوصى كل من فالون ومجاهد بضرورة العمل على حل الصراعات في المنطقة وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية بصورة مسئولة ومنظمة من العراق وأفغانستان وكذلك عدم التصعيد مع إيران وسوريا وكذلك دعم عملية السلام وتحويل الخطب والأحاديث إلى أفعال وتحقيق نتائج حقيقية وملموسة على أرض الواقع. ودعا كل منهما إلى توفير الاحترام للإسلام والمسلمين من خلال معاملة المسلمين بعدل وإنصاف في القضايا التي تخصهم والامتناع عن انتهاك رموزهم الدينية المقدسة وكذلك تقليل الإجراءات الروتينية داخل السفارات لمنح تأشيرات دخول للولايات المتحدة لمن يرغبون في زيارتها بغرض حضور المؤتمرات والمقابلات وبرامج التبادل الثقافي مع استخدام لغة تعكس إدراكًا أن الضحايا الرئيسيين من جراء العمليات الإرهابية هم المسلمون في الخارج ولذلك فإن المسلمين والغرب هم حلفاء ضد خطر واحد. الشباب المسلمين والمسيحيين من منظور مختلف ركز إبو باتيل في شهادته على الشباب حيث وجد أن غالبية من يتم تجنيدهم في المنظمات المتطرفة للقيام بأعمال إرهابية هم من الشباب. فهؤلاء الشباب يتعرضون لعدد من العوامل التي تجعلهم ضحايا لهذا الفكر المتطرف أهمها في رأيه تأثيرات العولمة والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي تخلق شعورًا بعدم الأمان مثل صعوبة إيجاد فرص عمل مناسبة هذا الإحياء الديني في كافة أرجاء العالم. تلك العوامل مجتمعة تساعد الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب مستغلة الهويات الدينية والتي تمثل جانبًا كبيرًا من هوية الأشخاص لترويج العنف وعدم التسامح. ولذلك فقد جاءت غالبية توصياته بالتركيز على الشباب وخلق مزيد من التعاون بين الشباب المسلم والمسيحي لخلق أجواء من السلام والتعاون. ورأى أنه لا ينبغي أن تقتصر جهود الحوار بين الأديان والتعاون بين الأشخاص ذوى المعتقدات المختلفة على المؤتمرات التي تضم الأكاديميين ورجال الدين بينما من ينفذ الأعمال الإرهابية هم من الشباب، وبالتالي ينبغي في رأيه أن تركز الولايات المتحدة جهودها في دعم التعاون بين الشباب المتدين من المسلمين والمسيحيين ودعم المنظمات التي تسعى للقيام بهذا الدور. جاءت إذن توصيات المتحدثين موضحة لجوانب القصور في السياسات الأمريكية والتي أدت إلى استعداء غالبية الشعوب العربية والمسلمة وموصية باتخاذ خطوات جادة لتحسين العلاقات مع المسلمين في جميع أنحاء العالم من خلال الاحترام وتقديم مساعدات حقيقية لهم من خلال دعم إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي في الدول العربية والإسلامية والعمل على حل الصراعات في المنطقة وعلى رأسها العراق وأفغانستان والصراع العربي الإسرائيلي.