صنعاء : تدشين اول مصنع لتدوير المخلفات البلاستيك ب (آلات محلية)    شرطة العاصمة تضبط متهماً بالاعتداء على صاحب محل مجوهرات ونهب كمية من الذهب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    السفير المتوكل يلتقي مبعوث برنامج الأغذية وممثل اليونيسف    سريع يؤكد إرباك الطيران المهاجم والإعلام الإسرائيلي يعلن عن الأهداف المقصوفة في ميناء الحديدة    ما تداعيات الاتفاق السوري - الإسرائيلي على لبنان؟    عاصفة رعدية ممطرة تقترب من العاصمة صنعاء    هجوم صاروخي يمني يستهدف الكيان بعد ساعات من عدوانه على الحديدة    العميد سريع: دفاعاتنا الجوية أجبرت بعض التشكيلات القتالية على المغادرة قبل تنفيذ عدوانها على اليمن    محافظ الضالع يناقش مع مديري المديريات القضايا الخدمية والتنموية    ناس" و"ناس"    تنفيذية انتقالي سقطرى تناقش سبل تعزيز الأداء التنظيمي والمؤسسي للهيئة    برشلونة يؤجل عودته إلى ملعب كامب نو    الوحدة التنفيذية في مأرب تطلق نداء عاجلا لإنقاذ النازحين من تأثيرات المنخفض الجوي    جيش الاحتلال الاسرائيلي ينذر بإخلاء ميناء غرب اليمن    الصين تجدد موقفها الداعم لسيادة اليمن واستقلاله ووحدته    الرياض تحتضن مؤتمر «شراكة اليمن لأمن الملاحة» بمشاركة 40 دولة    محافظ حضرموت يتابع سير أعمال مشروع خور المكلا السياحي    محافظ شبوة يتلقى تقريرا حول نشاط السلطة المحلية في عتق    نقيب الصحفيين يهنئ العاقل بتوليه منصب نائب وزير الإعلام    بالصور | تشييع شهداء العدوان الصهيوني على صحيفتي 26 سبتمبر واليمن    رئيس هيئة الأراضي يدشن من العاصمة عدن مرحلة جديدة لحماية التخطيط العمراني ومكافحة الفساد    لملس يدعو الصين لإعداد خارطة طريق للتعاون الاقتصادي    "إخوان الإرهاب" وإسرائيل: خبراء يكشفون تحالف الظل لتقسيم الأمة العربية    قمة مخزيه وصورة نتنياهو تفضح الضعف العربي    ليس مثل أوراوا والعين.. الأهلي يحبط مفاجأة ناساف برباعية    35 عامًا من العطاء.. إصلاح المهرة يواصل نضاله الوطني والدفاع عن الثوابت    يوفنتوس ودورتموند.. مواجهة بنكهة التسعينيات    سيدات العلا يتوجن بلقب كأس فاطمة بنت مبارك    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    تقرير خاص: العليمي فشل في اقناع قمة الدوحة بإصدار بيان يؤيد وحدة اليمن    رئيس الوزراء "معين بن بريك" يغادر إلى الرياضك "نموذج ساقط للإعلام المعادي"    تحالف ديني مذهبي يمني يستهدف الجنوب    المعلا: مديرية بلا مأمور أم مأمور بلا مديرية؟    محمد وزهير الزعكري .. شهيدان اقتفيا أثر والدهما    الاهلي السعودي يتخطى ناساف الاوزبكي في دوري ابطال اسيا    بايرن ميونيخ يخسر جهود غيريرو قبل مواجهة تشيلسي وهوفنهايم    الذهب يسجل أعلى مستوى تاريخي جديد    ما زال الموت يذكرنا بأصدقائنا المنسيين    ضبط كمية من الذرة المجروشة غير الصالحة للاستخدام في تعز    ديسمبر.. «شمس الزناتي 2» في دور العرض    حالتها مستقرة.. جلطة ثانية تصيب حياة الفهد    محافظ شبوة يستقبل فريق مبادرة دليل شبوة الطبي الإلكتروني    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة عبدالله يحيى الآنسي    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    برشلونة يدهس فالنسيا بسداسية مذلة    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    سريع يعلن عن استهداف مطار وهدف عسكري في فلسطين المحتلة    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصومال و«سايكس بيكو» الجديدة.. الفيدرالية الوصاية الإقليمية
نشر في نشوان نيوز يوم 12 - 01 - 2013

لقد خضع تحليل الأزمة الصومالية منذ انهيار الدولة عام 1991 لحملة تضليل وتشويه إعلامي كبرى. ويبدو أن المخفي والمعلن عن أهداف هذه الحملة التي روجت لها مؤسسات بحثية وإعلامية غربية تمثل في التمهيد لفرض مشروعات جديدة للهيمنة ليس فقط على الصومال وإنما على منطقة القرن الأفريقي بمفهومها الإستراتيجي العام.
ولا شك أن التحولات والهزات العنيفة التي تعرض لها النظام الإقليمي العربي في عام 2011 أدت في مجملها إلى انشغال العقل الجمعي العربي وانكفائه على الذات وعدم اهتمامه بما يحدث في مناطق الأطراف ولا سيما الأفريقية منها.
وعلى الرغم من خطورة الترتيبات الدولية والإقليمية الخاصة بالمسألة الصومالية والتي أفضت لوجود دستور جديد ومؤسسات منتخبة تعبر عن بعض طموحات الصوماليين في الوحدة والاستقرار، فإن العرب لم يكن لهم أي دور حقيقي في هذه الترتيبات سواء من خلال مؤسسات العمل العربي المشترك أو القوى العربية الفاعلة إقليميا. وإذا استثنينا بعض الجهود الخيرية والإغاثية العربية التي تقدم لأهلنا في الصومال لوجدنا أن الإدراك العربي الراهن قد اختصر أزمة القرن الأفريقي في جانبها الإنساني فقط.
ومن الواضح تماماً أن الصومال يتعرض لعملية إعادة صياغة جيوإستراتيجية قد تفضي إلى تفكيكه وعدم تحقيق حلم أبنائه في الوحدة وبناء الصومال الكبير. وفي هذا السياق يمكن تصور منطق سايكس بيكو جديد يرتكز على ثلاثة مشروعات كبرى، أولها المشروع الأممي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، ويهدف إلى إعادة صياغة الصومال وجواره الجغرافي وفقاً للمتطلبات الغربية الخاصة بالحرب على الإرهاب من جهة والوصول إلى الموارد الطبيعية من جهة أخرى، وثانياً المشروع الإثيوبي الكيني الذي يحظى بدعم أفريقي وهو يهدف إلى إعادة خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة لصالح دول الجوار غير العربية، وثالثاً المشروع الصيني الذي يهدف إلى كسب الثروة والنفوذ.
وسوف نركز في هذا المقال على حقيقة التحالف الكيني الإثيوبي وتداعياته على مستقبل الدولة والحكم في الصومال من جهة، والأمن القومي العربي من جهة أخرى.
الصومال ومحاولات الوصاية الإقليمية
تدل كثير من المؤشرات على أن ثمة تحالفاً إستراتيجياً قائماً بين كل من إثيوبيا وكينيا وهو يهدف على المدى المتوسط والبعيد إلى إعادة رسم خريطة القرن الأفريقي لصالح الدولتين غير العربيتين وعلى حساب كل من الصومال والسودان.
وبعيداً عن منطق التفكير التآمري فقد توقفت ملياً عند وثيقة هامة صادرة عن اللجنة المشتركة لهيئة التنمية الحكومية (إيغاد) بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول 2012. ولعل خطورة هذه الوثيقة -التي لم يلتفت إليها الإعلام العربي على الإطلاق- تتمثل في عدة أمور، أبرزها أنها صدرت عن اللجنة المشتركة التي تضم فقط كينيا وإثيوبيا، وهي بعنوان “خطة الاستقرار الكبير لجنوب ووسط الصومال”، حيث تسعى لتشجيع المصالحة السياسية، وإنشاء الإدارات المحلية، وتطوير القدرات المتكاملة للأمن الوطني، وإرساء حكم القانون، وتوصيل المساعدات اللازمة إلى السكان المحتاجين في الصومال.
ومن جهة ثانية فقد صدرت هذه الوثيقة عن مكتب منسق الإيغاد للسلام والمصالحة في الصومال الذي يرأسه الوزير الكيني السابق كيروتو آراب كيروا، وهو مكتب مستقل عن الأمانة العامة للإيغاد، ومقره هو العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. ولعل ذلك يعني تهميش أعضاء منظمة الإيغاد الآخرين وإبعادهم عن مناقشة مستقبل السلام والاستقرار في الصومال، بما يعني الاعتراف ضمناً بأنه أصبح شأناً كينياً إثيوبياً خالصاً.
على أن الخطورة الحقيقية تتمثل في صدور “مذكرة تفاهم بين أعضاء لجنة الإيغاد المشتركة بشأن استقرار جنوب ووسط الصومال” وهي تحمل نفس التاريخ وصادرة عن مكتب منسق الإيغاد في أديس أبابا. وثمة شكوك مثارة حول مشاركة الحكومة الصومالية في إصدار هذه المذكرة. ولعل القراءة الفاحصة لمواد هذه المذكرة تشير إلى أننا أمام اتفاقية سايكس بيكو جديدة لتقسيم النفوذ في الصومال بين كل من كينيا وإثيوبيا.
تشير المادة الأولى إلى أن الهدف من مذكرة التفاهم هو توفير الإطار الملائم لتنفيذ خطة الاستقرار الكبير لجنوب ووسط الصومال في مجالات السلام والأمن والاستقرار. كما أن المادة الثانية تعرف أطراف الاتفاق بأنهم أعضاء اللجنة المشتركة: كينيا وإثيوبيا وإضافة الصومال إليهما.
وقد حصرت المادة الخامسة من مذكرة التفاهم مجالات التعاون في:
– تيسير تحقيق الاستقرار وتعزيز السلام والمصالحة وتبني عملية شاملة لتحديد الترتيبات السياسية والإدارية في المناطق المحررة في جنوب ووسط الصومال
– وضع وتنفيذ إستراتيجيات مشتركة في مجالات ذات صلة بإعادة إنشاء مؤسسات حكومية ولا سيما في مجالات الأمن وسيادة القانون والاستقرار.
– إقامة إدارات مؤقتة من خلال عملية تشاورية بما يؤسس لإقامة هياكل حكم إقليمية وجهوية.
التداعيات ومخاوف التفتيت
لا شك أن القراءة الواعية لمذكرة التفاهم بخصوص الصومال تشير إلى أنها تهدف إلى توفير الغطاء القانوني للتدخل الكيني والإثيوبي في الشأن الصومالي. كما أنها لم تأت قط على ذكر قوات حفظ السلام الأفريقية العاملة في الصومال (أميصوم).
ولعل ما يؤكد عمق هذا التوجه الإستراتيجي في الصومال هو قيام رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد هيلامريام ديسالغن بزيارة نيروبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وإشاراته إلى اعتبار كينيا شريكا مهماً لبلاده ودفاعه في نفس الوقت عن وجود القوات الكينية في جنوب الصومال.
صحيح أن اتفاق التفاهم الكيني الإثيوبي بخصوص الصومال يتعارض مع مبادئ العلاقات الدولية في تطبيقها الأفريقي والتي تنص على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، ولكن الأخطر هو أنه يعبر عن تصور جيوإستراتيجي لما ينبغي أن تكون عليه الصومال في المستقبل المنظور.
إذ تظهر قراءة المعلن والمسكوت عنه في هذا الاتفاق أننا أمام ثلاثة أقاليم كبرى في الصومال الجديد:
1- إقليم جنوب الصومال: حيث تسعى كينيا من خلال وجودها العسكري وسيطرتها على مدينة وميناء كيسمايو الإستراتيجية لتأسيس إقليم جوبالاند من خلال دمج مناطق جوبا السفلى وجوبا الوسطى وجيدو، وهي المناطق القريبة من حدودها. ولعلها تطمح بذلك في إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي الصومالية تحصنها من مخاطر تهديدات الشباب المجاهدين.
2- إقليم وسط الصومال: الذي يضم إقليم هيران الإستراتيجي. وتسعى إثيوبيا إلى بسط سيطرتها على هذا الإقليم وإقامة سلطات إقليمية موالية لها بما يحقق الحلم الإثيوبي القديم في السيطرة على الصومال واستخدام موانئه للوصول إلى العالم الخارجي حيث إن إثيوبيا دولة حبيسة.
3- الإقليم الثالث ويضم مناطق بنادر والعاصمة مقديشيو وجوارها الجغرافي وهي المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الاتحاد الأفريقي (أميصوم).
وعلى الرغم من ثورة التوقعات الصومالية بعد تولي الرئيس المنتخب حسن شيخ محمود رئاسة الصومال بعد انتهاء ولاية شريف شيخ أحمد، فإن المخططات الكينية والإثيوبية التي تتم برعاية دولية في الصومال تسعى للوقيعة بين الرئيس الجديد وشعبه، إذ إن مذكرة التفاهم المشبوهة تضفي قدراً من الشرعية على تدخل كل من كينيا وإثيوبيا، وهو ما يعني تصوير الحكومة الصومالية على أنها مجرد دمية تحركها القوى الإقليمية.
الفدرالية وخيار الصومال الموحد
ثمة حاجة ملحة تواجه الحكومة الصومالية تتمثل في ضرورة التعاطي الإستراتيجي مع القوى الدولية والإقليمية بما يحافظ على وحدة وسلامة الأراضي الصومالية ويقف حجر عثرة أمام محاولات فرض مشاريع خارجية على الصومال. وقد اتضحت بوادر هذا العقل الإستراتيجي أثناء زيارة الرئيس حسن شيخ محمود لنيروبي يوم 21 ديسمبر/كانون أول 2012 وخلو البيان المشترك من أي ذكر لقضية جوبالاند.
ومن المهم لمواجهة النفوذ الدولي والإقليمي المتزايد في المشهد الصومالي أن تعمل الحكومة الصومالية جاهدة من أجل إصلاح بنية عملية صنع القرار بما يحقق مفاهيم الولاء والمواطنة ويعزز من قيم العدالة والمساواة بين جميع الصوماليين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثمة فارقا كبيرا بين منهج الفدرالية في الحكم باعتبارها خياراً شعبياً يؤكد على حق الأقاليم الصومالية في إدارة نفسها والتعبير عن تطلعاتها التنموية، وبين منطق التقسيم والتفكيك الذي تسعى قوى إقليمية ودولية إلى فرضه على الصومال من خلال دعم طبقة سياسية صومالية موالية لهذه الأطراف الدولية.
إن حلم الصومال الكبير الجديد يمكن أن يتحقق مرة أخرى بعد تعلم دروس الماضي والتفكير في تحديات المستقبل. فالأمة الصومالية بتراثها وحضارتها القديمة سوف تظل حاضنة لجميع أبنائها على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم. كما أن الفدرالية بأشكالها المتعددة تطرح حلاً مناسباً لاستيعاب جميع الأقاليم التي عانت مرارة الظلم والتهميش على أيدي نظم استعمارية غاصبة أو نظم وطنية مستبدة.
فهل يعي العرب الدرس ويهبوا لنجدة أشقائهم في الصومال من أجل إعادة بناء دولتهم على أسس ديمقراطية وعادلة هذه المرة؟ أم تراهم يتركون الصومال ضحية للتكالب الدولي والإقليمي الجديد الذي يأخذ شكل اتفاقيات وتفاهمات دولية تعكس نفس منطق سايكس بيكو، وإن جاء ذلك برداء جديد؟! كان الله في عون الصومال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.