الأثار هي بقايا ما صنع الناس وما فعلوه وليس فقط مجرد ما قالوه عن أنفسهم هي جميع الاشياء التي صنعها الإنسان والسبل التي كانت تسلك لصنعها وهي تلك القرى الأثرية التي تسعفك لإعادة بناء تصور مفيد لوسائل العيش ولأنماط الحياة التي كان يحياه الأقدمون ، ولما كان علم الآثار هو علم الماضي فإنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم التاريخ الذي هو علم الماضي أيضاً غير أن علم الآثار يختلف عن علم التاريخ فالتاريخ يختص بدارسة الأحداث والوقائع وبمحاولة ربط بعضها ببعض على سبيل استخلاص نتائج معينة منها ، أما علم الآثار فيعنى بالحقائق المادية الملموسة التي صنعها الإنسان ثم يربطها بالتاريخ ومن تلك الحقائق بقايا جسم الإنسان وملابسه ومساكنه ومبانيه وأسلحته وأدواته التي كان يستخدمها في حياته .. كل ذلك وغيرها يعتبر مصدراً من مصادر التاريخ .. مثل ذلك بقايا الإنسان العربي في جزيرته فهي أيضاً مصدر هام من مصادر تاريخه القديم ولكن الاستفادة من تلك الآثار لا تحصل إلا بالبحث عنها ودراسة الماضي كالمباني القديمة من قصور ومعابد وسدود وطرقات تم التنقيب عن تلك الآثار المطمورة من مدن وقبور ومسالك ونقوش عفى عليها الزمن وطمرتها الأتربة والرمال.
كتب التاريخ ثلا مدينة أثرية تاريخية تقع شمال غرب العاصمة صنعاء وتبعد عنها (45) كم وترتفع عن سطح البحر بمقدار (2600) متر تقريباً وهي مديريات محافظة عمران . نسبت كثير من المدن والقرى اليمنية لأسماء حميرية وسبئية كما نسبت مدى أخرى إلى ما غلب عليها من ناحية اقتصادية كصناعتها التي تميزت بها مثل "مصانع حمير" كصنعاء إلى الصنعة وهكذا وأغلب تلك المدن والقرى لازالت أسماؤها ثابتة إلى الآن ومن ذلك مدينة ثلا والتي يذكر "الإكليل" أنها تنسب إلى ثلا بن الباخة بن أقبان بن حمير الأصغر –زرعة- بن سبأ الأصغر –سهل بن كعب بن زيد بن سهل بن عمر بن قيس بن معاوية بن حشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن غريب بن زهير بن ابيه –أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفحشد بن سام بن نوح بن الملك بن متوشلخ بن أخنوح بن اليادد بن مهلائيل بن فبنان بن أنوس بن آدم.
وثلا بضم الثاء المثلثة وفتح اللام ألف بعدها همزة أحد أبناء الباخة بن أقبان الستة الذين هم "يوعس وحصص وزغبات وحبابه وصيعان ونسب أقبان مخلاف أقبان والذي يمسى تارة مخلاف شبام وتارية أخرى مخلاف حمير وقد اختط ثلاء بن الباخة المدينة قبل أكثر من ألفي عام وكانت تسمى قبل ذلك بقرية الطلح .
الجامع الكبير يعود تاريخ تأسيس الجامع الكبير بثلا إلى فترة مبكرة من بداية العصر الإسلامي ويصعب تحديد تاريخه بشكل دقيق بسبب الإضافات والتجديدات التي تمت في البناء القديم حتى أنه لا يعرف أين يقع مكانه بالضبط فجدران الجامع ومنشآته أصبحت متداخلة ومختلطة إلى حد كبير ومن خلال الوصف المعماري للجامع سوف نحاول أن نوضح ذلك قدر الإمكان . الجامع يقع على تل مرتفع في وسط المدينة ويتم الوصول إليه من خلال ممر صاعد حيث تطل واجهته الجنوبية على فناء واسع مكشوف وفي الناخية الغربية منه ايوان مستطيل الشكل. يفتح بعقدين نصف دائريين وعلى هذا الفناء زخرفة فتحة العقد الجنوبي بكتلة نباتية ضخمة على هيئة ورقة نباتية خماسية تعلوها فتحة مستديرة تكتنفها من الناحيتين حليات معمارية متدلية إلى الأسفل وأغلب الاحتمال أن هذا الإيوان كان يشكل في الأصل وحدة معمارية ضمن مساحة الجامع الرئيسية وربما كان يستخدم للتدريس في الجامع كما يزيد من أهمية هذا الإيوان بقاء بعض الأشرطة الكتابية الممتدة على جدرانه بخط النسخ في الجهات الغربية والجنوبية والشرقية .. وتشمل آية الكرسي والنص التأسيسي وبعض العبارات وابيات من الشعر ، أما النص التأسيسي فبقي كالتالي : "وكان الفراغ من هذه العمارة المباركة في شهر ذي الحجة سنة سبع وتسعين وسبعمائة من الهجرة المباركة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم" ، ويقرأ نص أخر كالتالي : "من استعمل هذا الماء في غير الشرب فهو في الحرج وأضيق من الضيق ولا أحله الله عليه ، يا شارب الماء الزلال عليك هذا القول حتما اشربه وقل لعن الذي حرم الحسين ظمأ" .
تطل واجهة الجامع على الناحية الجنوبية من الفناء السابق ذكره وهي واجهة بسيطة خالية من العناصر الزخرفية تتوسطها فتحة المدخل المؤدية إلى الجامع على نفس محور المحراب تقريباً وإلى الغرب منها مدخل آخر تشكل عمارة الجامع من الداخل خليطاً من القديم والجديد –كما سبق ذكره- حيث تبدو الآثار المعمارية واضحة على أجزائه المعمارية .. بوصف عام الجماع على هيئة مستطيلة الشكل تبلغ مساحته الداخلية من الشمال إلى الجنوب حوالي (560) متراً مربعاً وتتكون من عشر بلاطات مقابلة لجدار القبلة يفصلها تسع فواصل .
حصن الغراب حصن ثلا قلعة أثرية موغلة في القدم ويجسد ذلك قوة وعظمة الإنسان الذي قهر الطبيعة وسخرها وجعلها طيعة له .. تشعر بذلك وأنت تقف على تلك المعالم الأثرية والتاريخية من بقايا القصور والبرك وابراج الحراسة وأسوار التحصينات والمقابر الصخرية ومدافن الحبوب المنقورة في الصخور والأراضي الزراعية وبوابتي الحصن العجيبتين وكذلك توفر المرافق الهامة . هو حصن حصين مهيب جعل من المدينة ومنه ملاذاً آمناً لكل هارب أو متحصن أو معارض أو داعية وقد تكسرت أمامه كل وسائل الهجوم كما أنه كان مقراً للعديد من العلماء والدعاة وللأئمة وللأمراء ونسجت حول الحصن العديد من القصص والأساطير لذوي البطولات والمعارك ما دار بين الإمام المطهر والأتراك حي توجد بأعلى الحصن نقوش حميرية سبئية كما يوجد بها مسجدان تولى بناء أحدهما الإمام عبدالله بن حمزة أما الأخير والموجود بعرض الحصن فقد بناه محسن الزلب. كما توجد بسطحه بركتان مقضضتان محفورتان في الصخر هما بركة المباح وبركة جعران ، كما توجد برك أخرى محفورة في الصخر والكثير من المدافن والمنازل والمقابر المحفورة في الصخر أو المبنية بالحجارة خلال دولة الحسين بن القاسم العياني ويقدر ذلك في ما بين (375ه - 450ه) تم العمل على ترميم وتوسيع مدرج الحصن وبوابيته وأسواره وعدد من المباني والأبراج ، كذلك كان الإمام المطهر بن شرف الدين له دور في ترميم وتجديد البناء في الحصن .
سور المدينة تتميز ثلا بأن لها سوراً عظيماً مهيباً منيعاً حصيناً تمتد جذوره عبر التاريخ إلى العهد الحميري بحسب ما تذكر بعض المصادر الحديثة. ويمتاز السور ببنائه بالأحجار الكبيرة وقد امتد البناء في السور عبر الزمن منذ القدم إلى عهد الإمام المطهر وقد استمر الترميم فيه بدون انقطاع . كما كان يوجد بالسور ممر للخيالة أثناء نوبة الحراسة .. لم يسلم هذا السور من الخراب إما بقوة سيول الأمطار أو ضربات الغزاة ويحتاج السور بأبراجه وأبوابه إلى إعادة ترميم يعيد له مجدة وشموخه العظيم. ويذكر أن السور بني على مراحل : الأولى : بناء الجزء الواقع شمالاً "باب المباح" والمسافة (250) من الباب جهة الجنوب وهذا الجزء يظهر أنه بني بنفس فترة وزمن سور شبام والذي بني في عهد الدولة الحميرية. والثاني : هو الجزء الواقع من بعد المسافة السابقة وحتى النوبة "البرج" شرق مسجد بنهان وقد تم بناء هذا الجزء خلال القرن السابع الهجري أو أوائل القرن الثامن إذ الملاحظ أن بناء المسجد المذكور أقدم من بناء هذه المرحلة من السور. وفي المرحلة الثالثة : بني الجزء الواقع من بعد البرج المذكور سابقاً وحتى باب الهادي وقد تم بناء هذا الجزء خلال القرن الثامن . وفي المرحلة الرابعة : بني الجزء المبتدئ من باب الهادي وحتى النهاية وقد تم بناء هذا الجزء بعد سنة (850ه) كما يذكر التاريخ أن الحسن بن إبراهيم العياني كان قد عمل في بناء هذا السور وذلك في أوائل القرن الخامس الهجري .