* النزاعات الانتقامية للجنرالين هادي ومحسن تطغى على طبيعة المعارك الوطنية * عبدربه منصور يسعى لإخراج الإرهابيين من أبين والجنوب باستدراجهم إلى البيضاء والمناطق الوسطى * علي محسن يرغب بالثأر من قوات الحرس بطريقة ما تجرعه على يد الحوثيين في المحافظات الشمالية * الإصلاح يرغب في إضعاف المؤتمر في عقر نفوذه الجغرافي والسكاني الأكثر ولاء وانتماء للرئيس السابق من حيث لا يتوقع أو يحسب أحد.. اندلعت المواجهات في رداع.. تدحرجت كرة النار من جبال شبوة ومأرب لتنفجر القنبلة في البيضاء.. لتجعل من منطقة قيفة مسرحا للحرب الطارئة بين قوات الجيش اليمني وعناصر افتراضية من تنظيم القاعدة.. اشتعلت الأرض بانفجارات القذائف والمدافع.. وامتلأت السماء بالطائرات الحربية المقاتلة.. فانساب سريعا شلال الدماء واتسعت المقبرة بسرعة وما تزال المأساة تتوسع والكارثة قابلة للاتساع أكثر.. كانت الأنظار تتركز على مناطق ومواقع أخرى غير هذا المكان البعيد جزئيا عن خارطة الإرهاب.. لكن القرار الخفي القادم من وراء كواليس الحكم في صنعاء حسم أمره ومضى في طريق تدمير ما تبقى من بلاد اليمن.. متخذا من شائعات غير مؤكدة بتواجد ثلاثة مخطوفين أجانب بهذه المنطقة مبررا للتعامل مع الهدف بالقوة العسكرية المتغطرسة.. ليس في قيفة أو رداع آبار نفط أو أنابيب غاز وبترول تتعرض للتفجير.. ولا تمر فيها أبراج شبكات الكهرباء المستهدفة بأعمال التخريب.. كل ما في رداع هو حركة تجارية نشطة وكثافة سكانية تستمتع بالقدر المناسب من التعايش والأمن وفرص العمل.. باعتبار رداع نقطة التقاء مهمة للمناطق الوسطى ذماروإبوالبيضاء وما حولها من تجمعات بشرية ذات فاعلية حيوية ومحرك أساسي للاقتصاد الوطني.. عوضا عن العمق الاستراتيجي الذي تمثله في الحسابات اللوجستية كعمق محوري يشكل نقطة الارتباط والامتداد بين شمال اليمن وجنوبه.. بما تحمله من تنوع ثقافي يتداخل مع الجهات الشرقية والغربية وينصهر في هذا المثلث على الأرض ليجمع الأرض والإنسان اليمني في بوتقة واحدة تعزز تلاحمه وتجانس وانسجام الدولة والمجتمع. البعد الثالث للمعركة المبررات الواهية لشن الغارات الجوية والاجتياحات العسكرية في مربعات رداع.. قيفة والمناسح وولد ربيع تحمل أبعادا وغايات تتعدى عناوين الإرهاب والقاعدة إلى ضرب النسيج الاجتماعي والتركيبة القبلية لأهداف وأغراض تختبئ خلف أدخنة حرائق الأسلحة والغبار المتصاعد من جنازير المدرعات.. فحجم الاحتشاد العسكري بالعتاد والأرتال الضخمة من الآليات والدبابات والجنود.. ينم عن غايات أخرى غير القاعدة.. قياسا بمحدودية أعداد عناصرها المفترضين في جبال الثعالب وقرى آل الذهب وما يشكلونه من قدرة على التخريب والعنف.. ذلك أن التواجد القاعدي المكثف معروف ومعلوم بأماكن أخرى وليس في رداع وقيفة إلا اليسير منه والقليل. الرقص مع الرصاص لا أحد هنا يحمي أو يأوي العناصر الإرهابية والمحسوبين على القاعدة.. مع ذلك هناك توجه ملحوظ لتصنيف رداع كوكر لهذه الجماعات المسلحة.. في الثلاثة الأعوام الأخيرة بدأت ملامح هذا التوجه.. إثارة النعرات المذهبية بالعزف على أوتار النغمة الحوثية والسلفية وما تخللها من أعمال قتل وعدوان وعمليات اغتيال لشخصيات دينية واجتماعية من الهاشميين والزيدية.. بالتزامن مع إذكاء شرارات الثأر المدفون والمتراكم بين أقطاب القوم أفرز سقوط ضحايا من المشائخ ورجال القبائل.. في ذات الوقت الذي كانت الساحة تغلي بالصراع السياسي واحتدام الاستقطابات على هامش ما يسمى الثورة الشبابية.. لتدخل رداعوالبيضاء دائرة المعمعة وتبدأ موجة الاضطرابات ترتفع بإيقاع متسارع.. بلغ مؤخرا نقاط بعيدة وخارج حدود المدينة والمحافظة للمحافظات الأخرى مثل ذماروإبوأبين ومأرب والضالع.. لتصبح عنس ودمت وآنس ومراد ويريم مناطق تقترن بالخطر القادم من قيفة أو تدخل معها في حلقة الصراع وإفرازاته.. إذ تنتشر الأخبار عن نزوح السكان إلى ذمار وتحليق الطيران القتالي فوق عنس وتنفيذ هجمات في آنس وهروب عناصر إلى دمت ووساطة قادمة من مراد وتوافد أنصار الشريعة من إبوأبينوشبوة ومأرب.. لتسجل فاتورة الخسائر الأولية لفاتورة يومين من الحرب الغامضة في رداع ما يقارب مائة ضحية من أفراد الجيش وعناصر القاعدة والمواطنين الأبرياء.. سقط بعملية واحدة ما يقارب ثلاثين جنديا بانفجار سيارة مفخخة بنقطة عسكرية.. فيما وزارة الدفاع تتحدث عن سقوط نحو خمسين إرهابي في العمليات العسكرية التي تقوم بها بمناطق قيفة. مثلث الصراع السياسي لكن نظرة المراقبين للتطورات الراهنة عسكريا في رداع.. يقرأون المشهد من زاوية سياسية تستكشف الخفايا من معطيات العلاقة القائمة يبن أطراف اللعبة وأقطاب الصراع السياسي الذي يعكس نفسه على مختلف الأحداث التي تعيشها بلادنا.. فهناك من يعتبرها معركة الرئيس عبدربه منصور المبنية على فكرة إخراج القاعدة من محافظة أبين جعار وزنجبار ومناطق الجنوب شبوة وسيئون وعدن بعد انتشارها المحرج له كصانع قرار يحاول استدراج هذه العناصر إلى مناطق الشمال.. وبحكم أن البيضاءورداع الأقرب وذات الارتباط بتلك الخلايا نسبيا كان الاستدراج هو الأنسب لتسهيل وصولهم إلى هنا وتوفير مسببات تجمعهم في قيفة ومن ثم الانقضاض عليهم.. هذه الفكرة تقوم أساسا على جزئية المصاهرة بين أسرة الذهب وأنور العولقي الذي قتل في هجوم لطائرة أمريكية على شبوة العام الماضي.. كما تقاتل الأشقاء من أسرة الذهب على خلفية وتبعات اقتحام عناصر القاعدة لمدينة رداع والسيطرة على العامرية العام الفائت.. ولأن قيفة منطقة تتفرع في أربع مديريات وقبيلة ذات رصيد تاريخي ويحسب لرجالها ألف حساب.. كان لا بد للدولة إخضاع وتركيع هذه القبائل القوية دونما أسباب واضحة.. بذات الأسلوب الذي يراد فرضه على قبيلة الحدأ ربما لاحقا وكما هو قائم مع قبيلة سنحان وسبق مع قبائل العوالق وعبيدة بأعذار تستخدم الإرهاب والقاعدة غطاء لتمرير غايات بعيدة.. من هنا فإن عبدربه منصور يتخذ مسارا مناطقيا غير محمود العواقب.. إذا ما كشفت الأيام القادمة أن وراء حروب رداع تصفية حسابات وتفريغ لأحقاد ونزعات انتقامية بين قوى النفوذ والتحالفات المسيطرة على حكم البلاد.. وهو إذا صح مؤشر ينذر بالانفجار الكارثي مستقبلا.. خصوصا وأن بعض المؤشرات تبدو منطقية. اللعب بألسنة اللهب ليس عبدربه منصور وحده من يلعب بالنار في رداع.. هناك غيره لاعبين آخرين خلف الستار.. علي عبدالله وعلي محسن مثلا ومن واقع ذهبية التربص المتبادل وكاسمين يشكلان واجهة صراع متفاقم بين الإصلاح والمؤتمر.. أو بالأحرى بين مكونات عسكرية منحلة مؤخراً.. الفرقة الأولى مدرع والحرس الجمهوري.. بما من شأنه صناعة "صعدة" أخرى في البيضاء بقواعد أزمة جديدة ومختلفة.. لا يمانع فيها علي محسن من تدمير قوات الحرس في البيضاء كما تم تدمير قوات الفرقة في صعدة.. فهو بالتأكيد لم ولن ينسى هزيمته هناك ومهما تغيرت الظروف فستبقى نزعة الانتقام مسيطرة عليه بفعل إحساسه أن صالح وأحمد والحرس ساهموا في انهياره بحروب صعدة.. بالتالي وما دام يملك القدرة فسيعمل على إشباع رغبته تلك بانتهاز فرصة مواتية الآن من خلال الألوية العسكرية المحسوبة على الحرس الجمهوري المحتشدة للحرب في رداع.. وستكون الفرصة مغرية أكثر إذا ما صدقت الأخبار بتكليف هادي لقائد الحرس السابق علي أحمد بقيادة المعركة في رداع بالألوية السبعة المتبقية من قوات النخبة.. خاصة والتساؤلات ما زالت قائمة حول رفض أحمد قبل إقالته نقل أحد معسكراته إلى رداع تنفيذا لتوجيهات الرئيس لينتقل معسكر ضلاع مباشرة إلى هناك بعد إقالته وفور وصوله تبدأ المعركة في ظل حديث عن رغبة علي محسن بنقل مقر قوات الفرقة الأولى الملغية إلى موقع معسكر ضلاع وموافقة هادي على الطلب.. علما أن قوات ما كان يسمى الحرس الجمهوري هي المتواجدة في رداعوالبيضاء التي أقيل محافظها المؤتمري ناصر العامري مؤخرا واستبدل باللواء الظاهري الشدادي الموالي حتى العظم للقائد علي محسن.. ولأن رداعوالبيضاء والمناطق الوسطى تدين أغلبها بالولاء للرئيس السابق علي عبدالله صالح والانتماء الحزبي للمؤتمر الشعبي العام.. ما قد يكون مستساغا للإصلاح نظرا لما ستخلفه الحرب في هذه المناطق من سخط عارم واستياء وكراهية للدولة والجيش والحلفاء كما حدث في صعدة حين انقلب حلفاء علي محسن عليه وانتقالهم للطرف الآخر صالح والحوثي والمؤتمر. الإصلاح ومعبر ودماج على هذا الأساس تمضي قاطرة الحرب.. والإصلاح وعلي محسن يدفعون بالاتجاه الذي يؤدي لتحول الحلفاء والموالين للمؤتمر وصالح في رداعوالبيضاء والمناطق الوسطى إلى خصوم وغرماء لأولئك وأنصار جدد لهم.. قياسا بنتائج حروب صعدة وما أدت إليه من تحولات داخل قبيلة حاشد والمجتمع القبلي في المحافظات الشمالية ألحقت أضرارا بالغة بخارطة تحالفات وحسابات آل الأحمر ومحسن والإخوان المسلمين ودفعت قدما للتقارب بين الحوثيين وبكيل والمؤتمر.. هذه الحلقات المتداخلة والمعقدة يراد لها التكرار في رداع بحثا عن نتائج عسكرية كالتي تبلورت من حروب صعدة.. حتى وإن كانت القاعدة هي البديل الموازي لمقاربة الحوثي.. فالإصلاح ومحسن والإخوان يجدونهم الأقرب إليهم ايديولوجيا وفكريا ولا ضير من وصمهم بالإرهاب فلم يتضرر الحوثيين من اتهامهم سابقا بالتمرد.. كما وأن المقومات اللازمة متوافرة لإشعال المنطقة الوسطى بالأدوات نفسها التي أشعلت صعدة والشمال في العقد الأخير.. التواجد السلفي موجود بقوة في معبر والزيدية موجودة في العامرية.. بما يتطابق مع دماج وجامع الهادي.. ويراد لآل الذهب كما يبدو أن يكونوا لافتة رمزية موازية للرمزية الحوثية في الإسقاطات الأسرية.. مع الاختلاف طبعا والتقارب في التأثير والعلاقات والحضور الاجتماعي بحسب مميزات ووسائل كل أسرة.. بما يعني –اختصارا- أن الأرضية في رداعوالبيضاء والمناطق الوسطى من إب إلى ذمار مشبعة حد الارتخاء بالبارود والبنزين ولا تحتاج سوى لعود كبريت يشعل اللهب في كل مكان.. ليتحقق معه نوايا ومخططات أقطاب الصراع وأطراف الأزمة وشركاء السلطة وأهداف أمريكا ودول الغرب والجيران العرب ضد هذا البلد وأبنائه.. بعدما تكون مساحة الجمهورية اليمنية بأكملها ميادين حروب ومواجهات مفتوحة كما هي الحدود البرية والأجواء مفتوحة لتهريب الأسلحة والطائرات الأجنبية بدون طيار المنتهكة لسيادة اليمن ودماء اليمنيين