قد لا تكون عبارة 'حوار الأديان' هي المثلى للمُضِيِّ في طريق السلام الاجتماعيّ، والأخوّة بين أصحاب الأديان المختلفة، وإيقاف التعصب؟ فالعبارة تنطوي على قدرٍ كبير من الزيف تحجب عنا حقيقة بسيطةً هي أنَّ الحوار لا يكون بين الأيدولوجيات، بل يكون فقط في المنطقة التي خارجها تماماً. وما دام الدين، أيُّ دين، ليس سوى أيدولوجيا، أي عقيدة مسبقة تُخضِع الأشياء لمقاييسها، فإنَّ البحث عن حوار لتخفيف غلواء أصحاب هذا الدين أو ذاك ضدَّ أصحاب الدين المختلف، ليس سوى وهمٍ كبير. فالأيدولوجيات بالطبيعة - لا تتحاور بل تتصارع. ولتبسيط الأمر سننظر في الشيوعية والرأسماليةِ ولنتخيل أيَّ حوارٍ ممكنٍ بينهما!! بل إنَّ الدعوة إلى مثل هذا الحوار تبدو إلى سذاجتها مضحكةً. صحيحٌ أنَّ المجتمعاتِ بحاجة إلى البحث عن المشترَك بينها حتى تأتلف، ولكنه صحيحٌ أيضاً أنها بحاجةٍ إلى الاختلافِ حتى تغتني. وهنا تظهر مفارقة 'حوار الأديان' في تجسير الهوة بين الأديان التي صنعها المتديِّنون أنفسهم بمناهجهم المختلة في التربية وعقد النقص والأهواء. وقبل ذلك في تعميق الهوَّة بين المذاهب المختلفة للدين الواحد!! فبينما تذهب جهود الحوار إلى الأديان في عمومها، تكون الصراعات (وما يتبعه من تمييز واضطهاد) لا تتوقف في داخل الدين الواحد، بين السنيِّ والشيعيِّ والعَلويِّ والمعتزليِّ والإسماعيليِّ والزيديِّ ، ناهيك عن الدرزي والبهائيِّ. فنحنُ مجتمعاتٌ صامتةٌ عن حقِّ هؤلاء في الوجود الطبيعيِّ والقانونيِّ، وعن حقِّها في التعبير العلنيِّ، لأننا نخضع مسلوبي الإرادة إلى ديكتاتورية الأغلبية، ولم نقف بعدُ على حقٍّ مهمٍّ من حقوق البشر، وهو حرية الاعتقاد. كان أحرى بمؤسسة حوار الأديان التي تعلن أنها تسعى إلى التقريب بين 'الأديان' (وهل من حاجة إلى ذلك؟) أن تُعنى بترسيخ حقِّ التديُّن وحرية الاعتقاد قبل أي شيء آخر. فهذا الترسيخ وحده كفيلٌ أن يُوفِّر أرضاً لاحترام العقائد الأخرى، وعدم الدخول في مقارناتٍ بين الأديان، أو في نقاشات تتناول العقائد؛ فالعقائدُ لا تُناقش، وخصوصاً من كان خارجها. بعبارة أخرى، لا يصحُّ في رأيي - ولا يحقُّ لمسلمٍ أن يناقش عقيدة التثليث في النصرانية ليؤكد على تفوُّق عقيدته، مثلما لا يحقُّ لبوذي أن يناقش أركان الإيمان في الإسلام. كما لا يحقُ ليهوديٍّ أن يناقش تقديس البقر في الهندوسية. فمبدأ العقيدة واحدٌ في الأرضِ جميعاً: إذ ثمة مقدَّسٌ قد يكون مادياً، وقد يكون مجرَّداً، ولكنه يجد من أتباعه الدرجة ذاتها من التقديس. ولربما أنَّ نظرةً إلى تاريخ حوار الأديان في المنطقة (التي اقتصرت لأسبابٍ لا نعلمها على الأديان الثلاثة الإبراهيمية) تخبرنا عن الإنجاز الذي لم نستطع أن نلمس آثاره الإيجابية حتى الآن؛ فأين التآخي الإنساني بين النصرانية والإسلام في دول الغرب؟ وأين التآخي الوطني بين الأقباط والمسلمين في مصر المحروسة؟؟ وبين سائر الملل في لبنان الجميل؟؟؟؟ بل أين الصداقة واللطف والتقبل بين اليهودية من جهة وبين النصرانية والإسلام من جه أخرى في أرض فلسطين المنكوبة؟؟؟ وهل أن حوار الأديان سيفضي إلى أن تجلي إسرائيل عن فلسطين وتتركها لأهلها الأصلين من مسلمين ونصارى؟؟؟