أصبح من المؤكد أن للبث الفضائي تأثيره الفاعل والمباشر والسريع نسبيا في عملية اكتساب قيم ومفاهيم اجتماعية وثقافية وفكرية جديدة في عموم المجتمعات البشرية المتقدمة منها والنامية . وقد أمسى من المستحيل تجاهل هذه الثورة التكنولوجية التي صار التعامل معها يتطلب وعيا واستيعابا ذكيين كونها تمثل حقيقة عصرية لا تقبل الإنكار أو التهرب، إلا أن البث الفضائي بالرغم من كل ما يوفره من أسباب المتعة والتشويق فانه ينطوي على مقدار غير يسير من خطر تسميه بعض الأدبيات ب (الغزو الفضائي) المتمثل بغسل أدمغة الشعوب وإعادة صبها ضمن هوية ثقافية (عولمية) محدودة الأفاق، غرائزية التوجه، استهلاكية النزعة وبعيدا عن هذه الأطر النظرية ذات الأسس التحليلية المتعمقة ارتأينا التوجه ميدانيا وبشكل مباشر نحو بعض الفئات المجتمعية المعنية مباشرة بالتعامل اليومي مع البث الفضائي للتعرف على تقييمها الفكري لهذه الظاهرة وما هي عناصر التباعد والتقارب بين جيلي الآباء والأبناء من هذه القضية وقد شمل هذا الاستطلاع عينة عشوائية من مدينة صنعاء تضمنت آباء وأمهات وأبناء وبنات من مختلف المهن والأعمار والمستويات التعليمية ومناطق السكن وقد جاءت النتائج على النحو الآتي: * ما هو تقييمك لظاهرة انتشار أطباق الستلايت ؟ أفاد (33)% من الآباء والأمهات بأنها ظاهرة غير صحية مقابل (7%) فقط من الأبناء والبنات أفادوا بالإجابة نفسها وبينما اتفق (20)% من الآباء والأمهات على أنها (ظاهرة صحية) اتفق (33)% من الأبناء والبنات على الإجابة نفسها أما النسبة الباقية (47)% من الآباء والأمهات و(60)% من الأبناء والبنات فقد اتفقوا على رأي محايد وهو (فيها ايجابيات وسلبيات) تفيد هذه النتائج في مجملها بان لجيل الأبناء موقفا أكثر تقبلا وايجابية نحو البث الفضائي وهو أمر يمكن تفسيره في ضوء القاعدة النفسية الاجتماعية القائلة (إن اتجاهات الشباب أكثر مرونة وقابلة للتعديل والتغير مما هي عليه اتجاهات الكهول والشيوخ). * ما نوع البرامج التي تفضل مشاهدتها على شاشات الفضائيات؟ جاءت (البرامج الدينية) في مقدمة اهتمامات الآباء والأمهات إذ حصلت على نسبة (50)% ثم تليها (الأفلام) بنسبة (23%) ف (الأخبار) بنسبة (20)% أما الأبناء والبنات فتركز اهتمامهم على مادة (الأغاني) بنسبة (33)% تلتها (البرامج الرياضية) بنسبة (20%) ثم (الأفلام) بنسبة (20%) ف (البرامج الدينية) بنسبة (7%) فقط. توضح هذه الأرقام وجود فجوة ثقافية وقيمية ملموسة بين اهتمامات وتوجيهات جيلي الآباء والأبناء، تعزى الى اتجاهات محافظة لدى الآباء تقابلها اتجاهات تحررية لدى أبنائهم. * ما هي برأيك اخطر المجالات التي يحقق فيها البث الفضائي تأثيره السلبي في حياة الناس؟ أجاب (63%) من الآباء والأمهات أن البث الفضائي يمثل خطرا على (الأخلاق) كما أفاد (27)% منهم بأنه خطر على (هوية المجتمع) أما الأبناء والبنات فجاءت آراؤهم على نحو معاكس تقريبا إذ اتفق (33%) منهم أن البث الفضائي يمثل خطرا على (الأخلاق) و(67%) منهم بأنه خطر على (هوية المجتمع)، ويمكن تفسير هذه النتائج في ضوء أن جيل الآباء يحكم بناءه ألقيمي المحافظ ويوجه انتباهه وشكوكه بالأساس نحو التأثيرات الأخلاقية للبث الفضائي قبل كل شيء، فيما يركز جيل الأبناء على تأثيرات هذا البث في هوية المجتمع مبررين بذلك ما يظهر لديهم من سلوكيات يعترض عليها آباؤهم بأنهم جزء (حتمي) من تبدلان شاملة تتعرض لها هوية المجتمع بأكمله. * ماذا تفعل إذا كنت وحدك في البيت وظهر عرض غير أخلاقي على شاشة إحدى الفضائيات؟ أجاب (73%) من الآباء والأمهات بأنهم يقومون ب (غلق التلفاز) و(23%) منهم ب (تغيير القناة) وصفرا ب (الاستمرار بالمشاهدة) فيما أفاد (27)% من الأبناء والبنات بأنهم يقومون ب (غلق التلفاز) و(53%) ب (تغيير القناة) و(13%) ب (الاستمرار بالمشاهدة) وهذا يوضح بجلاء (القلق الأخلاقي) الذي يعتري جيل الآباء من التعامل مع تكنولوجيا البث الفضائي يقابله قلق أخلاقي اقل.وربما قبول مشوب بشيء من التحفظ (الشكلي) لدى أبنائهم. إن المحصلة النهائية لمضامين هذا الاستطلاع يشير الى الحقيقة الجدلية الآتية (أن جيل الآباء يتمسك بموقف متحفظ وشكوكي يصل الى حد القلق الأخلاقي من مضامين البث الفضائي إلا انه في الوقت نفسه لا ينكر أن لهذا البث ايجابيات الى جانب سلبياته وانه أسهم في تنمية معلوماته عن العالم إذ أصبح أمرا واقعا لامناص منه في حياته وفي القطب الآخر نجد جيل الأبناء أكثر تحررا وقبولا للبث الفضائي واقل قلقا من مخاطره الأخلاقية إلا انه لا ينكر سلبياته أيضا وما فرزه من توترات في العلاقات الأسرية ومن مخاطر على هوية المجتمع).