حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    تعز أبية رغم الإرهاب    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    الإعلامية مايا العبسي تعلن اعتزال تقديم برنامج "طائر السعيدة"    الصحفي والمناضل السياسي الراحل عبدالرحمن سيف إسماعيل    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    ويتكوف يكشف موعد بدء المرحلة الثانية وحماس تحذر من خروقات إسرائيل    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    الجنوب العربي: دولة تتشكل من رحم الواقع    بيان بن دغر وأحزابه يلوّح بالتصعيد ضد الجنوب ويستحضر تاريخ السحل والقتل    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    حضرموت.. قتلى وجرحى جراء اشتباكات بين قوات عسكرية ومسلحين    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    ذمار.. مقتل مواطن برصاص راجع إثر اشتباك عائلي مع نجله    النائب العام يأمر بالتحقيق في اكتشاف محطات تكرير مخالفة بالخشعة    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    وفاة رئيس الأركان الليبي ومرافقيه في تحطم طائرة في أنقرة    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن.. بين دوامة الحرب الأهلية وأخواتها
نشر في نشوان نيوز يوم 11 - 03 - 2012

اعتقد الكثير من الخبراء العسكريين والسياسيين أن الحروب الأهلية(الداخلية) لن تجد مكانا لها على نحو ما كانت عليه قبل الفترة التي عرفت بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي (روسيا الاتحادية واليوم) والولايات المتحدة الأمريكية،

والتي تفككت مع نهايتها الاتحاد السوفييتي، حيث تُوقّع أن تخف معها حدة الحروب والنزاعات المسلحة الداخلية في المناطق التي كانت دائما ملتهبة بها، على اعتبار أن هاتين القوتين كانتا تقدمان الكثير من أشكال الدعم العسكري والسياسي لحلفاء كل منهما في مناطق الصراع، وتستغلان ما تتمتعان به من نفوذ في تلك المناطق لتحقيق مكاسب متعددة، أبرزها، إضعاف الطرف غير المرغوب فيه، سواء كان في السلطة أو المعارضة، والارتباط مع الطرف الآخر بأي شكل من أشكال الارتباط؛ وكغاية قصوى؛ التحالف العسكري الذي يضمن الوجود العسكري لها على أراضي تلك الدول، والاقتراب من خلالها من المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في حسابات كل منهما.
غير أن تلك التوقعات لم تكن موفقة إلى حد ما، فقد جاءت الحقبة التي تلت الحرب الباردة كما لو كانت امتدادا طبيعيا أو تواصلا لما سبقها، بل انتقلت الحروب الأهلية في إطارها الداخلي إلى الحرب الأهلية العالمية-إذا جاز التعبير- كما حدث في أفغانستان والعراق والصومال. وبرزت الحرب الأهلية عقب تلك الحقبة في دول موسومة بالملازمَة لحالة الصراعات الداخلية التي من بينها الحرب الأهلية، ومن ذلك: اليمن، ولبنان، والسودان، أو في بعض دول البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى أو في بعض دول شرق آسيا وشمال أفريقيا وغربها؛ بمعنى أن التطور التقني الذي اقتحم الكون وصيّره قرية صغيرة هيأ للدول الكبرى استغلال وحماية المناطق الغنية بالطاقة والهامة أهمية جيوستراتيجية في العالم، وارتبطت هذه المناطق بظاهرة الصراعات المسلحة الداخلية والدولية التي أعتبرت مهددا للأمن والسلم العالمي، بل إن الحروب التي تنشأ بين الدول أو في دول هذه المناطق انطلاقا من عظم أهمبتها وفي ظل هذا التطور التقني وتشابك المصالح العالمية وتماهي الحدود، جعلها كما لو كانت تجري في دولة واحدة ويتأثر بها العالم مثلما تتأثر به الدولة أو الدول المتحاربة.
كما أن ذلك قد مكن الدول الكبرى ومن يجري في أفلاكها من الكيانات الدولية من فرض نفوذها وتدخلاتها في شئون الأطراف المتحاربة سواء كانت الحرب على مستوى الدولة أو مع دولة أخرى، وعملت بما تملكه من قدرات مالية وعسكرية وتقنية وتأثير سياسي قوي على جعل هذا التدخل يجري بشكل واسع وسريع في الكثير من الأزمات والصراعات المسلحة الداخلية والدولية التي تخللت العقدين الماضيين، بحيث كان ذلك التدخل يضمن في النهاية ترجيح كفة حلفائها ويضمن مصالح الدول المتدخلة مجتمعة، في ظل وجود رغبات شعبية ناقمة على الحكام المستبدين، وهو نزوع خطير يبرز عندما تتعاظم أخطار الصراع وتصبح الشعوب في وضع ليس لها من مخرج منه غير التعلق ولو بحبل الشيطان!!
ولأهمية التأثير القوي للإعلام بقنواته التقليدية والحديثة، فقد سيطرت القوى الكبرى ومن معها سيطرة قوية على هذا الجانب، واستفادت منه في توجيه الرأي العام العالمي في الاتجاه الذي يحقق غاياتها في مسائل الصراع والحروب وأعمال الإرهاب والتنافس النووي لدول الضد والسيطرة على مصادر الطاقة وتأمين وسائط انتقالها. وما يهم الإشارة إليه هنا؛ هو ربط هذه القوى الأعمال الإرهابية بأعمال الكفاح المسلح للشعوب المضطهدة، بل امتدت تلك الصفة لتشمل توصيف مجريات بعض الحروب الداخلية أو الدولية بأنها أعمال إرهابية، وذلك بالتواطؤ مع الأنظمة الداخلية أو الدول التي تخوض حربا ضد خصومها، على أنه ينبغي علينا أن لا ننكر أن تلك الصراعات والحروب الأهلية قد تتجاوز مجريات أعمالها القتالية-في بعض الأحيان- صفة الحرب، لتصل إلى صفة الإرهاب، سواء كان ذلك التجاوز من قِبل القوات النظامية أو الجماعات المناوئة لها، وذلك عندما تتجاوز تلك الأعمال حدود ما تبيحه أخلاقيات الحرب، التي للأسف ينكر وجودها البعض من القادة في كلا الطرفين فيقعون في هذا الفخ.
في اليمن-مثلا- يدرك الكثير من المهتمين في شئونها العسكرية والسياسية، أن هذه البلاد عصفت بها وقائع حروب أهلية كثيرة، غالبا ما كانت تنكرها السلطات الحاكمة أو كان يجري توصيفها بشكل منافٍ للواقع، سواء تلك الحروب التي كانت تجري في شمال الوطن أو في جنوبه سابقا، أو ما جرى بعد تحقيق الوحدة عام 1990م. فقد كان يُتعمّد توصيف تلك الحروب-في الغالب- على أنها أعمال تمرد أو أعمال إرهاب أو أعمالا تخريبية خارجة عن النظام والقانون، وكان لهذا التوصيف أثر بالغ الضرر على تماسك النظام السياسي واستقرار الدولة من عدة نواحٍ؛ سياسية واجتماعية واقتصادية، ولسنوات طويلة، حيث عقّد ذلك السلوك الحالات التي بدأت كنزاعات خلافية في الاتجاهات والتوجهات والممارسات السياسية، الأمر الذي قفز بتلك النزاعات إلى مرحلة الصراع المسلح، في طابع حرب أهلية عنيفة أفرزت وضعا مستمرا من الصراعات المسلحة في أغلب المناطق اليمنية، جمعت بين مدلول الحرب ومدلول الإرهاب.
وعلى صعيد الإرهاب، فقد سلكت أعمال الإرهاب في اليمن منحىً يطبعها بطابع الحروب الأهلية إلى حد قريب في بعض مجرياتها، وهو أمر خطير جدا على مستقبل اليمن الواحد وعلى مستقبل أمنه القومي، حيث أن تلك الأعمال نشطت في مناطق تبدو شبه محررة أو مسيطَر عليها، مع تمركز تلك الجماعات تمركزا عسكريا وسياسيا مستمرا ومتطورا في تلك المناطق، وتنفيذها أعمالا تكتيكية مسلحة ضد قوى الجيش النظامي وقوى الأمن، ثم أنها لم تتورع في الإفصاح عن أهدافها بوضوح مع ما تشي به مجريات نشاطاتها العسكرية، إذ تطمح تلك الجماعات إلى تأسيس إقليم انفصالي (إمارة إسلامية) مستقل عن الدولة اليمنية الموحدة أو في جميع نطاقها الجغرافي، له طابعه الديني الأصولي المختلف عن شكل النظام القائم الذي تصفه تلك الجماعات بالكافر، حيث تبرز أهم محطات ذلك التوجه؛ ما جرى من مواجهات مسلحة في جبال حطاط بمحافظة أبين عام 1998م بين ما عرف ب تنظيم "جيش عدن أبين" ووحدات من قوات الأمن والجيش النظامي، وما تبع ذلك من هجمات عنيفة على مصالح ومنشئات غربية في مناطق لها خلايا مسلحة فيها، كحادث تعرض المدمرة الأمريكيةUSS Cole في ميناء عدن عام 2000م، وناقلة النفط الفرنسية Limburg في ميناء ضبة عام 2002م، وتعرض قوافل سياحية أجنبية للقتل والاختطاف خلال عام 2009م، وأخيرا، ما جرى ويجري من مواجهات مسلحة مستمرة في كل من: زنجبار، والكود، ودوفس، منذ منتصف العام الماضي، تبنت جماعة "أنصار السنة" مسئولية تلك المواجهات وما نجم عنها.
أما الحروب الأهلية، فكونها تشكل جزءا من منظومة الصراع المسلح الداخلي المتواصل الذي يتسم به اليمن على امتداد عهوده التاريخية، فإن الأنظمة التي تداولت مقاليد الحكم فيه لم تعِ أن سياساتها المتبعة في هذا الشأن كانت وفق اجتهادات وأهواء شخصية نخبوية وفئوية، أو جاء بعضها كتقليد غير مدروس لنماذج متبعة في دول أخرى، على قياسات غير موفقة، وأن كل ذلك لم يكن ليخدم استقرار اليمن وتماسك نظامه السياسي والاجتماعي، ولذلك فإن المعالجات السياسية التي اقتفت أثر تلك النماذج لم تكن سوى مسكنات للأحداث كانت تستدعي مع بلوغ الأنظمة حد المأزق والانسداد السياسي إراقة دماء الحروب، لتغدو تلك الدماء مدخلا آخر لمرحلة أخرى ذات طبيعة أكثر دموية تصل إلى مرحلة الحرب الأهلية؛ ولعل أبرز شاهد على تلك الحالات ما حدث في صيف 1994م، وما حدث في صعدة بين عامي: 2004-2010م.
وبالعودة إلى عناصر متوالية الصراعات المسلحة في اليمن، فإن مجريات الأحداث التي صاحبت الثورة اليمنية كانت حروبا أهلية، خاصة في مناطق ثورة 26 سبتمبر عام 1962م، التي دامت نحو ثمان سنوات، وكان عام 1970م آخر محطاتها، في حين لم يكن ينظر لما دار في الجنوب من أعمال عنف مسلح متبادل بين سلطات الاستعمار البريطاني والثوار على أنها حرب أهلية، ذلك أن الحروب الثورية لا تعد من الحروب الأهلية، وكانت السلطات الاستعمارية تعد ذلك من باب أعمال العصابات المسلحة الخارجة عن القانون، التي تسترعي إعمال القوة من أجل حفظ الأمن والنظام داخل الأراضي المستعمرة، وكانت النهاية المنطقية للكفاح المسلح هو رحيل الاستعمار البريطاني عن مناطق الجنوب وتحقق الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م.
وعلى ذات البعد، كانت أحداث المواجهات المسلحة بين نظام عدن ونظام صنعاء في عام 1972م، تلاها حدوث المواجهات الخاطفة بينهما في عام 1979م، ثم أخذت تلك المواجهة وجها آخر، عرف بالحرب مع الجبهة الوطنية الديمقراطية التي لفظت أنفاسها في أوائل الثمانينات، بعد أن تحولت اليمن إلى ساحة حرب أهلية، خاصة في المناطق الوسطى، وتدخلت فيها بطريقة غير مباشرة دولتا القطبين العالميين؛ الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى بعض الدول العربية وغير العربية التي تنتهج توجهات هذين القطبين، سياسيا وعسكريا، ولم تخمد نار تلك الحرب إلا مع حدوث متغيرات إقليمية ودولية أخذت إلى حد ما جزءا من لهيب ما كان يجري لحساب تلك المتغيرات، ومن ذلك: حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران 1981-1988م، والعدوان الصهيوني على الأراضي اللبنانية الذي كاد أن يسقط العاصمة بيروت، فضلا عن دور سياسة التهدئة التي أجمعت عليها السلطات الحاكمة في كلا الشطرين، واتباع مسلك المصالحة الحقيقية، وانتشار بصمات الدولة في مناطق التوتر، في جوانب الأمن والتعليم والصحة.
كما تخلل تلك السنوات أعمال عنف مدمرة أخذت طابع الحرب الأهلية القصيرة، كأحداث يناير عام 1986م، وإن لم يدم عمرها كثيرا، لأنها لم تستمد عوامل الديمومة تحت عدة أسباب، منها: ما كان من سمات الحرب البادرة، ومنها ما كانت إقليمية، ومنها ما كانت محلية، غير أنها خبأت تحت رماد انقاضها حربا أهلية تالية قريبة الشبه منها، ألا وهي حرب عام 1994م، بالرجال ذاتهم، والآلة والآلية ذاتها، وطبيعة الصراع ذاته، على أن تلك القوى ربما تنتظر جولة أخرى تمتد بقوة من نتوءات تلك الأحداث، يجسدها تنادي بعض فصائل ما يسمى "الحراك الجنوبي" الذي قد يتحول إلى حراك مسلح واسع النطاق يشعل حربا أهلية تتقد على توجهات وإرث رجال الحروب السابقة جميعا، وقد يبلغ ذلك مناطق شمال الشمال، على أعنف مما كان يجري فيها، من خلال عمليات مسلحة منظمة، بغية انفصال تلك المناطق عن الحكومة المركزية أو على الأقل الحصول على حكم ذاتي، في ظل ما تُغري به التحولات الإقليمية المتكررة والمتسارعة، لاسيما وقد أْسس لذلك النموذج في كل من: العراق، والسودان، ومع تعالي الأصوات المشابهة في ليبيا ما بعد القذافي، رغم الفوارق الكثيرة.
كما أن شبح تنظيم القاعدة الذي داهم اليمن في عقد التسعينات، يمضي اليوم على اصطلاء كبت مدفون في الماضي الأيدولوجي الفكري والسياسي لفترة حكم ما قبل عام 1990م في عدن، وما بعد ذلك العام في كل اليمن الواحد، على تآزر عوامل دولية وإقليمية مشابهة أخرى، وهو ما يعيد تكرار صورة العنف ذاته لما حدث في أبين في الأعوام السابقة المشار إليها سلفا، ووجود أيدٍ داخلية وخارجية معلومة على وجه الدقة، تحرك وتدعم تلك الجماعات، وتتيح لها المناخات المناسبة لتنفيذ عملياتها الإرهابية المسلحة في تلك المناطق وتوسع نشاطها في مناطق أخرى ذات صفات مماثلة، خاصة تلك المناطق التي يكون فيها النفوذ الحكومي منعدما أو ضعيفا، كمحافظات الصحراء المرتبطة بمناطق السواحل المفتوحة التي تبعد كثيرا عن مناطق نفوذ الدولة، مع ما تفتقره هذه السلطة للكثير من وسائل الكشف والسيطرة والردع تجاه تحركات تلك الجماعات وسط سخط شعبي متنامي ومتنوع ضد هذه السلطة.
إن مما كشفت عنه الأحداث المسلحة للثورة الشبابية الشعبية عام 2011م، أنها كانت تستدرج إلى ميدان الصراع الداخلي المسلح في ثوب الحرب الأهلية التي اعتادت عليه البلاد طويلا، عبر الرغبات المتبادلة لبعض أفراد الأطراف المصطرعة وجيوبها القبلية التي بلغ بها الغرور سلوك هذا المسلك، غير أن بعض وحدات الجيش النظامي وبعض فصائل القوة العسكرية المنشقة عنه إلى جانب الثوار، كانت تمارس إلى حد ما المراوحة بين المواجهة الدفاعية والتحرش الاستفزازي لأغراض عسكرية يدركها الآمرون بذلك، وبدت القوة المنشقة-تلك- تمثل دور الطرف العسكري المواجه للحكومة وجيشها النظامي الذي التزم الولاء للسلطة، واستعد الطرفان على نحو مكشوف في الحشد والتعبئة على ذات الحال الذي يجري فيها الاستعداد للحروب الشرسة أيا كان نوعها، على ذات الوتيرة التي تدافعت فيها المساعي السياسية الإقليمية والدولية للخروج من وضع الانفجار إلى وضع الحل السلمي.
إن ما يُخشى منه، أن يُستغل العامين القادمين المحددين وفق المبادرة الخليجية بالفترة الانتقالية-وهي الفترة التي يحكم اليمن خلالها الرئيس عبدربه منصور هادي- بحيث تكون محل تنافس غير سلمي يهيَّأ فيه اليمن لظرف أشد مما كانت عليه قبل هذه الفترة، وتكون أيسر الطرق للخروج به منها "هي الحرب الخاطفة" على توافق جديد، وتحالفات جديدة مخبأة النوايا، ووجوه جديدة أو قديمة أو ممتدة لها، بفعل ما تمليه تبدلات الأيام القادمة من انقسامات والتقاء مصالح وتكشُّف وجوه وتبدلها، وقد يكون أقل تصور لذلك، وقوع عملية عسكرية انقلابية توافقية مشتركة على رضا وضرورة داخلية وخارجية. وفي هكذا وضع، ربما تتكرر حالة الحرب الأهلية المؤجلة، وتتسع ظاهرة الصراعات الداخلية المسلحة بمختلف أنماطها!!
*باحث في شئون النزاعات المسلحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.