ليس كل حكم صادر على متهم، يتصف بالحق والعدل، وليس كل اتهام هو في الضرورة صحيحا، فللعدل شروط منها البينات، ومنطق الحكم العادل، وإلا عُدّ باطلا..؟ فالاستنسابية واردة، خاصة إن صدرت ممن يمتلك الثروة والقوة والقدرة القاهرة، إذ أن قيم الحق والعدل محكومة في الثوابت، أما الثروة والقوة فقيمتان متغيرتان، إذن فليس لهما حظ في العدل إن حكمتا.. وهكذا فإن القوى الدولية العظمي تتوجه غالبا إلى تقويم أوضاع الدول الأخرى (الأضعف) من منظور مصالحها، في إدانة مواقف حكوماتها الوطنية اتجاه الأحداث العالمية، إن كان مخالفا لتوجهاتها، وليس من منطلق طبيعة النظم السياسية الاجتماعية الاقتصادية التي ترتكز عليها هذه الدول، أكان في توافقها مع المجتمع الدولي من عدمه، أو إن كانت هيكليتها منظومة وفق الشرعية ورغبات شعوبها..؟ لذا لا يمكن أن تعول الشعوب على تقييمات هذه الدول ومعاييرها، وما يصرخ به ممثلوها، ولا على سلسلة الاتهامات التي تكيلها محترفية المنظمات الدولية التابعة (مجلس الأمن، منظمات حقوق الإنسان، والمحاكم الدولية) في حق هذه الدولة أو تلك، لكن يمكن لهذه الشعوب أن تعرف الصواب من الخطأ في ما اختطته لمسارها الوطني والدولي، اعتمادا على دليلها الثابت الصائب، المنطلق من مصلحتها الوطنية، ومصلحة شعبها، ضمن سياق وحدود الحقوق الناظمة المتعارف عليها والشرائع الدولية..؟ فدول مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا، قد اختطت بلا مبالغة منذ قرون، سياسة اقتصادية سياسية دولية اتجاه العالم، تعتمد في طريقة أو أخرى، على احتلال دول وأراض الشعوب واستنزاف خيراتها، واستعباد شعوبها، وقد أصاب الدول العربية، القسط الأوفر منها، قديمها الحديث، منذ تقسيم الإمبراطورية العثمانية عام 1919 وتقاسمها فيما بين دولها شعوبا وثروات، ودورها في تشكيل دولها ورسم حدودها حسب مصالحها، واغتصاب ارض فلسطين، وتهجير سكانها وتشريدهم إلى الشتات، واستقدام أغراب ليتوطنوا مكان أهليها، إذن أصابنا من هذه الدول الويلات الجسام، حروبا عدوانية مباشرة وغير مباشرة نزف دماء وغزوات، واستنزافا صريحا ونهبا للثروات، آخرها في ليبيا وقبلها العراق، دون مساءلة أو سؤال والمطلوب دائما الموافقة والسكوت، على كل أفعالها على أنها عطيات مباركة وتبريك من الله العلي القدير..؟ هؤلاء هم ذاتهم من كانوا المستعمرين الفجاج: للمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر المحروسة والسودان، وبعد الحرب الأولى لكافة مناطق المشرق العربي، من أعالي جبال طوروس إلى اليمن وبلاد بحر العرب وبلاد خليج العرب.. لم يقدموا يوما التقدم القليل أو الخير لشعب بلادنا، لم نرَ يوما مشمسا، بل قدموا القتل والظلام والفقر والمآسي، اسألوا المليون شهيد في الجزائر، وقوافل الفداء من أجل أرض فلسطين والتحرير؟، وبالمقابل قدمت شعوبنا الشهداء والعرق والألم التضحيات، وصار مرادفا لمعنى الوطنية والتقدم والتحرر والجهاد في بلادنا، من كانت هذه الدول المشار إليها تناصبه العداء، أو من كانت تحرض على العدوان عليه وتلاحقة دولة إسرائيل..؟ ومن كان بالمقابل من شعبنا يجاهر بالتصدي لعدوان هؤلاء والدفاع عن الأوطان..؟ وعلى العكس من ذلك من كان خاملا خائنا متخلفا، كافرا، دولا كانت عربية أو إقليمية وحكوماتها وحاكميها، ويندرج في خانتهم من كان على شاكلتهم من الأحزاب أو الأفراد..؟ إذن فمَن من العرب أو مَن في حكمهم: كان في اصطفاف مع دول الغرب والولاياتالمتحدة، وملحقاتهم من أعراب النفط، فحكم هؤلاء غير منصف أو صائب، لأنهم حكما مع الجانب الآخر المفتري، مع الأعداء، وفي التاريخ والممارسات الآنية شواهد على افتراء هؤلاء وطلاحهم تدينهم، وبينات، هم دخلوا في الموقف الخياني الكافر، أيا كانت الذرائع والمسميات، فليس في مثل هذه الأمور الحياتية المصيرية، ما يمكن أن يحسب وجهات نظر؟.. هم مع استباحة قتل شعوبنا، ونهب ثرواتنا، هم خارج عالم الأمانة والعدل، ولا يجوز: لا في العقل ولا في منطق الشرائع أو في ما وضع واتفق عليه من لوائح لحقوق الإنسان، أن يحسبوا من الإخوة أو من أهل الدار، ولا رحمة عليهم..؟ بل يجوز عليهم الحكم بما اقترفت أيديهم من سيئات، وفي استعجال تنفيذ القصاص ..؟ فالقوى الدولية لحلف الناتو ومن هم في ركبها، تحاول إداراتها من منظورها، إدانة الحكومة السورية، وهي محقة في ذلك، وتحكم من منطق العدل (لكنها بدلت في البينات والثوابت)، فلقد اعتبرت أن لا وجود للشعب السوري..؟ وأن مجموع الشعب السوري هو فقط من تروج له كعالم حقيقي له تواجده، عبر فضائياتها العالمية، في مظاهرات أبنائه، وحراكهم، وأصواتهم ومؤتمراتهم وبياناتهم، السوريون هم فقط من ترسلهم وتمولهم وتسلحهم من مجموع العصابات، ليعيثوا خرابا وذبحا ودمارا على الأرض السورية، هؤلاء هم طرف (الحرية والديمقراطية والتحرير) في مواجهة الطرف الثاني الجيش السوري، المحكوم في ديكتاتورية من قبل النظام، معادلة غريبة مفروضة (غير معقولة)، لكنها هي الوحيدة الصحيحة، التي يقبل بها جانب الإدارة الأمريكية الناطقة باسم مجموع هذه القوى، وعلى كل من الشعب السوري والعربي والعالمي أن يصدق..؟ *علما أن الجيش السوري هو جيش دولة لها تاريخها، الذي سبق قيام دولة أمريكا، ويعود وجوده إلى ما قبل فرض الحالة القطرية على شعبها، وتعداد أفراده وقياداته مشكلة من أطياف وألوان الشعب السوري، وكذلك حكومته، لذا فليس الجيش السوري جيش نظام، أو جيش لون واحد من الشعب، كما يحاولون تصويره، لأن هذا مستحيل في تاريخ عيش وحدة التعدد السوري، إذن فالمذابح كما هذا التصور الغريب المريض، الذي يقدمونه، يقوم بها النظام والجيش السوري، خارج الدولة، لأن الطرف الآخر هو شعبهم الافتراضي الذي صار هو ومقاتليهم واقعا في الدولة دون سواه، وهؤلاء يقاتلون النظام وجيشه دفاعا عن الحرية..؟ ولا يقولون أن شعبهم المفترض وثورتهم السورية ومسلحيها، إختلاقات ممسرحة، لا ينطبق عليها واقع الحال، لذا نرى هذا المنطق المفضوح في غرائبيته، والمتناقض في روايته لتفاصيل الوقائع، صار يصدر أيضا عن المسؤولين الأعراب الملحقين، بعد أن تدربوا عليه(حمد الجاسم)، بأن النظام يقوم بالمذابح لإفشال خطة عنان، مع أن من وقع عليهم فعل الإجرام، هم من المسالمين المنتجين، الذين يصطفون بالضرورة مع بقاء الدولة واستقرارها، ويعارضون كل مخرب وتخريب.. إذن فحقيقة الأمر في سوريا هي على خلاف ما يروج له، فمن جهة هنالك وطن يضم شعبا، ودولة دستورية مستكملة شروطها وحكومة شرعية، وجيشا وطنيا أفراده من أطياف الاجتماع السوري، ومن جهة ثانية: هنالك عصابات مسلحة ومرتزقة تستقدم متسللة إلى الداخل السوري في دعاوي متعددة مختلفة، إلى حواضن لها متآمرة عميلة، متوزعة ممولة متخفية بين سكن الأهالي، تنطلق منها في أوامر خارجية من الغير لتنفيذ أعمال القتل والترويع والنهب، بغاية نشر الفوضى وتقويض الدولة، مما جعل المواطن السوري في حالة من الاندهاش، لغرابة ما يسمع في الإعلام المعادي، وما يقدم له من مشهديات وإخباريات لا يراها واقعا، وإنما نقيضها، مما أفقده الثقة بكل ما يسمع، فانكفأ إلى إخباريات إعلامه الوطني دون غيره..؟ وإلى احتضان قيادته، وإلى تأكيد شرعيتها الشعبية والدستورية، لكن على الرغم من إلحاح الشعب السوري على قيادته، كي تضطلع في دورها لتأمين الحماية لشعبها، وحفظ سلامته، ووضع حد لتمادي القتلة المخربين في أعمال الخطف والقتل والترويع، نري الإدارات الأمريكية(كلينتون) ودول الغرب، تتعامل مع الحكومة السورية، وكأنها خارج الدولة، فتعتبر أن تنفيذ الحكومة لمهامها هذه هي هجوم على شعبها..؟ أفقدها شرعيتها، مطالبة الرئيس الأسد بالرحيل، لا شك أن الرؤية المصلحية المتشنجة لدول حلف الناتو، قد أفقدها سلامة الرؤية، كما أن تراكم نتائج إحباطاتها، قد قادها إلى تخبطات قاتلة، قد تفضي تداعياتها إلى رحيل حكومات هذه الدول ذاتها، وتقويض أخرى، وإلى المساهمة في استنهاض شعوب المنطقة ضد ثوراتها المزيفة، ومخططاتها ومشاريعها التدميرية، وأيضا إلى المساهمة في صناعة الهالة الأسطورية للشعب السوري، ولرئيسه الشاب بشار الأسد على غير ما تشتهي..؟