ليس سهلا ان تأخذ جماعة من صناع السياسة والقرار مكانا قصيا لتداول الرأي حول أزمة وطن وأمة, فإذا بها تجد كل القضايا التي أمامها كالدوائر المغلقة التي تنتهي دائما عند ذات النقطة التي بدأت منها, حدث ذلك ويحدث في تجمع حرص اصحابه على اخراج اليمن من عنق الزجاجة في ذروة الازمة وتجنيبه دائرة الانزلاق نحو الحرب الاهلية والوصول الى تسوية سياسية توافقية توصل فيها اصحاب المكان بمعية المبعوث الاممي جمال بن عمر الى تحديد النقاط المختلف عليها والقوى التي تقف على باب الازمة في سياق "صفقة" غير معلنة قادها سفير واشنطن في صنعاء. لم نقرأ عن تفاصيلها في الصحافة حتى اليوم بعد ان قادت اطراف الازمة الى الرياض للتوقيع على خارطة طريق تستند على المبادرة الخليجية في مشهد مفاجئ وصادم لأطراف في الطبقة السياسية والرأي العام المحلي اليمني وساحات ثورية محشورة الذهن بشعارات ثورية لم تستوعب بعد تطورات الأزمة ومخرجاتها, لكنها افصحت عن موقفها الرافض منها واتهمت اطراف السلطة والمعارضة بالالتفاف على الثورة بعد تقاسم المعارضة كعكة السلطة مع الحاكم. وتزايدت حالة الرفض الثوري مع موجة العنف اليومي التي اجتاحت تعز في مشهد دراماتيكي اربك التوافق السياسي الذي لم ينزلق نحو مؤامرة افشال التسوية بل جر اطراف المعادلة السياسية الى الدفع بعجلة اللائحة التنفيذية بتشكيل اللجنة العسكرية التي بدأت أعمالها لإيقاف جذوة العنف المتقدة في تعز وتزامن ذلك مع تشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة المعارضة لإدارة المرحلة الانتقالية. وكلا الخطوتين انصدمتا بمواقف ثابتة من الساحات التي عبرت بمظاهرات مختلفة عن رفضها لحكومة باسندوة التي ضمت -حد قولهم- شخصيات تورطت في انتهاكات حقوق الانسان وانعدام النزاهة خلال الفترة الماضية في رأي لا يستند الى قراءة سياسية وقانونية للمرحلة والشخصيات التي لن تنجو من أي عقاب في حال ادانتها قانونيا وجنائيا قبل اي احكام مبنية على الشبهات, تستند على موقف رافض للتسوية ومخرجاتها في هذه المرحلة, إذ يرجع الشباب انعدام قبولهم بهذه المرحلة الى سوء تقدير قراءة الطبقة السياسية للواقع السائد في الساحات بحديثها عن المخاوف من انزلاق اليمن نحو الحرب الاهلية والصوملة وقبولا بالتسوية بدلا من خيار الحسم الثوري الذي ينادون به بدون افق يحمل مشروعا سياسيا لبناء الدولة المنهارة وتركتها الاقتصادية والامنية الثقيلة. لكن الآراء التي تبحث عن ذلك لا تلقى صدى عند الساحات, فالآراء لا تغير الكثير ساعة الثورة حيث الجماهير تندفع في موجات تسونامي لا يقف امامها منطق العقل او سد حائل, وهو الامر الذي يضاعف من مهمة الحكومة الانتقالية ويجبرها على فتح خط ساخن لإجراء حوار واسع مع الشباب واشراكهم في مخرجات المرحلة الانتقالية في ظل سباق التجاذبات التي يحاصرها من قبل اطراف مستثناه من التسوية السياسية, لأن هكذا وضع قد يعد مؤشرا بأن عجلة التغيير التي دارت في اليمن بخروج هرم السلطة من المشهد السياسي قد يخلق حضورا مماثلا لديكتاتورية الساحات ومنطقها الثوري الذي لا يخلو من العنف أما من يفكر في استغلال هكذا وضع في اعادة حشد الجماهير نحو خيار الحسم الثوري والعسكري لعله يدرك انه ذاهب للانتحار. ان ذلك لا يعني اقصاء الساحات وإفراغها بل ان الطبيعي ان تأخذ الامور مجراها في اطار تسوية الازمة اليمنية ومرحلة المخاض القادمة, ان ذلك مرهون بأداء شركاء المرحلة الانتقالية وحرصهم على التقيد بتنفيذ اللاحئة التنفيذية في ظل جهود سياسية ودبلوماسية ملازمة ومرافقة لها. إن كل هذه التجاذبات تصب في اتجاه العنف في ظل بقاء عناصر وعوامل التوتر الخاملة التي تنشط في بؤر الصراع المناطقي والتوتر المذهبي والقبلي.. فاحتواء جذوة العنف الذي نجحت اللجنة العسكرية في تحجيمه في تعز اندلع وبدون سابق انذار في صنعاء وصعدة وأبين وأرحب وهذا يعني ان العنف سيظل خيارا مؤجلا قابلا للاشتعال في مسيرة التسوية وقد نشتم رائحته مع قرب الانتخابات الرئاسية في يناير القادم. فأحداث العنف التي حدثت بين السلفيين والحوثيين في صعدة وبين المليشيات المسلحة في صنعاء وأرحب وقوات الجيش وخلايا تنظيم القاعدة في أبين, تشير الى أن العنف الذي يدور في اليمن كان عنفا مدارا بإحكام من غرف عمليات سرية. قد يكون هذا التحليل غير مقبول في الوقت الراهن كونه يحمل بين سطوره مخاوف محتملة وقد يفسره البعض انه يندرج ضمن سيناريو قادم لأطراف النظام تسعى لإعاقة التسوية وافشال الحكومة الانتقالية واللجنة العسكرية. وتأتي هذه القراءة السطحية والمسبقة لمعادلة مختلة يتجاهل فيها البعض المشهد السياسي العام بتركيبته القبلية والعسكرية والاجتماعية المعقدة في ظل ملفات ساخنة على الطاولة اليمنية عنوانها القضية الجنوبية والحوثيون في صعدة وأطراف الصراع المسلح على الارض وكلها قوى فاعلة رفضت الاولى والثانية بينما استبعدت الثالثة لكنها مجتمعة حاضرة في الجغرافيا الخطرة التي تقف على خط فاصل بين الاستقرار أو الفوضى. * صحيفة "اليمن"