احتفلت الأممالمتحدةبصنعاء بذكرى تأسيسها الواحدة والستون، فهذه المنظمة التي حلت بديلاً عن "عصبة الأممالمتحدة" بمقترح القوى الكبرى "المنتصرة" عقب خسارة ألمانيا الحرب العالمية الثانية عام 1945م تذكرنا دائما بالمشاريع الأمريكية والبريطانية التي تنهال على المنطقة العربية من حين لآخر تحت مسميات شتى- لكنها جميعاً تنتهي نهاية واحدة، وتصب في مجرى واحد وهو مصالح القوى العالمية الكبرى. في منطقتنا العربية لا يكاد أحدنا يتذكر دور ايجابي للأمم المتحدة في إحلال السلام الدولي.. وقد أحسنت الأخت أمل الباشا- رئيسة منتدى الشقائق- حين قالت في المؤتمر الديمقراطي الثاني للمراة الذي عقد في صنعاء : أن حرب ال33 يوماً على لبنان جعلت من لبنان "مقبرة العدالة الدولية".. فأي قيمة بقيت للأمم المتحدة بعد أن ضربت قوات الكيان الصهيوني مقراتها في لبنان وساوتها مع الأرض دون أن تجرؤ على رد الاعتبار لنفسها!؟ وأي قيمة بقيت للأمم المتحدة والكيان الصهيوني ارتكب المجازر تلو المجازر أمام عدسات الفضائيات، وسحق كل المعاني الإنسانية، وخرق كل الحقوق والمواثيق الدولية التي ما زالت الأممالمتحدة تفاخر بأنها محفورة على الواجهة الأمامية لمقرها في نيويورك!؟ لا ادري لماذا ما زال عالمنا العربي يحتفظ بكل ذلك التقدير للأمم المتحدة بعد أن أثبتت له مئات المرات أنها لا يمكن أن تناصر قضاياه، ولا يمكن أن تنصره على أي ظلم يلحق بشعوبه، وأنها من المستحيل أن تعصي للقوى الإمبريالية الكبرى أمراً، أو رغبة – حتى ولو كانت تلك الرغبة من نوع التخويل الدولي لغزو العراق، وقهر الإرادة الحرة لشعبه، وانتهاك حقوقهم وإنسياتهم، وفرض الوصاية المطلقة على كل موارده، وقراراته، وخياراته في الحكم..! إن التجارب مع الأممالمتحدة والتي نعجز عن حصرها لا يمكن أن تكون غير كافية لشعوبنا وحكوماتنا لاستيعاب الدرس، واستلهام الموعظة منها، لأن الأمر ليس لغزاً بحاجة إلى طول تفكير، ولا سراً خابياً لا يعلم بحقيقته احد.. بقدر ما أصبح جزء من واقعنا في سياساتنا الدولية، وصراعاتنا مع القوى الشريرة على هذا الكوكب الذي أبى الاستقرار بوضع السكون جراء ما يشهده من حروب، وصراعات، ومواجهات دموية، ومؤامرات لا شغل لها غير قض مضاجعنا في العالم العربي والإسلامي. إننا أمام حقيقة قوية وواضحة هي أن الأممالمتحدة هي المظلة التي تستفحل تحتها قوى الظلم والاستبداد، والطاغوت.. وهي السم الزعاف الذي ندفع له الاشتراكات السنوية لنتجرعه لا حقاً على مضض في سلسلة من القرارات، والتشريعات، والمواقف التي كانت دائماً تديننا حتى ونحن ميتون تحت الأنقاض التي تسببت بها قوات الطغيان العالمي. ومثلما تدين الأممالمتحدة أسر جندي صهيوني في غزة ولا تدين أسر أكثر من (12) ألف فلسطيني في سجون الاحتلال، فقد أدانت أيضاً إلحاق الضرر بأحد منازل الصهاينة بصاروخ لحزب الله ولم تدن تخريب وتدمير الجنوب اللبناني بأكمله بمئات آلاف الأطنان من القذائف والقنابل "الذكية"، و"الغبية"، و"المجنونة" التي لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا بين طفل وجندي يحمل بندقية، ولا حق ولا باطل. وغداً لن تجد الولاياتالمتحدة أو الكيان الصهيوني صعوبة في استصدار قرار من الأممالمتحدة يخولها باجتياح سوريا الشقيقة، وبعدها إيران، ثم يأتي الدور على كل البلد تلو الآخر ما دام الأمين العام للأمم المتحدة يصعد إلى كرسيه بموافقة أمريكية، وينزل منه ب"فيتو" أمريكي.. وما دامت الأممالمتحدة بالأصل مشروع الدول الكبرى نفسها التي من حقها التصرف برأسماله وقتما شاءت!! بماذا تحتفل الأممالمتحدة، وبماذا نشاركها الفرحة!؟ هل تحتفل بالجهود الدولية التي يبذلها الصليب الأحمر في إنقاذ ضحايا الحروب التي تشعلها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وغيرهما؟ هل ستحتفل بفرق "القبعات الزرقاء" التي دكت القوات الصهيونية ثكناتها ولاذت بالفرار لتدس رؤوسها بين أطفال لبنان ونسائها؟ هل ستحتفي بالجثث المفصولة الرؤوس التي يتم الكشف عنها يوميا في العراق المحتل بموجب قراراتها؟ هل ستحتفي بأكياس الدقيق التي توزعها على المجاعات التي خلقتها سياسات الهيمنة الدولية، ومشاريع العولمة، والشرق الأوسط الكبير، والفتن التي تغذيها القوى الإمبريالية تحت مظلتها؟ هل ستحتفي بضحايا الحروب التي تضاعفت أعداها عشرات المرات عما كانت عليه من قبل؟ أم بالإرهاب الذي يتنامى يوماً بعد آخر بسبب السياسات الدولية الظالمة التي تنتهك بها حقوق الشعوب..!!؟ ربما علي إن اقترح شيئاً للأمم المتحدة يستحق أن تحتفل به في ذكراها الواحدة والستون، وهو أن تحتفي بتحولها إلى مؤسسة تابعة لإدارة البيت "الأسود".. فتلك هي الحقيقة الوحيدة التي تستحق الاحتفاء بها بإخلاص!