القضايا"العادلة"التي يتبناها مجتمع ما عندما تصدر عن أحد أعضائه وتكون صادقة والداعين إليها صادقون يلتف هذا المجتمع حولها ويدعمها بل ويدافع عنها وعن أصحابها ولكن عندما تكون هذه القضايا باختلاف مسمياتها واتجاهاتها مجرد شعارات جوفاء " تدغدغ" معاناة الناس وقضاياهم المعيشية فقط فإنها بالقطع تفقد أي بريق قد يحيط بها وبالتالي تفقد صدق توجه الداعين إليها ومجتمعات اليوم أصبحت تمتلك من الوعي القدر الكافي الذي تستطيع من خلاله التفريق بين الغث والسمين والصدق من الكذب والخداع.. وعليه يمكن القول إن القضايا الصادقة فقط قد تصبح لعدالتها قضايا عامة تهم الجميع بل أنها قد تزداد اتساعا كلما كان الصدق نبراسا يضئ لها نور الحق الذي يؤمن به الناس باختلاف انتماءاتهم أو معتقداتهم، "نيلسون مانديلا" هذا المناضل الإفريقي الذي شغل العالم اجمع بشخصيته النضالية وقضيته العادلة مثال واضح لحقيقة ما ذكرناه فقد تحولت قضيته من قضية وطنية محدودة ومحصورة داخل جدران السجن الذي مكث فيه سنين طوال إلى قضية وطنية عامة ناضل الجميع في جنوب إفريقيا من اجلها بل لقد تحولت قضيته الوطنية إلى قضية عالمية تبنتها كل الشعوب الحرة التي تنبذ العبودية والعنصرية والاستغلال.. الأحزاب السياسية أنشئت في بلادنا واعترف بشرعيتها دستوريا مع انتهاج التعددية كنظام حكم وخيار ديمقراطي حضاري ارتضاه الجميع لتداول السلطة سلميا وفقا لاختيار الشعب مالك هذه السلطة, هذه الأحزاب كلا يدعي عدالة قضاياه "الحزبية" التي يعتبرها قضايا الوطن ككل وكلا منهم يتبني قضايا خاصة سماها قضايا وطنيه عادلة وكلا يدعي الصدق، والمسألة في النهاية نسبية فواقع الحال هو الذي يقول ويؤكد ذلك فالمصالح الحزبية والفردية والفئوية والمناطقية للأسف الشديد تطغى غالبا على كل القضايا العامة للمجتمع خاصة عندما يحدث تعارض بين هذه القضايا.. اللقاء المشترك كتنظيم سياسي يمثل جزء كبير من المعارضة في الوطن شغل الجميع من حوله ومازال يردد يوميا بأنة تنظيم يحمل قضايا وطنية وانه يعمل ليل نهار من اجل هذه القضايا التي تحمل في محتواها كما يقول هموم الشعب وتطلعاته ونحن هنا سنحسن الظن، ولكن لتكن هذه الأحزاب صادقة مع نفسها ولو مرة واحدة وتسأل الأنا المسيطرة عليها هذا السؤال المركب: هل نحن- والحديث هنا للمشترك افتراضا- بالفعل أصحاب قضية وطنية تهم المجتمع أو الشعب اليمني قاطبة من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربة؟ وهل نعمل على قاعدة وطنية واحدة ترسخ مبادئ العدل والمساواة وتحقيق مستوى كريم للعيش ينعم به الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه؟ وهل نحن بالفعل دعاة وحدة وإخاء ومحبة بين الناس؟ وهل نعمل على ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة "بحق" كلا بقدر استطاعته ودوره المناط به؟ وهل نؤمن بالحرية المسئولة و نقبل بالأخر مهما اختلفنا أو تباينا معه في الرأي أو التوجه أو البرنامج السياسي؟ وبالمجمل هل نحن كأحزاب معارضة نقوم بدورنا الوطني على أكمل وجه وبالصورة الديمقراطية المعروفة في العالم الديمقراطي الحقيقي؟ وهل نمثل بحق الوجه الآخر للحكم ؟ تساؤلات نضعها أمام كل العقلاء والحكماء والوطنيين الحقيقيين في هذه الأحزاب.. فقط نذكر إن هذه التساؤلات تحتاج عند الإجابة الشفافة عليها إلى وقفة صادقة مع النفس واستشعار وطني حقيقي وبعد نظر استراتيجي وقراءة سياسية واقعية للحاضر والمستقبل بعيدا عن الغلو أو الغرور أو المكابرة أو غلبة الأهواء والمصالح الشخصية والحزبية الضيقة، عند ذلك فقط ستخرج هذه الأحزاب بإجابات شافية وكافية تغنيها عن هذا العبث السياسي الذي تنتهجه اليوم بحجه إنها تحمل قضايا الشعب وإنها فقط تسعى للتغيير إلى الأفضل! الوقفة الصادقة مع الذات ومحاسبة النفس بإخلاص وطني واستشعار حقيقي للمخاطر التي قد تترتب نتيجة للتصعيد السياسي أو الإخلال بالوحدة الوطنية اعتقد إنها الخطوة الهامة التي تستطيع الأحزاب السياسية من خلالها الوصول إلى مرحلة متقدمة من تصحيح المسار السياسي الحالي وبها تنطلق نحو تأسيس قاعدة صلبة على الأرض تستطيع البناء عليها بناء صالحا للتعايش الايجابي المقرون بالعمل السياسي الوطني الخالص الذي يضع مصالح وثوابت الوطن العليا فوق أي مصالح أو اعتبارات أخرى.. ومن خلال العمل السياسي على أرضية المصالح الوطنية والتنافس الحزبي الشريف تستطيع أحزاب المشترك استقطاب قاعدة شعبية حقيقية تحقق لها ما تصبوا إليه من هدف مشروع وهو الوصول إلى السلطة كحق دستوري مكفول لجميع الأحزاب عبر الاحتكام فقط إلى صناديق الاقتراع التي تتعرض اليوم للتشويه والمحاولات المستميتة لتعطيلها وتعطيل الاستحقاق الانتخابي القادم بحجج ومبررات واهية وشروط تعجيزية، فهذه الأحزاب لو كانت صادقه في نواياها لجعلت من الحوار ودعوات الحوار سبيلها الوحيد لطرح وجهة نظرها بشكل واقعي وموضوعي للوصول إلى حلول مرضية للجميع يتوافق عليها الجميع أيضا، ولكنها للأسف الشديد فضلت التصعيد والهروب المستمر من طاولة الحوار لأسباب تكتيكية أو لمصالح حزبية ضيقة لا تمت للعملية الديمقراطية بأي صلة ولا للقضايا المعيشية التي تهم الشعب، وإذا استمرت على نفس النهج والسلوك فهي في اعتقادي الخاسرة في النهاية.. الأخ رئيس الجمهورية كرئيس لكل اليمنيين أولا ورئيس للحزب الحاكم ثانيا قدم العديد من المبادرات السياسية للخروج برؤى وحلول مشتركه وواقعية تأسس لعلاقة طبيعية بين السلطة والمعارضة والكل يعلم انه ضغط كثيرا على حزبه لتقديم التنازلات التي تقرب من وجهات النظر، ولكن هذه الأحزاب للأسف الشديد تسير في مشروعها "الخاص" مفضلة انتهاج سياسة العناد والمكابرة والابتزاز السياسي الرخيص إلى أبعد مدى, وقد أدخلت الجميع في حيرة فلم نعد نعلم ماذا تريد بالضبط لنفسها ولوطنها ولشعبها وهل قاده هذه الأحزاب بالفعل أصحاب قضيه وطنيه أم أصحاب مشاريع سياسيه خاصة؟ وهل يعملون تحت سقف الوحدة والثوابت الوطنية العليا للوطن وللشعب أم يعملون تحت سقف المماحكات والمناكفات وخلق وصنع الأزمات وأثاره الفتن وإقلاق السكينة العامة؟ نحن والله في حيرة من أمرنا جراء هذا الوضع الحزبي الذي تعيشه أحزابنا بشكل عام فلم يعد الكثير منا يستطيع التفريق بين مفهوم المعارضة ومفهوم السلطة مفهوم الأغلبية ومفهوم الأقلية مفهوم البناء ومفهوم الهدم مفهوم العمل السياسي ومفهوم الابتزاز السياسي مفهوم الانتخابات ومفهوم التقاسم مفهوم الوطن ومفهوم الحزب أو القبيلة أو المنطقة!! كثيرة هي المفاهيم التي اختلطت بفعل هذا التعدد السياسي الفريد من نوعه في بلاد الإيمان والحكمة وبفعل هذا المشهد أو الوضع الحزبي الذي لا ترضى عنه ضمائرنا وقلوبنا وعقولنا إن كنا بالفعل ندعي حبا حقيقيا لتراب هذا الوطن الغالي وان كنا بالفعل نحمل قضايا وطنيه عادله.