الجرح العربي لا يضمّده الا الجرّاح العربي، ولا يندمل ذلك الجرح إلا بالمرهم العربي، كما أن الخمول والكسل والتباطؤ العربي لا تنشطه إلا القهوة العربية (بنت اليمن). كتب - أحمد إبراهيم بنت اليمن ليس فقط أتذكر يومها الأول معي لأنني كنت يومذاك ابن السابعة، بل ايضا -وأوّلا- لأنه كان بجواري كهلٌ سبعيني صارمٌ يترقبني بعيون حاذقة من وراء نظارته السوداء كلما فكرتُ مداعبتها يومذاك بأناملي، أو ملاطفتها بشفتاي، أو حتى مغازلتها بكلماتي .. وما أن لاحظ العجوز نواجذي كادت تلامس بنت اليمن خلسة، اقترب من آذاني هامسا، وهو يخفي عن الملأ ابتسامة خبيثة: "بعدك صغير يا ابنى، لا تتسرّع، إنها قد تضرّ فحولتك في شبابك..!" (انتهى كلام العجوز). وعلمتني الحياة فيما بعد، ويكون ذلك العجوز قد دُفن وتحلّلت عظامه في التراب، إذ علمتُ في أواخر العقد الثاني من عمري ولم اكن متزوجا بعد، عندما التقيت ببنت اليمن مرة أخرى وانا في الثامنة والعشرين من عمري، بأنها لم تكن تترصد لي انا فقط منذ السابعة من عمري، ولم تكن تترصد الرجال لوحدها، وإنما لها أختان توأمتان هما بنت الشفه وبنت الحان، وان هؤلاء بنات التوابل الثلاث يترصدن الذكور في المجتمع، يستعبدنهم من الطفولة للكهولة، ويتحايلن عليهم بأسماء مستعارة، بينما الاسم الحقيقي لبنت الشفه هي (الكلمة) التي تنجبها الشفتان منذ تعلمنا النطق ولن نتركها قبل ان تقبض الروح، وبنت الحان المنكر (الخمرة) وعاقروها في الحانات، ولها أخوات من الرضاعة (كالسيجارة والشيشة)، فلايتركها مدمنوها الى ان يفارقوا الحياة. اما بنت اليمن، فهي أنجح بنات التوابل الثلاث في جلب الرجال نحوها والاحتفاظ بشملهم فيما بينهم حولها من محافل الأفراح الى سرادقات المآتم والعزاء، تلكم البنت المدلّلة التي قيل عنها الكثير، قيل عنها أخيرا انها كانت هنا في أبوظبي، وحولها الخليجيون واليمنيون غير مختلفين على إبقاء بنت اليمن في الاستقبال، والواجهة والوسط وكما في المقدمة وفي مسك الختام..! قبل يومين هلّل اليمنيون والخليجيون على رشفات من بنت اليمن (القهوة العربية) للمبادرة الخليجية في أبوظبي كما قبلها بأيام في الرياض، مؤكدين ان الجرح العربي لا يضمّده الا الجرّاح العربي، ولا يندمل ذلك الجرح الا بالمرهم العربي، كما ان الخمول والكسل والتباطؤ العربي لا تنشطه الا القهوة العربية (بنت اليمن). إن وجدنا الرياضوأبوظبي تقفان بفناجين الرثاء خوفا على الصنعاءوعدن على مائدة خليجية يمنية، وإن لم نجد كرملين بموسكو تتباهى او تتباكى ترنيمة الشيوعية الاشتراكية القديمة بزجاجات ويسكي وشامبيان على صنعاءوعدن، فليس ذلك لأن الشيوعية افتدقت بريقها كأكسير الحياة فتُحبّذ موسكو الصمت، وإنما ايضا الصمت ضروري لموسكو والمعسكر الشيوعي اينما وجد، خوفا من لوحات (إرحل) في شوارعها على امتداد موسكو الى شيشان، ارحل لا للفقر والمجاعة، ارحل لا للماركسية والشيوعية والاشتراكية العظمى، ارحلوا عن قصور موسكو، كما رحل من رحل قبلكم من كرملين بسقوط تمثال لينين، ومن ألمانيا بإسقاط جدار كرملين. صنعاء يا حبيبتي يا وليدة بنت اليمن لكل العواصم العربية، لا موسكو وباريس ولندن، ولا فرانفكورت ونيويورك وغيرها من العواصم الأجنبية واقفة لك بضمّادات بنت الحان من الويسكي والشامبيان، فإن كانت لك اليوم عاصمة تبكي بحرارة، فهي التي لك ببنت اليمن من الرياض عاصمة خادم الحرمين، وبالقهوة الإمارتية من أبوظبي دار أبو الاتحاد زايد المرحوم الذي كان احد فرسان الوحدة اليمنية يوما، وترنّم لك ترنيمته الوحدوية المرجوة بين شطري اليمن قبل ثلاثين عاما، وكأنه كان قد ترنّم بها بوخليفة على رشفات من القهوة الإماراتية، وهو يحتسيها بين أبوظبي وسدّ مأرب، آملا في قهوة يحتسيها اليمنيون في صنعاء، فتأتيهم نكهتها من عدن، وهذا ما حصل عندما سقط البرلين الشمالي والجنوبي في اليمن الشقيقة. الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي رحب بالمبادرة الخليجية بتلكؤ، لو كان يأمل في قرارة نفسه من عواصم أجنبية وغربية بعيدا غيرها .. فإنها ستكون بعيدة كل البعد عن المائدة المستديرة للقهوة الخليجية اليمنية، فإن الحلول غير العربية التي قد تصله في صناديق جميلة لو قرأها بعناية، لاكتشف انهم أعطوه صندوقا لامعا برّاقا لا يختلف في إناقته عن صندوق بابا نويل للأطفال لما فتحوه وجدوه خاليا، وإنه لو عاد وفتحه -ذلك الصندوق- امام الشعب اليمني ووجدوه خاليا يكون قد فاته الأوان، وإن أراد بعد ذلك ان يعود الى الصندوق الخليجي الذي كان قد غُلّف له في أبوظبي على مائدة القهوة العربية يكون ايضا قد فاته الأوان. كاتب إماراتي