تحتفل جامعة الدول العربية غداً السبت، الثاني والعشرين من مارس الجاري بذكرى تأسيسها كمنظمة عربية رسمية تسعى لتوحيد الموقف العربي باتجاه تحقيق تطلعات كل العرب في الاستقلال والتحرر. ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة هذا العام تزامناً مع انطلاق الفعاليات التحضيرية للقمة العربية في دورتها العادية الخامسة والعشرين والمقرر انعقادها في دولة الكويت خلال 25– 26 مارس الجاري. وجاء تأسيس الجامعة كمحصلة لتفاعل عدة عوامل أبرزها الآمال والطموحات القومية العربية التي ظهرت منذ بداية القرن الماضي وتعمقت جذورها بين أبناء الشعب العربي، والتطورات السياسية الإقليمية بعد الحرب العالمية الأولى. وجامعة الدول العربية هي منظمة عربية رسمية تجمع في إطارها 22 بلداً عربياً و4 دول بصفة مراقب، أُعلن تأسيسها بتاريخ 22 مارس 1945 في القاهرة، استجابة للرأي العربي العام في جميع الأقطار العربية، وبعضوية 7 دول آنذاك هي: "مصر والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية وسوريا وشرق الأردن "الأردن منذ عام 1946" واليمن". ويقع مقرها الدائم في العاصمة المصرية القاهرة، "مقرها الاستثنائي في تونس بين عاميْ 1979 و1990".. وتعمل على توثيق الصلات بين الدول الأعضاء، وتنسيق خططها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، من أجل تحقيق التعاون الجماعي وحماية الأمن القومي العربي، وصون استقلال الدول الأعضاء وسيادتها، وتعزيز العمل العربي المشترك في مختلف المجالات. وبالإضافة إلى ميثاقها الذي يتألف من 20 مادة، ويتصف بالشمولية والتنوع الواسع في تحديد مجالات العمل العربي المشترك.. يكمله وثيقتان رئيسيتان هما: معاهدة الدفاع العربي المشترك والتي وقعت في إبريل 1950، وميثاق العمل الاقتصادي القومي والذي وقع في نوفمبر 1980. وبدأت إرهاصات توحد هذا الكيان العربي في عام 1942 حين دعت مصر كلا من "العراق، وشرق الأردن، والسعودية، وسوريا، ولبنان، واليمن" لإيفاد مندوبين عنها لتبادل الرأي في موضوع الوحدة. وتشكلت من هؤلاء المندوبين إضافة إلى ممثل من عرب فلسطين، لجنة تحضيرية عقدت اجتماعاتها على امتداد أسبوعين في الإسكندرية، وبدأت مرحلة عرفت باسم "مشاورات الوحدة العربية". وبعد عامين من الاجتماعات والمشاورات وفي عام 1944 خلصت المشاورات إلى توقيع "بروتوكول الإسكندرية" من قبل رؤساء حكومات خمس دول عربية، واحتوت هذه الوثيقة على ما تم الاتفاق عليه من مبادئ لإنشاء وتسيير المنظمة التي ستجمع الدول العربية المستقلة، وهي المبادئ التي تضمنها "الميثاق" فيما بعد. وفى 22 مارس عام 1945 تم التوقيع على الصيغة النهائية لنص الميثاق من قبل مندوبي خمس دول عربية عدا السعودية واليمن واللتين وقعتا على الميثاق في وقت لاحق وأصبح يوم 22 مارس من كل عام هو يوم الاحتفال بالعيد السنوي لجامعة الدول العربية. وجرت مراسم التوقيع على هذه الوثيقة التاريخية، بعد أن انعقد رأي اللجنة التحضيرية على تسمية المنظمة الوليدة باسم "جامعة الدول العربية" بعد مناقشات مستفيضة لثلاث تسميات مقترحة، أولاها "التحالف العربي"، وثانيها "الاتحاد العربي"، وثالثها "الجامعة العربية". وترجع فكرة إنشاء الجامعة فى رأى بعض العلماء الى كتابات إثنين من المفكرين العرب بثا الدعوة الى ضرورة الاتحاد والتنظيم بين الدول وهما "أبونصر الفارابي" و"عبدالرحمن الكواكبى". أما بداية العمل العربي المنظم فبدأت أول القرن الماضى عام 1908 حيث نظم العرب صفوفهم فى جمعيات وأحزاب منها السرى والعلنى، وتكونت جمعية الاخاء العربي، ونشأ حزب الكتله النيابية العربية للدفاع عن حقوق العرب فى مختلف انحاء الدولة العثمانية. وتوالت التنظيمات والجمعيات العربية حيث عقد فى عام 1913 المؤتمر العربي الأول وكان مقره باريس.. وتعددت الاتصالات والمؤتمرات التى تزعمتها مصر الى الدول العربية التي دعت الى اجتماع تحضيري لمؤتمر عربي عقد فى سبتمبر 1944 واستطاع المشاركون التوصل الى عدة قرارات تعتبر الوثيقة الأولى للجامعة العربية ووقع البروتوكول في 7 أكتوبر 1944. هذا وقد تولى رئاسة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية منذ تأسيسها وحتى اليوم 7 أمناء من الشخصيات العربية، منهم 6 مصريين وتونسي واحد تولى المنصب عقب انتقال مقر الجامعة إلى تونس، بعد إعلان الدول العربية مقاطعتها لمصر عام 1979 بسبب توقيعها لاتفاقية كامب ديفيد، ثم عاد المقر إلى القاهرة عام 1990 بعد عودة العلاقات العربية المصرية إلى سابق عهدها. والأمناء الذين تعاقبوا على قيادة هذه المنظمة هم: عبدالرحمن عزام، ومحمد عبدالخالق حسونة، ومحمود رياض، والشاذلي القليبي "تونسي"، وعصمت عبدالمجيد، وعمرو موسى، وحالياً الدكتور نبيل العربي منذ عام 2011م. ومنذ تأسيس الجامعة العربية وحتى اليوم، عقد القادة العرب 38 اجتماع قمة، بينها 25 قمة عادية و11 قمَة طارئة، إلى جانب قمتين إقتصاديتين، وأفرزت هذه الاجتماعات أكثر من 300 قراراً. وتحمل القمة العربية المقرر انعقادها في الكويت خلال الأيام القادمة تسلسل 39 في القمم الاعتيادية والاستثنائية التي عقدتها الجامعة العربية منذ تأسيسها.. وتكتسب أهمية استثنائية كونها تعقد في ظروف سياسية وأمنية وإقتصادية حرجة تستوجب من القادة العرب وضع الحلول التي تسهم في تحقيق التضامن العربي وإبعاد الوطن العربي عن التدخلات الخارجية وشبح الحروب والإرهاب الدولي. ولم تشهد الجامعة العربية تعليق عضوية أي من أعضائها سوى مرتين فقط على مدار تاريخها الطويل، المرة الأولى تم تعليق عضوية مصر في عام 1979 بسبب توقيعها اتفاقية سلام منفردة مع إسرائيل، والمرة الثانية عام 2011 بتعليق عضوية سوريا بسبب موقفها من التدخل العربي لحل الأزمة على أراضيها. وكما ذكرنا سابقا فقد بدأت الجامعة العربية ب7 أعضاء عام 1945، هم: مصر والعراقوسوريا ولبنان والأردن والسعودية واليمن.. بعد ذلك انتسبت ليبيا (1953) والسودان (1956) والمغرب (1958) وتونس (1958) والكويت (1961) والجزائر (1962) وموريتانيا (1963) والبحرين (1971) وقطر (1971) والإمارات (1971) وعُمان (1971) والصومال (1974) وفلسطين (1976) وجيبوتي (1977) وجزر القمر (1993). وهناك أربعة دول مراقبة في الجامعة هي إريتريا (2003)، والبرازيل (2003)، وفنزويلا (2006)، والهند (2007). هذا وقد كانت الجامعة العربية بمثابة منتدىً لتنسيق المواقف السياسية للدول الأعضاء، وللتداول ومناقشة المسائل التي تثير الهم المشترك، ولتسوية بعض المنازعات العربية والحد من صراعاتها. كما مثلت الجامعة منصةً لصياغة وإبرام العديد من الوثائق التاريخية لتعزيز التكامل الاقتصادي بين بلدان الجامعة.. وأحد أمثلة هذه الوثائق المهمة وثيقة العمل الاقتصادي العربي المشترك، والتي تحدد مبادئ الأنشطة الاقتصادية في المنطقة. ولعبت جامعة الدول العربيةُ دورا هاما في صياغة المناهج الدراسية، والنهوض بدور المرأة في المجتمعات العربية، وتعزيز رعاية الطفولة، وتشجيع برامج الشباب والرياضة، والحفاظ على التراث الثقافي العربي، وتعزيز التبادلات الثقافية بين الدول الاعضاء. وهناك من يٌحمل الجامعة في مراحلها التاريخية من القرن المنقضي الفشل في تحرير فلسطين، وغيابها في العديد من القضايا العربية التي تتطلب وجودها. وتتشابه جامعة الدول العربية مع منظمة الدول الأمريكية، ومجلس أوروبا والاتحاد الأفريقي في إنشائها لأغراضٍ سياسيةٍ في الأساس.. ولكن العضوية في الجامعة مبنيةٌ على أساس الثقافة بدلا من الجغرافيا.. وتتماثل الجامعة العربية في هذا مع الاتحاد اللاتيني والمجتمع الكاريبي. وتقف جامعة الدول العربية اليوم وهي تحتفل بذكرى تأسيسها على أعتاب مرحلة جديدة من العمل العربي بعد أن عصفت رياح التغيير بالعديد من الأنظمة العربية. وتصاعدت في السنوات الأخيرة الأصوات المطالبة بتغيير منظومة العمل العربي المشترك ممثلة ب"الجامعة العربية" لمواجهة التحديات التي فرضتها العولمة وسيطرة القطب الواحد ولتحقيق المصلحة القومية العليا في جميع المجالات. وجاء ما يسمى ب"الربيع العربي" ليفرض تطورات ومعادلات جديدة على المنطقة بأكملها تستدعي ضرورة إعادة هيكلة الجامعة لتواكب المتغيرات الجديدة، وتصل إلى مصاف المنظمات الدولية الفاعلة الأخرى في حل القضايا التي تطرح عليها. ومع دخول الجامعة عامها التاسع والستين، يتطلع الشارع العربي إلى المزيد من التطوير لمواجهة تحديات متلاحقة يفرضها واقع المنطقة والمستجدات التي طرأت في السنوات الأخيرة.