ظنني صاحبي غير متابع فاتصل ليخبرني: لقد صدر الحكم بإعدام صدام حسين شنقاً.. فقلنا: وما الغرابة في ذلك يا صاحبي!! ألم يسبقه قرار الحكم بإعدام العراق رمياً بالرصاص..! فليس صدام أول من تشنقه ديمقراطية العالم الجديد! تاريخ العراق مع الزعماء ينتهي في كثير من فصوله بنهاية دامية.. فمنهم من سحلوه خلف سيارة في شوارع بغداد، ومنهم من شنقوه على عمود كهرباء، ومنهم من كان أوفر حظاً من غيره لأنه مات مضرجاً بدمائه داخل القصر الرئاسي.. فالعنف شريعة في معالجة الخلافات والاختلافات السياسية، والثقافية، والاجتماعية ، وحتى الدينية... فذلك هو حال العراق منذ أمد بعيد، ولذلك – أيضاً- كان نظام صدام عنيفاً. القوى السياسية العراقية منذ سقوط نظام صدام وحتى اليوم، وهي تعزف على وتر "إعدام صدام" حتى جعلت منه قضيتها الأساسية التي تعلق عليها كل آمالها.. وبعد أن صدر حكم الإعدام هرول مسئولو حكومة العراق إلى شاشات الفضائيات ليتحدثوا عن "منجزهم الوطني" و"النصر العظيم" الذي يزفون بشائره للعراقيين! حسناً يا صاحبي.. أخيراً انتهت أسطورة "القائد الرمز" صدام حسين "الظالم"، لكن الظلم اشتدّ في العراق .. رحل الزعيم "الطاغية" الذي كان يبطش بمواطنيه ليل نهار، لكن – يا صاحبي- صار البطش بعده ثقافة مباحة ، يمارسها الجميع ليبطش كل منهم بأخيه..! انتقم العراقيون لضحايا المقابر الجماعية، لكن العراق كله تحول إلى مقبرة الصغار والكبار، والنساء والرجال – كما يوم الحشر- يساقون إليها "زرافات ووحدانا".. ولن يعثر جيل أبنائنا القادم لأحد منهم على ملف قضية ينبش أوراقه، لأن الذبح بفصل الرؤوس ليس بحاجة إلى قضية، أو ملف ، فيكفيك فتوى منبر لتواصل السكاكين نحرها الأعناق على مدار الساعة..! يا صاحبي.. ما رأيك لو تصلي لربك ركعتين.. فقد رحل من حارب إيران، ومن غزا الكويت وشرد أهلها.. فاليوم غزاة العالم كلهم يترنحون سكارى على أرض العراق، وينتهكون أعراض الحرائر.. فيما أمهاتنا ما زلن يقصدن مراقد الأولياء، وعلى عتبة كل مرقد تفتشهن سيدة إيرانية.. وعند كل نقطة يفتشهن جندي أمريكي.. ولو انتقلن إلى مدينة أخرى سيفتشهن جندي بولندي، أو بريطاني، أو روسي .. فعراقنا بات يعرف كل الأجناس والملل، ونحن وحدنا من صرنا فيه غرباء يفتشنا الجميع على أرضنا، ونحن فقط من لا يحق له تفتيش الآخرين! رحل الطاغية، ورحل أزلام النظام المستبد مع سيدهم ليتفرقوا على كل العواصم، لكن حلت بدلاً عنهم جيوش احتلال محملين بأطنان الذخائر والأعتدة، ويطلقون النار لمجرد التسلية، أو كلما استبد الوجد بأحدهم لفراش صديقته "جيرل فريند" فيتكدر مزاجه.. وحلت الموساد تغتال العقول العراقية، وحلت جحافل القاعدة وشتى التنظيمات الإرهابية لتزرع في كل متر من أرض العراق سيارة مفخخة، أو لغم ناسف.. وصارت تقتحم البيوت والمؤسسات، والحصون – فتخطف المئات، وتقتل مئات – فهذا العراق ليس إلاّ مسلخ دولي كبير لم يشهد له مثيل في تاريخ البشرية. أبشرك – يا صاحبي- فالزمن الذي يصفه المسئولون الحكوميون بأنه "زمن الخوف" قد ولّى منذ التاسع من أبريل/نيسان 2003من يوم مَنّ علينا "مناضلونا" في الخارج بدبابات "الحرية الأمريكية".. إلاّ أن زمننا الحاضر ليس إلاّ زمن الهلع والفزع، الذي لا أمن فيه لمن لا يرتمي بأحضان المحتل في "منتجع" المنطقة الخضراء الحصينة. حكام العراق اليوم الذين كانوا بالأمس "خائفين" وسط أسرهم، هم اليوم مرعوبون داخل المنطقة الخضراء- فيما عوائلهم مرعوبة في عمان، أو لندن، أو دبي، أو أي عاصمة عربية وأجنبية.. فالعراق في تقديراتهم لم يعد وطناً لأحد، ولا مسكناً لباحث عن سكينة، بل ميدان، حرب ليس من سلاح فيه محرم دولياً ..! إذا كان قرار شنق صدام حسين قد جاء أمس الأول فقط، فقرار شنق العراق تم اتخاذه منذ ما قبل أكثر من ثلاث سنوات.. وليس من فرق بيننا سوى أن الاحتلال وعملائه روجوا من على كل المنابر أن صدام هو العراق، وأن العراق ليس إلاّ صدام حسين .. وهكذا قضوا على العراق ليتخلصوا من صدام حسين.. فيا لغباء هذا العالم الذي ما زال يجهل فصول اللعبة- رغم كل المجازر المجانية التي توزع اليوم على نواصي كل شوارع العراق. السيد جورج بوش يجيد التوقيتات السياسية لحملته الانتخابية.. ولن يكون صدام هو الورقة الأخيرة في لعبته، بل ما عليكم إلاّ ترقب الإعلان عن اعتقال زعماء في القاعدة، وإحباط عمليات إرهابية تستهدف مصالح أمريكية.. وعن كثير من الاختراعات التي اعتاد العالم ألاّ يسمع بها إلاّ من مدرسة "آل بوش"- فهذا الشبل ابن ذاك الأسد الذي غزا العراق عام 1991م وأحاله أثر بعد عين.. وأخيراً، لقد علمتنا الحياة أن الزعماء يأتون ويرحلون، لكن الشعوب والأوطان وحدها من يبقى حياً.. ومهما جدبت الحياة تبقى تترقب المطر-فليس من زمان بغير مطر..!