6/11/2006 قالوا : لقد صدر الحكم بإعدام صدام حسين شنقاً، فقلنا : وما الغرابة في ذلك، ألم يسبقه قرار حكم بإعدام العراق رمياً بالرصاص .. فليس صدام أول ضحايا ديمقراطية العالم الجديد.. ! تاريخ العراق مع الزعماء ينتهي في كثير من فصوله بنهاية دامية .. فمنهم من سحلوه خلف سيارة في شوارع بغداد، ومنهم من علقوه مشنوقاً على عمود كهرباء، ومنهم من كان أوفر حظاً بأن مات مضرجاً بدمائه داخل القصر الرئاسي .. فالعنف شريعة في معالجة الخلافات والاختلافات السياسية والثقافية، وحتى الاجتماعية والدينية.. فذلك هو حال العراق منذ أمد بعيد، ولذلك أيضاً كان نظام صدام عنيفاً. القوى السياسية العراقية، منذ سقوط نظام صدام وحتى اليوم، وهي تعزف على وتر « إعدام صدام » حتى جعلت منه قضيتها الأساسية التي تعلق عليها كل الآمال .. وبعد أن أصدرت المحكمة ظهر أمس قرار حكم الإعدام تزاحم مسئولو الحكومة في العراق المحتل على شاشات الفضائيات ليتحدثوا عن «المنجز الوطني»، و«النصر العظيم» الذي يزفون بشائره للعراقيين. أخيراً انتهت «أسطورة» صدام حسين، لكن الظلم اشتد في العراق .. رحل الزعيم الطاغية ، الذي كان يبطش بمواطنيه، لكن البطش صار بعده ثقافة مباحة للجميع ليبطش كل منهم بأخيه .. انتقم العراقيون لضحايا المقابر الجماعية، لكن العراق كله تحوّل إلى مقبرة للصغار والكبار، للرجال والنساء، ولن يعثر الجيل القادم لأحد منهم على ملف قضية ينبش أوراقه ؛ لأن القتل والذبح بفصل الرؤوس لم يعد بحاجة إلى قضية، أو توثيق بملف كونه على مدار عقارب الساعة. نعم .. رحل الديكتاتور الذي غزا الكويت ، لأن قوات غزو دولية مشتركة حلت على أرض العراق لتغزو منه العالم بأسره .. وصحيح أن رجال النظام المستبد رحلوا مع سيدهم، وتفرقوا في شتى عواصم العالم ، لكن حلت بدلهم جيوش احتلال محمّلين بأطنان الذخائر والأعتدة ، ويطلقون النار لمجرد التسلية، أو عندما يتذكر أحدهم صديقته «جيرل فريند» فيتكدر مزاجه .. وحلت أيضاً الموساد التي تغتال العقول العراقية حتى ولو كانوا في بروج مشيدة من فولاذ .. وحلت جحافل القاعدة ومختلف التنظيمات الإرهابية التي زرعت كل شبر من العراق بسيارة مفخخة ، أو لغم ناسف، وصارت تقتحم المؤسسات والبيوت وكل الحصون فتختطف العشرات، وتقتل العشرات، وتقلب العراق إلى أكبر مسلخ عرفه تاريخ البشرية. الزمن الذي يصفه المسئولون العراقيون بأنه زمن الخوف انتهى منذ التاسع من سبتمبر 2003م بالاجتياح الأمريكي للعراق .. لكن الزمن الجديد لم يكن إلا زمن الهلع والفزع ، الذي لا أمان ولا سلام فيه لأحد إلا لمن حل ضيفاً في أحضان قوات الاحتلال في المنطقة الخضراء .. وهؤلاء الذين يتحدثون عن ذلك الزمن كانوا «خائفين» وسط أسرهم، لكنهم اليوم مرعوبون داخل المنطقة الخضراء ، فيما عوائلهم مرعوبة في عمان أو لندن أو دبي أو أية عاصمة عربية وأجنبية .. فالعراق في تقديراتهم لم يعد وطناً لأحد، ولا مسكناً لباحث عن سكينة، بل ميدان حرب ضارية لا تحتكم لأي منطق حربي. إذا كان قرار شنق صدام حسين قد جاء أمس فقط ، فقرار شنق العراق تم اتخاذه منذ ما قبل أكثر من ثلاث سنوات ، لكن الفرق أن الاحتلال وعملاءه روجّوا في مختلف وسائل الإعلام ومنابر الرأي العام ثقافة أن صدام هو العراق ، وأن العراق ليس إلا صدام حسين .. وهكذا قضوا على العراق ليتخلصوا من صدام حسين .. فيا لغباء هذا العالم الذي مازال جاهلاً لكل فصول اللعبة ، رغم ما يراه بأم أعينه من دمار ، وخراب، وإرهاب، ومجازر مجانية توزع في كل الطرقات والأسواق. الإدارة الأمريكية لن تختفي بالمناسبة على نحو عابر، بل إن السيد بوش يجيد التوقيتات السياسية التي يخدم بها حملته الانتخابية القادمة .. ولن يكون صدام حسين هو الورقة الأخيرة في لعبته ، بل عليكم أن تترقبوا الإعلان عن القبض على زعماء في القاعدة، وعن إحباط محاولات إرهابية تستهدف مصالح أمريكية، وعن كثير من الاختراعات التي اعتاد العالم ألا يسمع بها إلا من مدرسة «آل بوش» ، فهذا الشبل ابن ذلك الأسد ، الذي غزا العراق عام 1991م ، وأحاله ركاماً وأثراً بعد عين. وأخيراً لابد من التذكير : إن الزعماء يأتون ويرحلون .. لكن الشعوب والأوطان وحدها من تبقى حية لا تموت وكلما جدبت الحياة تبقى تترقب المطر .. وليس من زمان بلا مطر.