الخليفة معاوية بن أبي سفيان، الأموي الذي حكم في القرن السابع للميلاد هو المقصود في المصطلح السياسي 'شعرة معاوية'. يبدو في الظاهر ان استقرار الحكم متعلق بالصلة بين الحاكم وشعبه و' ثخانة الصلة كثخانة شعرة'؛ 'عندما يشد الناس أُرخي وعندما يُرخي الناس أشد فلا تنقطع الشعرة'، أوضح معاوية. يبدو ان عبد الله ملك السعودية يتبنى هذه النظرية. فقد أدرك في الاسبوع الماضي ان الشعب قد يقطع 'الشعرة' كما حدث في عدة دول عربية اخرى. 'أنا فخور بكم جدا'، قال الملك في خطبة في أبناء شعبه، 'لن تستطيع الكلمات والعبارات التعبير عن هذا. أقول هذا لأن التاريخ سيذكر والأقلام ستكتب. أنتم صمام الأمان الذي يحافظ على وحدة الشعب، وقد قضيتم على الغث بمساعدة الشيء الحقيقي وعلى الخيانة بالاخلاص'. اجل هذا كلام كالمهاميز من حاكم لرعاياه، نفس الحاكم الذي نشر قبل اسبوع فقط أكثر قوات أمنه لمنع مظاهرات على نظامه. وأرسل الملك شكرا خاصا ايضا الى الفقهاء السعوديين الذين يحصلون على أجورهم من خزانة الدولة لاسهامهم في منع المظاهرات بعد أن قضوا بأن المظاهرات محرمة بحسب الشرع. لكن الكلمات غير كافية للشهادة على الشكر، وهذا يعرفه الملك جيدا. ولهذا بعد أن أنفق 36 مليار دولار قسمها على مواطنيه، استقر رأيه على زيادة 93 مليار دولار اخرى للاحسان الى الشعب المخلص. سيبني الملك 500 ألف وحدة سكنية لمن يعوزهم السكن وسيرتفع الحد الأدنى للأجور الى 800 دولار، وينشىء شبكة لمحاربة الفساد ومن اجل الأمن، وزاد 60 ألف وظيفة في وزارة الداخلية، أي في جهاز الامن الداخلي. 'ثورة اقتصادية'، هكذا توجت الصحيفة السعودية الدولية 'الشرق الاوسط' حملة استثمارات الملك الجديدة. يمكن أن نُسميها ايضا 'حملة شراء الشعب'، لانه سيستمتع بالأعداد التي تُدير الرؤوس. طلاب يدرسون في جامعات في السعودية والخارج ايضا، ونحو 900 ألف من الموظفين في خدمة الدولة الذين سيحصلون على زيادة راتب، وتغيير سلم الأجور وزيادة واضحة لمرتبات التقاعد، والجنود الذين هم المستمتعون الرئيسيون الذين ستكون طائفة الاحسانات التي سيحصلون عليها هي الكبرى بين فئات السكان في السعودية. لكن المال من السماء الذي يسقط الآن على موظفي المملكة أصبح يثير غضبا شديدا عند عمال القطاع الخاص. لن يتمتع نحو 800 ألف العامل السعوديين هؤلاء ولو بإحسان واحد من هذا المطر كله لا برفع الحد الأدنى للأجور ولا بزيادة غلاء المعيشة. لكن عددا من أرباب المال السعوديين تطوعوا لمنح عمالهم زيادة غلاء معيشة، لكن عمال القطاع الخاص عبّروا عن خيبة أملهم لانهم 'ما عادوا يُعدون من أبناء المملكة'، كما قال واحد منهم لصحيفة 'عرب نيوز'. في اثناء ذلك تستطيع السعودية التي تهربت بلا ضرر تقريبا من موجة المظاهرات، أن تنفق هذه الاموال الضخمة على مواطنيها من غير ان تستجيب حتى لمطلب واحد من مطالب المعارضة. لا اقامة مملكة دستورية، ولا قطع العلاقة بين الأسرة المالكة وحكم الدولة الفعلي، ولا انشاء مجلس شعب ومنح النساء حقوقا اخرى. ومما لا داعي له ايضا توقع ان يحث رئيس الولاياتالمتحدة باراك اوباما، أو رئيس حكومة بريطانيا، ديفيد كامرون، الملك ابن السادسة والثمانين على إبقاء مجال أوسع لوسائل الاعلام السعودية أو بدء مسيرة تحول ديمقراطي. إن سلامة النظام هي سلامة الاقتصاد العالمي، واستقرار نسبي لأسعار النفط، وتعزيز السور الواقي من التأثير الايراني في المنطقة وسائر الخير للدول الغربية ولا سيما الولاياتالمتحدة، من النظام القديم الدكتاتوري في المملكة. لكن مظاهر الاحتجاج في السعودية تجد لها قنوات اخرى للاندفاع الى المجال العام. في كل موقع أخبار في دول الخليج يظهر فيه نبأ عن الملك السعودي أو عن سياسة المملكة، يمكن ان نجد ايضا متحاورين يعرفون الاشارة الى مساوىء تلك السياسة. فعلى سبيل المثال كتب هذا الاسبوع حسين البحري في موقع 'العرب أون لاين': 'وقعت هذا الاسبوع مظاهرات في تونس ومصر وليبيا، وأيد جميع مُفتينا وفقهائنا المتظاهرين ولم يُفتوا بأن المظاهرات مُحرمة. وعندما بلغت المظاهرات السعودية فقط أفتوا بأن المظاهرات مُحرمة. على من تضحكون أيها المحترمون؟ العار والسُبّة على رؤوسكم'. بالمناسبة يستطيع الكاتب ان يوجه هذه الدعوى ايضا على الفقيه ذي الشعبية الشيخ يوسف القرضاوي الذي أيد تأييدا كاملا المظاهرات في مصر وتونس، لكنه هاجم المظاهرات في السعودية ووصفها بأنها مظاهرات طائفية لانها مظاهرات شيعة، ولهذا فان هدفها كله زرع الانقسام والحرب الأهلية. في اثناء هذا الجدل تجري ايضا معركة مهمة اخرى، بين نساء سعوديات يعملن على توسيع حقوق المرأة، وبين خصمهن من النساء اللاتي افتتحن موقعا خاصا على الانترنت عنوانه 'وكيلي يعرف شؤوني أفضل مني'. والقصد ان كل وكيل بدءا بالملك وانتهاء الى الزوج أو الأخ أفضل معرفة بحاجات المرأة. وهكذا في حين ان نشيطات حركة حقوق المرأة في السعودية ينشرن مقالات في الصحف الامريكية عن مكانة النساء الدنيا في السعودية، وان المرأة مُحتاجة الى رخصة من وكيلها لمغادرة حدود الدولة، وانه لا يحق لها ان تقود سيارة، تلوح النساء المحافظات بطاعتهن للملك ولأزواجهن. لا يمكن ان نجدهن في المظاهرات القادمة. هآرتس 23/3/2011