يظن الكثير من الناس أن الصحافة مهنة سهلة وغير متعبة، والمرء لا يعرف الشيء إلا عندما يخوض غماره. حينما تُذكر الصحافة يُذكر معها مقدار التعب والقلق والإرهاق وهو أمر ملازم لها، ولقد لقبت الصحافة بأكثر من لقب أهمها مهنة البحث عن المتاعب، وصاحبة الجلالة، والسلطة الرابعة، وقد يستفسر البعض عن سبب تسمية الصحافة ب ( مهنة البحث عن المتاعب ) وهو يرى الصحافيين يتمتعون بوجاهة اجتماعية، وشهرة واسعة، والجميع يشير إليهم بالبنان، ومع ذلك هم متنعمون يلبسون الجديد، يمشون وراء المسئولين، يُدعَون إلى كل محفل، يأكلون من موائد الكبراء، ويشربون من كؤوسهم، والحقيقة التي أجمع عليها المختصون أن الصحافة سُميت بذلك لأنها مليئة بالمتاعب أي العقبات في طريق الحقيقة، وفي غمارها تكمن مصائب السلطة والبشر، وربما يكون ثمنها الكثير من الانتهاكات والإذلال بل ربما يصل الثمن في بعض الأحيان إلى أن تكون حياة الصحفي نفسه في مهب الريح يدفعها رخيصة مقابل صموده وصبره في وجه تلك المصاعب . إلى الآن تكلمنا عن الصحافة المهنية، الصحافة كما ينبغي أن تكون عليه، ولكن في واقعنا المعيش يحتاج الأمر إلى كثير من الصراحة، نحن طلاب صحافة ودرسنا كل تلك المعاني والمثاليات بين جدران أربعة تُدعى ( قاعة المحاضرات ) ولما نزلنا إلى الواقع واطلعنا وسمعنا عن الممارسة الصحفية للصحفيين القدامى رأينا انفصاماً كبيراً بين ما عرفناه وبين ما سمعنا عنه ورأيناه، لا بدّ أن تتولد لدينا صدمة، أقول لا بدّ ولعل المقال الذي بين أيديكم يمثل بداية الصدمة، نحن نعلم أن معظم الصحفيين في حضرموت ودعوني أحصر الدائرة على هذا الموضع غير متخصصين أو دارسين بالمعنى الأبرز للكلمة، ويدّعون في كثير من الأحيان الخبرة والدراية والممارسة العملية، وأن غيرهم لا يعدون أن يكونوا دخلاء على ( مهنة المتاعب )، جميل جداً، دعونا نتفق على أهمية الخبرة والممارسة العملية، لكن ربما لا يروق لكم أيها ( الخبراء ) إن علمتم أن كثيراً من المتخصصين يفضلون الإثنين معاً أي أن يمتلك المرء العلم والخبرة، ولتوضيح الفكرة أكثر لنتخيل أن المسألة ( علم ، خبرة ) كجناحي طائر، لا يمكن له أن يطير بأحدهما دون الآخر . أعلم تماماً أن التهمة الجاهزة التي ينبغي أن يتلقاها من يفتح مثل هذه المواضيع الحساسة هو : لقد اغترّ هذا المعتوه بعلمه، ولا علم لديه، هو ( ابن أمس ) كيف له أن يتلفظ بهذه المزاعم وينتهك حرمات من هو أكبر منه سناً وأعلى شأناً ؟!! دعوني أطرح بعض المسائل الهامة وإن شئتم أن تسموها بعض الحقائق الهامة، لا أدعيها من تلقاء نفسي بقدر ما أنني سمعتها ممن هو أكبر مني سناً أي من جيلكم أيها ( الأكارم )، صحفي يسأل بكل ذلة ومهانة عن( حق المواصلات ) مقابل أنه غطى خبراً عن مناسبة معينة، وآخر يحضر صحيفة أو تسجيلاً لتقرير إذاعي يتكفف بها عند باب أحد المسئولين، طالباً منه ( بقشيش ) ربما رده وربما ( تصدق ) عليه ببضعة آلاف من الريالات، عندها يحس هذا الصحفي ( المحترم ) أنه حقق إنجازاً في عالم صاحبة الجلالة. أقول في نفسي هذا أهون مقابل ما رأيته من فعل مشين قام به أحد الصحفيين حينما كان يجمع الملفات ليستفيد منها خلال إحدى الدورات، وآخر أُخبرت أنه اختطف هدية لأحد المدعوّين إذ دُعي على أساس تغطية الخبر لا على أساس جمع الغنائم المحرمة، عاملو إحدى المؤسسات يكتبون أوراقاً في شهر رمضان يسألون بها مدراء مؤسسات إيرادية ليعطوهم ( حق الله ) ، صحفيون قبل أن تسألهم عن المبادرة بالقيام بأي عمل يبادرك بالسؤال ( هل ستعطيني حق الشاهي ) ، بالتأكيد شرف المهنة يربأ به أن يسألك ( حق القات !! ) ، صحفيون يُحسبون على أنهم قامات إعلامية ينشرون غسيلهم على مرأى ومسمع من الناس، يتراشقون بمهاترات وسذاجات حتى تسأل نفسك في حيرة : ( أحقاً هؤلاء صحفيون مهنيون ؟! ) ، يُقدمون على حماقات لا أحسب أن طلاب مستوى أول إعلام يقدمون على مقارفتها !! إلى هنا يكفي يقولها من يقرأ هذه الأسطر لقد زِدت في حماقاتك أيها الصحفي ( الصغير )، يكفي فضائح، أغلقوا فم هذا الأهوج ، وأدعوكم ألا تنشروا هذا المقال الذي ينال من شرف صحافتنا الحضرمية العتيدة . نحن جئنا بقوة وسنحاول أن نغيّر هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه صحافتنا، إن شئتم أن تعينونا فعلتم، وإن لم تشاؤوا فأرجو أن لا تقفوا حجر عثرة في وجه التغيير ، التغيير سنة الحياة ولا بدّ أن نتغير . أقول : يظل من بين تلك ( الأكوام ) أو ( الأفواه ) الصحفية من هو أعلى شأناً وأكبر طموحاً وأرسخ مبدأً ممن لن يرتضوا أن تظل إبداعاتنا حبيسة الأدراج .