الصحافة الاستقصائية نوع من أنواع التحقيقات الصحفية التي يقصد بها التحقق والاستقصاء والتأكد من المعلومات التي يتم جمعها قبل نشرها، والتي تتناول قضية أو قضايا لا يرغب الآخرون في الاطلاع عليها أو إظهارها إلي الواجهة الإعلامية أو المجتمعية. ومنذ بروز الصحافة الاستقصائية في أمريكا بداية السبعينات لعبت دورا بارزا في عمليات الإصلاح ومكافحة الفساد.. وترتبط الصحافة الاستقصائية بالنظم الديمقراطية أو التي تتبنى الديمقراطية كنظام حكم. وتعتبر من أكثر أنواع الصحافة إثارة، باعتبارها صحافة تبحث في عمق الحقيقة لتخرج بدوي يزعزع الرأي العام لما يجري في الكواليس من فساد وتهريب وقضايا أخلاقية ...الخ. وتكمن عناصر الإثارة والإحساس بالانجاز في النتائج التي غالبا ما تحققها التحقيقات الصحافية الاستقصائية في شكل التغييرات الحقيقية وأثارها الايجابية على حياة الناس، والتي تشمل في بعض الأحيان تعديل القوانين أو تقديم أشخاص إلى العدالة أو تصحيح الأخطاء. وتعتبر الصحافة الاستقصائية أحد أهم أساليب فضح الفساد ومحاربة أوكاره إذا ما توفرت لها حرية صحفية، وحماية قضائية وقانونية، وكانت الشفافية في الأداء وإتاحة المعلومات أمام الصحفيين كإستراتيجية وسياسة حكومية متبعة. وكثيرا ما تعتبر الصحافة الاستقصائية أكثر أنواع الصحافة إثارة وأهمية لإنها تعمل على وضع المرض والعلاج في سلة واحدة أمام المجتمع وصناع القرار، وهو ما يعطي الصحفي إحساسا قويا بالانجاز، إلا أنها تتطلب وقتا ومجهودا شاقا، مما يجعلها أصعب أنواع الصحافة أيضا. ولا تنحصر الصحافة الاستقصائية في محور أو محاور الأداء الحكومي فقط، بل تمتد إلى ما يهم الجمهور من قضايا صحية وبيئية وتعليمة، وقضايا حماية المستهلك، وتجار المخدرات ومهربي الأدوية الفاسدة، وقضايا الجرائم الغامضة، واستنزاف الموارد المائية والسمكية وتدمير الحياة البرية. ولازالت الصحافة الاستقصائية في مرحلة التطوير حيث تعمل المنظمات الصحفية على إدخالها ضمن المهارات الصحفية التي تتطلبها الصحافة في يومنا هذا. (الكل من حولك مصدر)- كما قال "مونك ماني"، لان جمع المعلومات والوصول إليها عملية شاقة وصعبة في معظم الأوقات، وقد يستغرق الصحفي سنوات للوصول إلى المعلومات والوثائق والسجلات وخاصة إذا كانت معلومات ووثائق سرية ويرغب أطراف في إخفائها. وتعتمد الصحافة الاستقصائية في جمع المعلومات أسلوب وأدوات وتقنيات حل الجريمة التي تستخدمها الشرطة والمباحث العامة. ولعبت التقنيات والتكنولوجيا الحديثة دورا كبيرا في مساعدة الصحفيين الاستقصائيين في جمع وإعداد وتحليل التقارير الاستقصائية للوصول إلي نتائج أكثر إفصاحا وسهوله للقارئ ومتخذ القرار. والصحافة الاستقصائية لا تعتمد على أسلوب التسريبات المغرضة والتلفيق المستهدف، وإنما تنبع من أخذ آراء الأطراف المختلفة في القضية موضع التحقيق. ورغم ما يوجه إلى الصحفيين الاستقصائيين من انتقادات حول المنهجية الأخلاقية والمهنية على اعتبار أنهم قد يقعون في الدخول في الممنوع والمحظور وما يمثله ذلك من انتهاك للخصوصية الفردية وتشويه لسمعة الأفراد والمؤسسات بدون أدلة دامغة، أو ما يمثله ذلك من تعدي على مؤسسات يكون التحري والحكم من اختصاص المحاكم ورجال الأمن، وهو ما يمثل تحدي كبير أمام الصحفيين الاستقصائيين حول المعايير الأخلاقية التي يجب الالتزام بها. ولما كانت الصحافة الاستقصائية تهدف في الأساس إلى حماية المجتمع وتحذيره من المخاطر التي تحيط به، مع إيجاد المعالجات التي تهم صانع القرار، فهي رديف أساسي في مكافحة الفساد، وأحد ثمار الحرية الصحفية في النظم الديمقراطية، والنظم التي تعمل على الوصول الي درجة مرتفعة من الحكم الرشيد. ......................... * عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين [email protected]