هو بطل ملحمة خالدة، وقعت فصولها البطولية في القرن الحادي والعشرين، عصر الحرية المزعومة، خارج ساحة معركة مدججة بالصواريخ الفتاكة، والطائرات المدمرة، والآليات المدرعة، مسرحها غياهب معتقل غوانتانامو، حيث الزنزانات الموصدة ذات البرودة القاسية أو الحرارة الملتهبة، مع وحشية حراسها المكلفين بتطبيق برنامج ( التجنب والبقاء والمقاومة والهرب)، الأول من نوعه، الأشد تعذيبا على مستوى العالم. رفض خلال حواره معنا حول معتقل غوانتانامو أن يتحدث عن معاناته الشخصية فقط، متناسيا وجوه الشهداء الأبرار، وانين المعذبين المحتسبين، وحقد الحاقدين الأشرار، وبشجاعته الفائقة، وإيثاره الشديد، عمد إلى تسطير فصل جديد من فصول ملحمته الخالدة بحديثه عن معاناة رفقاء أيام البطش والتنكيل خلف أسوار غوانتانامو، وخارجه. قال سامي الحاج المعتقل رقم 345 بغوانتانامو سابقا، رئيس قسم الحريات العامة وحقوق الإنسان بقناة الجزيرة حاليا، لا يمكنني خلال هذه السطور أن اسرد معاناتي الشخصية داخل غوانتانامو وأتناسى آلام، وصبر أبرياء كثر مثلي دخلوا هذا المكان المفجع بدون ذنب اقترفوه، وللأسف الشديد فمعظمهم لا تتوقف معاناته عند غوانتانامو بل تعدتها خارج أسواره، فبعد تحررهم من قيوده الظالمة، اختفى بعضهم ولا يعرف مكانه حتى الآن، وقبع بعضهم الآخر في ظلمات السجون العربية، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى منع كثيرين منهم من الصلاة في المساجد المختلفة ناهيك عن تعرض زوجات عدد آخر للسجن لا لجريمة ارتكبنها إلا أن أزواجهن من نزلاء غوانتانامو.
وأضاف لقد أتت الإدارة الأمريكية السابقة إلى غوانتانامو بقرابة 800 معتقل مسلم بريء، من أطفال، وشباب، وشيوخ، من أماكن متفرقة حول العالم، لإقناع الرأي العام الأمريكي بنجاحها في حربها في أفغانستان، والقضاء على عدد كبير من الإرهابيين، إضافة إلى تغطية إخفاقاتها في حادث 11 من سبتمبر.
ومعتقل غوانتانامو يقع في خليج غوانتانامو، أقصى جنوب شرق كوبا، وهو سجن سيئ السمعة، ويعتبر سلطة مطلقة لوجوده خارج الحدود الأمريكية، ولا ينطبق عليه أي من قوانين حقوق الإنسان، بدأت الحكومة الأمريكية برئاسة جورج بوش استعماله عام 2002، لسجن من تشتبه في كونهم حسب ما يدعون إرهابيين. ففي بداية القرن العشرين، قامت كوبا وتحديدا(الرئيس طوماس)، بتأجير الولاياتالمتحدةالأمريكية قاعدة غوانتانامو نظير مقابل مالي، بسبب المساعدة التي قدمها الأمريكيون لتحرير كوبا من الاحتلال الاسباني، واحتج الثوار الوطنيون على ذلك القرار، ونتيجة ذلك لم تقم كوبا بصرف الشيكات اعتراضا على قرار الإيجار بالرغم من إصرار الولاياتالمتحدةالأمريكية على إرسال شيك سنوي بالقيمة المالية إلى حكومة كوبا، وفي أزمة صواريخ كوبا، في أكتوبر عام 1968، لغم فيديل كاسترو القاعدة لمحاولة إجلاء الأمريكيين، لكن الرئيس جون كنيدي رد بحقه في استئجارها ونتيجة ذلك ظلت حتى الآن تابعة للسلطات الأمريكية. سامي الحاج،المعتقل رقم 345 بغوانتانامو سابقا، رئيس قسم الحريات العامة وحقوق الإنسان بقناة الجزيرة حاليا، يكشف ل الشرق في أول حوار مؤلف من 3 حلقات، مع صحيفة عربية، جوانب من خفايا وانتهاكات غوانتانامو. وحول أثره بفترة اعتقاله المقاربة لسبع سنوات داخل معتقل غوانتانامو، قال سامي الحاج: كشفت لي محنتي في غوانتانامو ما لم أكن أعرفه عما يقتضيه الإيمان والاعتقاد.. مثلا ما كنت أعرف قبلا ماذا يعني الصبر.. ولا كيف يكون الرجاء في اليسر الذي وُعدنا به إن لم تكن الأقدار قد ساقتني إلى تلك الظلمات الحالكة من الظلم والتعذيب. ما كنت أعرف قبلا كيف يكون التأسي بسيرة نبيينا محمد صلى الله عليه وسلم في الصبر والإيمان والثبات على الحق واحتمال الأذى، وما خبرت قبل ذلك كيف يكون الترغيب حين لا يجدي الترهيب في كسر الإرادة، بلاء غوانتانامو أتاح لي معرفة كل ذلك بل إن صح القول أني ما عرفت الإسلام على الوجه الحق كما يسر لي ربي معرفته إلا في تلك التجربة. وأضاف: حين وقع اليسر بعد العسر بدت لي ألطاف الله الكامنة في المحنة، وجدت أن كل شرفاء الأرض قد صاروا أهلي فازددت ولم أنقص فلله المنة والحمد، وقد طوقني أهلي في قطر قبل أهلي في السودان برعاية كريمة فأنزلوا زوجي وولدي منازل أهلهم وأولادهم فأمنوا خوفهم وسعوا في كل حاجة لهم وتجاوز برهم إلى أهلي في السودان، ولا أزال في رعاية منهم وعناية بلغت غايتها في المروءة حين شرفني صاحب السمو الأمير المفدى رعاه الله وحفظه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني فجعلني واحدا من أبناء شعبه، وإنه لشرف لي أن أكون واحدا من أبناء الشعب القطري صاحب المروءات والنجدات والساعي دائما بين أمته بالخيرات. واستطرد الحاج قائلا: أنا اليوم تتوزعني قطر والسودان وحيث أميل هنا أو هناك أجد أهلا وعشيرة وحسبك بذلك من نعمة، وأسأل الله أن يوفقني في توطيد العلاقة بين شعبينا ويمكنني من تحقيق مزيد من التقارب بينهما في المجالات كافة. فأهل السودان يحملون لقطر أميرا وشعبا معزة وتقديرا كبيرين، فقد كانوا دائما إلى جوارهم في السراء والضراء وما رعايتهم لمحادثات السلام في دارفور إلا شاهدا على ما أقول. أحداث سارة وحول أهمية شهر مايو في حياته قال سامي الحاج رئيس قسم الحريات العامة وحقوق الإنسان بقناة الجزيرة الفضائية، حقيقة كلما تمر علي مثل هذه الأيام أتذكر بعض الأحداث السارة والأخرى غير السارة في حياتي، فمن الأحداث السارة أن هذا الشهر قد شهد عودتي لحياة الحرية، حيث أطلق سراحي من معتقل غواتنانامو وعودتي إلى السودان في1 مايو عام 2007، بعد رحلة عذاب طويلة في بجرام، وقندهار وغوانتانامو، كما رزقت فيه بابني محمد حيث وافق ميلاده 27 من الشهر، وبالنسبة للأحداث غير السارة، أتذكر أن شهر مايو كان بداية الصيف في غوانتانامو الذي يتميز بجوه المداري ودرجة حرارته المرتفعة، وما تسببه من معاناة كبيرة للمعتقلين هناك خاصة نزلاء الحبس الانفرادي. وأضاف قوله: ومن الأحداث غير السارة الأخرى في هذا الشهر وقوع حادثة إهانة المصحف الشريف في معتقل غوانتانامو، فقد وقعت في 18 منه عام 2006، وأتذكر في ذلك الوقت كنا في المعسكر الرابع ووقعت قبل هذا التاريخ انتهاكات كثيرة بحق القرآن الكريم من قبل الجنود الأمريكيين من خلال تمزيق المصاحف والتقائها في الخلاء، والكتابة عليها، والطبع عليها بأحذيتهم، وأيضا وقوف المحققين على المصاحف أثناء التحقيق وعدم النزول إلا بعد حصولهم على الإجابات المرضية لهم، وكنا كمعتقلين نعترض على كل هذه الاهانات من خلال الاعتصامات والإضراب عن الطعام، حتى انتهى الأمر إلى إبرام اتفاق بيننا وبينهم بعدم إهانة المصحف الشريف. طلقات مطاطية وتابع الحاج روايته قائلا في هذا اليوم 18 مايو اخبرنا الجنود الأمريكيون بضرورة قيامهم بتفتيش المعسكر كاملا، وفي مثل هذه الحالة كنا نقوم بجمع المصاحف كلها في صندوق ليحملها مسئول الغرفة معه ولكن رفضوا ذلك في تلك المرة، وطلبوا منا إعطاءهم المصاحف لتفتيشها، وعند اعتراضنا على ذلك بحجة أننا لا نخفي أشياء بداخلها، أصروا على تفتيشها بالقوة، حدثت احتجاجات وقام الجانب الأمريكي بحشد مجموعات كبيرة من الجنود وأطلقوا الطلقات المطاطية على المعتقلين وتم تصوير الأحداث وتوزيعها على وسائل الإعلام المختلفة على أنها أحداث شغب وهجوم من المعتقلين على الجنود، وسمعنا فيما بعد انه تم استقدام لجنة تحقيق للبت في الواقعة، ووجدت أن جميع إصابات المعتقلين كانت من الخلف مما يكذب ادعاء الجنود الأمريكيين بمهاجمة المعتقلين لهم. وأكد الحاج أن هذا الحدث كان بمثابة عملية تهيئة لقتل 3 معتقلين هم ياسر الزهراني من المدينةالمنورة، ومانع العتيبي من السعودية، و( صالح )، كان يعرف في غوانتانامو بمحمد عبد الله، من اليمن، حيث تم إغلاق المعسكر الرابع ونقل نزلاؤه إلى المعسكر الأول الأشد قوة وتعذيبا، وبعد فترة قصيرة تم نقل جميع المعتقلين إلى المعسكرين الثاني والثالث ماعدا عدد قليل من المعتقلين ومنهم الثلاثة الذين تم قتلهم حيث تم توزيعهم من خلال وجود 2 أو 3 زنزانات فارغة بين كل فرد وآخر من الثلاثة، مع إبعادهم عن باقي المعتقلين في نفس المعسكر. وواصل روايته قائلا: ذات ليلة ونحن في المعسكر الثاني قام الجنود الأمريكيون بإيقاظنا وسحب جميع أغراضنا وبعدها منعونا من المشي والاستحمام وأغلقوا علينا كافة النوافذ، وبعد فترة زارنا المحامون وعرفنا منهم واقعة قتل 3 معتقلين وادعاء الأمريكيين بأنهم قاموا بشنق أنفسهم، ولكني من خلال تجربتي الشخصية ومعرفتي بهؤلاء الثلاثة احمل الجانب الأمريكي مسئولية قتلهم، وأؤكد أنهم لم يقدموا على الانتحار لأنهم من خيرة رجال المسلمين فكانوا صوامين النهار قوامين الليل، كما كانوا العمود الفقري للمضربين عن الطعام، وأكبر دليل على ما أقول انه تم نزع أحشائهم الداخلية قبل تسليمهم لأهاليهم، حتى لا تثبت قيام الأمريكيين بقتلهم، ومن الدلائل المؤكدة أيضا قتل الجنود الأمريكيين هؤلاء الثلاثة، اعتراف والد ياسر الزهراني بان جثة ابنه كان بها العديد من الضربات والطعنات مع إصرار الأمريكيين على عدم تشريحها مقابل تسليمها، وبالنسبة لوالد محمد عبد الله، فقد استقدم أطباء سويسريين لتشريح جثته واثبتوا بالفعل قتله من قبل آخرين وعدم انتحاره بنفسه، أما مانع العتيبي فقد تسلم قبل فترة قصيرة من قتله، قرار إطلاق سراحه وعودته للسعودية، واجزم بأنه لا يمكن لأي شخص في هذه الحالة أن يبادر بقتل نفسه. وبرهن الحاج على قيام الجنود الأمريكيين بقتل معتقلي جوانتانامو من خلال واقعة أخرى قائلا كان عبد الرحمن العمري معتقلا في حبس انفرادي داخل زنزانة إسمنتية خالية من كل شيء، شاهده معتقل في زنزانة مقابلة والجنود يخرجونه من زنزانته ميتا وفي رقبته حبل غليظ، في الوقت الذي روج فيه الجانب الأمريكي لانتحاره حيث وجدوه ملقيا على سريره. قناعة تامة وحول واقعة الإفراج عنه من معتقل غوانتانامو، قال رئيس قسم الحريات العامة وحقوق الإنسان، اشكر الحكومتين القطرية والسودانية على جهودهما الكبيرة في إطلاق سراحي، فقد أتتني أخبار الإفراج الوشيك عبر المحامي والحكومة القطرية من خلال المتابعة مع الجزيرة ووزير العدل القطري، وبعد ذلك جاء وفد قطري لزيارتي قبل خروجي بفترة قليلة ضم سعادة الشيخ سعود آل ثاني وكيل النيابة العامة، وعقيد من الاستخبارات القطرية، إضافة إلى مسئول من وزارة الداخلية، واخبروني بأنهم قد أتوا بتفويض استلامي وإعادتي إلى قطر، وبعدها جاءني الوفد السوداني الذي ضم اثنين من الأمن أكدا لي هذه المسألة، وطلبا مني وقف إضرابي عن الطعام وأخبرتهم أني لم ابدأ به إلا عن قناعة تامة ولن أتوقف عنه إلا بعد عودتي إلى بلادي، وقالوا تريد شيئا فطلبت منهم توافر الرعاية الصحية حال عودتي إلى السودان، لأني في حالة مرضية شديدة وتجهيز ماء زمزم وعسل النحل ليكونا بداية فكي عن الإضراب. وأردف الحاج قائلا: عرفت أيضا بنبأ خروجي من مسئول الجنود الأمريكيين وبعض الجنود السود المتعاطفين معي ولكنهم عادوا واخبروني بتأجيل موعد الإفراج، وذات يوم أخذوني لغرفة التحقيق علما بان جلسات التحقيق أثناء الإضراب كانت قليلة جدا وكلها تدور حول معرفة سبب الإضراب، وإغرائي بفكه بكافة الوسائل، لأنه كان من أكثر الأشياء التي تثير غضبهم وحقدهم وتشعرهم بأنهم عاجزين أمام قوة إرادتنا جميعا، وأتذكر أن هذا التحقيق كان مغايرا لأنهم لم يسألوني عن الإضراب أو اتهامهم الجزيرة وصلتها بالقاعدة وكان كلامهم مركزا على أنني لا أكن عداء لأحد وأنهم بحاجة لمساعدتي في القضاء على الإرهاب والقاعدة، وطلبوا مني التواصل معهم بعد خروجي للقبض على أسامة بن لادن في حالة مقابلتي له في احد الفنادق فرددت عليهم ساخرا بان فنادق العالم كلها تحت سيطرة المخابرات، كما أنني صحفي وعملي يستدعي الأمانة في نقل الحدث وعدم الازدواجية في أداء الأدوار، وقالوا لي في حالة الإفراج عنك ماذا ستفعل قلت سأعود إلى مزاولة عملي، كما سأبادر بإرسال رسالة للرئيس بوش لشكره على استضافتي طوال هذه السنوات والمعاملة الكريمة التي وجدتها، كما سأشكره على إتاحته الفرصة كاملة لي للوقوف على حجم الانتهاكات في المعتقل، وسأعمل جاهدا لكشفها للعالم بأسره من خلال تأليف كتاب يوثق هذه الفترة من حياتي. جماعات إرهابية وقال الحاج: ومن ثم ظللت في عنبر المضربين حتى يوم 29 ابريل حتى أخذوني بعد التغذية، ووجدت نفسي أمام جنرال المعسكر وقرأ على مرسوما، حيث قال قررت إدارة المعسكر ترحيلك إلى بلادك ولدينا شروط ينبغي التوقيع عليها وهي ألا تشارك في أي عمل عدواني ضد أمريكا وحلفائها، وعدم الانضمام للقاعدة أو طالبان أو أية جماعات إرهابية أخرى. وأضاف انه في حالة الإخلال بهذين الشرطين سيكون من حق الولاياتالمتحدة القبض عليك وإعادتك للحجز. ثم قدم لي الورقة للتوقيع عليها فرفضت بشدة ومن بعدها جاء طبيب وأجرى لي فحوصا وقاموا بتبصيمي وتصويري، ومن ثم أخذوني لعنبر المسافرين وفيه قابلت وليد وأمير السودانيين اللذين أفرج عنهما في نفس يومي إضافة لآخرين، وفي اليوم الثاني في هذا العنبر أتوا واخذوا مني أوراقي ورسائلي لزوجتي وحسب القانون يجب إخراجي بما احمله من أوراق. أما في اليوم الثالث الذي سافرت فيه مساء وبينما أنا جالس على كرسي التغذية اخبرني مسئول الحرس الأسود أنهم يتآمرون على عدم خروجي بحجة رفضي تغيير ملابسي وبسرعة قدم لي ملابس وطلب مني ارتداءها وقمت بذلك على الفور، وفي نهاية اليوم ركبت الباص وانتقل بي من المعسكر الأول وظل يمشي لمدة ساعة حتى وصل لنهاية جزيرة وانتقل إلى جزيرة أخرى من خلال معدية وفيها ركبت طائرة عسكرية بغير مقاعد ووضعوا لكل المعتقلين المتواجدين على متنها سماعات على الآذان ونظارات على الأعين وقيدونا، ومن ثم تحركت الطائرة من غوانتانامو إلى العراق، ومن ثم تم نقلنا في طائرة أخرى من العراق إلى السودان في الساعات الأولى من صباح الجمعة الموافق 1 مايو واعتقد أن الرحلة قد استغرقت 24 ساعة متواصلة.