لا شك أن هذا العدد الذي يأتي إصداره استثناء هو عدد استثنائي أيضاً، لا سيما لدى أسرة تحرير اليقين الصحيفة – قراءها ومحرريها– كيف لا؟ واليقين الذي تشارك اليمنيين احتفالاتهم البهيجة باليوبيل الذهبي لثورة 14أكتوبر المجيدة، والذي يصادف يوم بعد غدٍ الاثنين، يليه الثلاثاء عيد الأضحى المبارك، فيما كانت اليقين أمس الأول احتفلت بعيد أعيادها.. العيد الثالث لميلاد اليقين –الصحيفة المستقلة- (10/10/2013) في لحظة تاريخية فارقة بين عهدين سياسيين وإعلاميين متناقضين: عهد الجور والجدب والتجهيل، والعهد الثاني يتزامن وموعد حلول المخاض الثوري العربي لربيع الحرية انطلاقاً من تونس.
في ذلك الظرف التاريخي الدقيق اتسم الأداء الإعلامي الرسمي بالكلاسيكية وتمجيد الحاكم المستبد بينما بدا على الإعلام الأهلي الرمزية حيناً وروح الإحباط والاغتراب في أغلب الأحيان, وإن أبدى شيئاً من المناورة وحتى المشاغبة لحظة أتاح له احتضار المعارضة السياسية وموات آلتها الإعلامية أن يتصدر واجهة المشهد السياسي والإعلامي حاملاً -بلا رؤية أو أسانيد- لواء مقاومة ورفض حالة الاستلاب الوطني والاستخذاء المجتمعي.
غير أن (اليقين) وخلافا لسابقاتها من الصحف انتهجت منذ البداية خطاً نضالياً صريحاً وصادقاً ومكرساً لما تعتقده من حقائق ووقائع واقعية وما تؤمن به من قيم مهنية وأخلاقية ومبادئ تحررية وغايات وطنية كبرى. ولقد حملت بواكير أعدادها وعلى صدر صفحاتها الأولى قضايا وطنية وموضوعات سياسية غير مسبوقة وغاية في الخطورة كقضية توريث الحكم وشئون الأسرة الحاكمة حينذاك، وفتحت ملفات خطيرة كجريمة اغتيال الشهيد الحمدي، ومحاولة انقلاب الناصريين، ومذبحة يناير 86م ، وحرب صيف 94م، وما أعقبها من تداعيات كارثية على البلد، وكذا ملابسات حرب صعدة.
ونتيجة لتلك المواقف المبدئية الشجاعة لليقين، والتي وُصفت بالجرأة و"قلة الأدب" من قبل النظام وأجهزته الأمنية وحتى من بعض المطابخ الإعلامية –والصحفية تحديداً- التي أصبح بعضها فيما بعد من أدعياء وحتى رموز الثورة ومحظييها!.. تلك المواقف كلّفت اليقين الكثير، وكادت لولا اندلاع الثورة الشعبية السلمية أن تتوقف مراراً، لكنها استمرت وما زالت تدفع ضريبة ذلك الاعتزاز والشموخ بصمتٍ وبلا انكسار أو استغلال أو ندم.
ومنذ انطلاق أول مسيرة شبابية سلمية مطالبة بالتغيير مثّلت صحيفة اليقين لسان حال الثورة ومنبرها الحر الخالص من شبهات التكسب وشوائب الفكر ورتوش المساحيق السياسية، ولم يغرِها بريق الفرص الماسيّة المستخلصة من مآسي وجراحات الوطن، كما لم يأسرها لمعان أسيل التسوية السياسية الزئبقية وانصراف صائدي الفرص للمِّ عوائد وموائد التوافق الوطني، مثلما لم يثنها أو ينسها دورها الإعلامي الطليعي وواجبها في الانتصار الدائم والداعم لقضايا الشباب ومصالح الوطن.
واليوم وفي خضم الأحداث والتطورات الماثلة على الساحة الوطنية تمضي اليقين في ذات المسار التحرري البنّاء، متحللة من أية قيود تبعية أو ارتهان لضغوط مادية أو أية التزامات لطرفٍ من الأطراف..
إنه قدرها أن تولد والربيع العربي توأمان.. كما هو قدرها أن تبقى يقيناً للصدق والحق والحقيقة ومنبراً للحرية والخير والمحبة.. ومساراً سنياً وملهماً لمشارف اليمن الجديد، الذي في سبيله توقد اليوم شعلتها الرابعة. • اليقين .. السفر الثالث كالعادة احتلت قضايا الوطن الرئيسية وهموم المواطنين كل اهتمامات اليقين وجُلَّ مساحة صفحاتها وجميع أعدادها في عامها الثالث (أكتوبر2012-اكتوبر2013)، وتمحورت موضوعاتها حول مستقبل التسوية السياسية وإنجاح الحوار الوطني، الذي كانت اليقين سباقة إلى طرح منهجية تمثيل أعضائه وآلية عمله وطرق قضاياه وأبرزها الفيدرالية من خمسة أقاليم (إقليمين جنوبيين مقابل ثلاثة أقاليم شمالية) ومعالجة القضية الجنوبية على أساس حقوقي تشاركي عادل. وإضافة إلى ما أرسته (اليقين) من تقليد فريد في تأكيد حق حرية الرأي والرأي الآخر، بلا تحفظ أو انتقاص، فقد حرص دوماَ القائمون على الصحيفة في المحافظة على مستوىً معقول من التنوع السياسي والفكري ماثلاً في استضافة العديد من القيادات والكتاب المنتمين إلى مختلف مكونات الطيف السياسي المجتمعي.. فكانت اليقين ميدان نزال بين قوى الثورة السلمية والمنافحين عن النظام السابق، وشكلت ساحة مناظرة بين أتباع الحوثي وأنصار حزب الإصلاح والتيار السلفي، كما جمعت الجنوبيين وجهاً لوجه أمام وحدويِّي الشمال. • بانوراما إخبارية التقطت (عين اليقين) عشرات الصور المرئية الناطقة أفصحت أسطرها القليلة وعباراتها الموجزة وإيحاءاتها المباشرة وغير المباشرة عن تسريبات مهمة ومعلومات قيمة تضمنها عمود "يُقال أن.." ألبوم الصور ذاك يعرض الأخبار بطريقة مبتكرة وشيقة وبأسلوب ساخر ولاذع، من ذلك أنه مثلاً يخلص إلى تلخيص تخبط وتوهان الوضع اليمني الراهن وتشبيه حال المرحلة الانتقالية ب"جمل المعصرة " ! • موسوعة تاريخية وتعد فلاشلات وكلاكيت الكاتب الكبير والسياسي الناقد والمايسترو الصحفي علي عطروس موسوعة صحفية ضخمة تضم بين دفتيها سيرة حياة وطن مثخن بالجراح خائر القوى مستديم الأزمات، وهي إلى جانب اعتبارها بمثابة الذاكرة السياسية اليمنية المعاصرة بأبعادها الزمانية والمكانية تعد تحفة نثرية فريدة بما حوته من نفائس الحكمة وبديع الألفاظ والمعاني والصور المحتشدة في سياق النص الصحفي . الكتابة عن إحباطات وعذابات اليمنيين المستمرة وإخفاقاتهم المتعاقبة أشبه بالعزف على قيثارة الألم والنفخ في ناي الفناء! فلا غرو - إذاً- إن طغت على جو الملحمة الإنشائية انفعالات الكاتب وعواطفه وتماهت ذاتيته بموضوعيته في جميع موضوعاته ،وهو المترع عشقاً وتصوفاً وولاءً لوطنه وأمته.. لهذا فهو لا يتوانى عن إمطار أعداء الوطن ومتربصيه بوابل نيران أحرفه وقذائف كلماته من سلاحه ال (فلاش نكوف). • أطلس السياسة يعد الكاتب السياسي الكبير والمحلل السياسي المرموق الأستاذ/عادل أمين، رائد النص التحليلي والعرض الاستقصائي لأهم الأحداث السياسية التي شهدتها اليمن مؤخراً. ويتميز الكاتب بأسلوبه السردي السلس ولغته السياسة الرصينة وقوة حدسه ووفرة معلوماته وتعدد مصادره، أضف إلى ذلك مقدرته الفائقة على توظيف الأحداث والشواهد المعاشة لسبر أغوار الموضوع محل البحث والدراسة وتقوية حججه وبراهينه.
كما يتناوب على قراءة المشهد السياسي كتّاب أكاديميون بارعون يأتي في صدارتهم د/ عبدالله الفقيه، ود/عبدالله أبو الغيث، ود/عبدالملك الضرعي، ود/ عبدالله الذهب، والدكتور/ محمد الدعيس، والدكتور/ محمد الحاوري.
ويحلق في ذات النسق التعبيري الراقي مقبل نصر، وعبدالرزاق الحطامي، واسكندر شاهر، وعبدالباسط الحبيشي، وعلي الشيباني، وإطلالة بهية لأنيسة عثمان، ودولة الحصباني، وأحمد الأسودي، وعلي الذهب، وفؤاد الحميري، ويحيى الحمادي، وطارق البنا، ونعمان الحكيم، وعلي بن شنظور، وعبدالله بن عامر، وخالد شعفل، وثابت الأحمدي وزين القعيطي، وإبراهيم عمران، وعبدالخالق عطشان. وغيرهم من الكتاب والصحفيين المتميزين، الذين وبجدارة أجادوا تفكيك عُقد وتعقيدات المشهد القائم وأتقنوا وما يزالون فنّ مغالبة وعبور تضاريس وصعوبات التحول الديمقراطي والانتقال السياسي في اليمن. • فضاء مفتوح مظهر آخر من مظاهر الفرادة التي امتازت بها صحيفة اليقين وغدت ظاهرة تجديدية في العمل الصحفي؛ حيث برزت (همزة الوصل) كمؤتمر صحفي مفتوح يصل القراء مباشرة بمستضيفيهم من مسؤولين وسياسيين ومفكرين يدافعون من خلال ردهم على أسئلة واستفسارات القراء، التي تطرح عليهم دونما ابتسار أو تحفظ، عن أنفسهم وسياساتهم وأفكارهم ومواقفهم بأسلوب حضاري وحرية تامة وطرحٍ بنّاء.
ولئن خلت أعداد اليقين الأخيرة من هذه التجربة النقاشية الجديدة فلغرض المراجعة والتطوير للفكرة، لا سيما بعد تلكؤ بعض المسؤولين والقادة السياسيين والحزبيين وتردد آخرين في قبول الاستضافة على طاولة الحوار المباشر مع جمهور القراء، وهي معضلة سياسية وحقوقية تواجهها الصحافة اليمنية عموماً وتتعلق بموضوع الشفافية والمصداقية والنزاهة التي تفتقر إليها الكثير من مؤسسات الدولة ونخبها السياسية.
كما التزمت اليقين وستظل تلتزم مساراً إعلامياً متوازناً، ونحسبه محايداً بدرجة كبيرة ومستقلاً، فعقدت مقابلات وحوارات مع عديد زعماء وقادات ومفكرين من يساريين وقوميين وعلماء دين سنة وشيعة وسلفيين، ثوار وبقايا، وحدويين ودعاة فك الارتباط، حقوقيين وأمنيين، تقدميين ومشائخ قبائل....إلخ، ما جعلها محل ثقة واحترام كبيرين عند القراء فضلاً عن الساسة والإعلاميين والمثقفين. • مقامة نقدية ومساهمة منها في إيضاح وكشف الحقيقة ونكران ونقد الذات ابتدعت اليقين نمطاً تقريرياً ذكياً يتحدث بلسان الحال لا المقال محاولاً استنطاق ضمير السياسي والمفكر والمسؤول وتشجيعه على البوح بأدق تفاصيل وأسرار حياته السياسية والمهنية، بما في ذلك الاعتراف بأخطائه وخطاياه إن وجدت. وما أحوجنا إلى تعميم ونشر فضيلة الحق والصدق ومكاشفة الذات وقول الحقيقة، التي تبقى في مجتمعنا العربي غائبة عن أعين ومسامع العامة ومغيَّبة ًعن عين العدالة وذاكرة التاريخ. كما عمدت اليقين إلى عقد مناظرات افتراضية بين الخصوم التاريخيين في مسعىً حميدٍ لاستدراجهم من المواقع القتالية والمواقف العدائية إلى المفاصلة القانونية والمصارحة اللفظية، وصولاً إلى تقريب وجهات النظر واقتراح المعالجات الممكنة، أو ترك الحكم للتاريخ ..وللشعب. • ختاماً تدلف اليقين عامها الرابع وفي عهدتها ثلاثة أكاليل محبة و (136) ترنيمة وفاء.. تمضي مسيرة نقاء بيضاء على متونها تتوسد الأخبار وأمام ناظريها تتموضع مسؤولية الكلمة وبين جوانحها يكمن الوطن.. تمضي عصية على الانكسار أمام عاتيات الظروف وعاديات السياسة، أبية على التجيير بفعل بريق المال لهذا الطرف أو ذاك..
وما ذاك إلا لأنها تتكئ على قاعدة جماهيرية عريضة من القراء، يشكلون مصدر توهجها ورافد بقائها، هم أسرتها وقبيلها وحزبها، وهم رأسمالها وصافي ثروتها