أ.د. محمد عبدالملك المتوكل العدل واليد الحانية هما من يقيم الوحدة ويحميها، والشراكة في السلطة والثروة واحترام حقوق الإنسان هما دعامتا الوحدة وركيزتها، وسيادة القانون ولامركزية الحكم هما بنيان الدولة وأركانها، والمواطنة المتساوية هي روح الوحدة وضميرها. أما الموت فلا يقيم وحدة، وإنما يصنع الخراب والدمار، ويورث الأحقاد والبغضاء، ويمزق الأوطان، وعلى أشلاء شعوبها يرقص الشيطان. أنا قادم من أبين ولحج وعدن، ولم أرَ في العيون حقدا، ولا في الوجوه اشمئزازا، ولا في النفوس كراهية، ولا في الكلمات جفاء، رغم دحباشيتي الأصيلة، وما رأيت سوى عيون حانية ووجوه مستبشرة وقلوب تنضح بالود والإخاء، حتى خلت أن أهلي هنا لا في صنعاء. هذا الود الصادق رأيته في وجوه وعيون وشفاه كل من قابلتهم من مواطنين بسطاء إلى كتاب وأدباء وسياسيين وأطباء وأكاديميين وأميين، مدنيين وعسكريين، حتى ضحايا العنف والغطرسة في مستشفى الحوطة، لم تمنعهم جراحهم وآلامهم من التعبير بابتسامة يملؤها الرجاء والأسى، وكأنها تقول: هل نستحق كل هذا العناء لأننا توحدنا؟ كل هذه المشاعر الودية تدحض وبقوة تلك الإشاعات التي يروجها الانتهازيون، ويمارسها المندسون، عن كراهية أبناء الجنوب لأبناء الشمال. هم في الحقيقة لا يكرهون إلا الظلم والظالمين والفساد والفاسدين والمتغطرسين والمستبدين، أما إخوانهم المواطنون البسطاء من أبناء الشمال، فهم شركاؤهم في المعاناة، مهما خفت صوتهم، وقلت حيلتهم، وعزت شجاعتهم، واللوم كل اللوم على الذين ركنوا إلى الذين ظلموا، سواء كانوا شماليين أو جنوبيين، وسوف تمسهم النار مصداقا لقول الله تعالى، وتأكيدا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "من أعان ظالما ابتلي به". الموت ليس هو الرد المناسب على من اندفع بإخلاص إلى حظيرة الوحدة، وقاتل دونها عام 1994. الرد المناسب هو النزول إليهم، والسماع إلى أنينهم، والتعرف على أوجاعهم، وتحمل الجهر بالسوء من القول ممن ظلم، والبحث عن الحلول المناسبة التي ترضيهم، وتحقق طموحاتهم، وتعالج آلامهم. ذلك من حقهم لا منة ولا تفضل. هذا إذا كنا نريد حقا حماية الوحدة أرضا وإنسانا. وما دون ذلك، فوهم دونه خرط القتاد. ومن أراد الكل فات الكل، وعلينا أن نتعلم من تجاربنا، فالجهل دون الزمان عيب. وكم أتمني لو يعيد الأخ الرئيس قراءة مقالي "جاه الله عندك يا رئيس"، في 7/7/2007، ليدرك كم كنت صادقا ومخلصا في نصحي عموما. على المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليه أن تتم المطالب هذا مقال نشرته "الوسط" بالعدد 276 في 24 فبراير 2010، أعيد نشره ليقرأه بعض من كتب في "الوسط" يشكك في مواقفي بالنسبة للجنوب حتى يظفر بسفارة، وليقرأه المتحاورون حول الجنوب الحبيب. 24/8/2013