ليس من قبيل المصادفة أن يعقد صندوق النقد الدولي - أخيرا- وبعد 56 عاما من تأسيسه اجتماعاته السنوية في الشرق الاوسط. فاعتبارا من يوم الاربعاء القادم سيحتشد وزراء مالية العالم في دولة الامارات العربية المتحدة لبحث واحد من المشكلات الاقتصادية الملحة في القرن الحادي والعشرين: لماذا يزيد متوسط الدخل السنوي للفرد في بعض بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بمعدل أبطأ من نظيره في الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى الافريقية رغم الموارد الطبيعية الهائلة والبنى التحتية المعقولة غالبا في الدول. وأخذت القضية صيغة الالحاح على نحو خاص بعد غزو الولاياتالمتحدة للعراق هذا العام بنية معلنة هي منح درس في الديمقراطيةلدول منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا (مينا) الاربع عشر وتقديم نموذج يحتذى في الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي. وتساور غالبية دول منطقة مينا- التي تمتد من باكستان في الشرق إلى المغرب وموريتانيا في الغرب - الشكوك حيال دوافع واشنطن وتقول إنها معنية أكثر بتأمين إمدادات النفط العراقية أكثر من قمع الارهاب أو رؤية ازدهار ديمقراطي واقتصادي في المنطقة وذلك حسبما أظهر استطلاع للرأي أجرى مؤخرا. لكن الحقائق وحدها والتي تقول باتساع حجم قوة العمل في المنطقة ونسبة البطالة التي تبلغ 15 في المائة في المتوسط حفزت خبراء اقتصاد دوليين مثل مصطفى كامل نبيل كبير خبراء الاقتصاد ومدير منطقة مينا في البنك الدولي على التأكيد بشدة على حاجة المنطقة لاصلاحات بعيدة الاثر في الحكم - وليس في القطاع المالي وحده - إذا كان لاقتصاداتها أن تسجل نموا. وحذر الخبير الاقتصادي في ندوة أقيمت مؤخرا في واشنطن قائلا "إننا في خضم أزمة جديدة ليست مرئية .. يجب أن يحدث شيء. شيء لا يمكن أن يكون جزئيا أو تجميليا فليس ثمة وقت لاصلاحات صغيرة". وحدث بعض التقدم خلال العقد الماضي كما يشير صندوق النقد. فقد زادت أعداد خطوط الهاتف في تونس 20 ضعفا وحصنت لبنان 90 في المائة من أطفالها. وتعقد انتخابات تشريعية في الاردن واليمن كما تنحو إيران نحوا يتسم بقدر أكبر من الشفافية في الحكم وتنشر أرقام ميزانيتها العامة وتنقل شاشات التليفزيون المداولات البرلمانية. لكن وفيات الاطفال في مصر بلغت 69 في الالف عام 1999 مقابل 42 في إندونيسيا رغم أن دخل الفرد في مصر يبلغ ضعف نظيره في إندونيسيا. (سجلت وفيات الاطفال في دولة الامارات أقل المعدلات في المنطقة إذ بلغت ثمانية في الالف). وتتراوح معدلات البطالة بين 8 إلى 30 في المائة. ومن المتوقع أن يسجل حجم قوة العمل زيادة أخرى بنسبة ثلاثة في المائة خلال العشرين عاما القادمة مما يزيد الطلب على الوظائف الذي لا يمكن مقابلته دون زيادة معدلات النمو الاقتصادي. وتعادل نسبة الامية في المغرب مثيلتها في موزمبيق وباكستان. ولا تزال "المحسوبية والقرابة والعلاقات الشخصية والاموال" القول الفصل في الغالب في تحديد هوية من يحصل على الخدمات العامة ومن تفتح له أبواب النشاط التجاري وذلك حسبما ذكرصندوق النقد الدولي في تقرير له صدر تحت عنوان "حكم أفضل من أجل التنمية في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا". ونتيجة لهذا لا يوجد أثر من الناحية الفعلية لنمو المشروعات الصغيرة والكبيرة في دول منطقة مينا التي تعول في مصادر دخلها على النفط. ويتحاشى المستثمرون الدوليون دخول المنطقة أو ينسحبون منها إذا دخلوها كما أن أصحاب المدخرات الخاصة في المنطقة يعزفون عن استثمار أموالهم. ويقول عامر بيساط الخبير الاقتصادي ببنك يو.بي.إس السويسري إن أقل من خمسة في المائة من رأس المال الذي تدفق على اقتصادات الدول النامية منذ عام 1990 وقدره 5.1 تريليون دولار ذهب إلى منطقة مينا. ويشير إلى أن المنطقة "معزولة ماليا بشكل لا يصدق وأنها ليست حتى على شاشات الرادار في لندن أو نيويورك". وتتنوع الحلول المقترحة لمشاكل اقتصادات منطقة مينا من الحاجة إلى مزيد من التعليم إلى الحاجة إلى مزيد من التنوع ومزيد من الحماية القانونية للمستثمرين واعتماد أقل على "المال السهل" الاتي من البترول. لكن ثمة رابطا مشتركا بين كل الحلول ألا وهوالحاجة إلى نقل السلطة السياسية من الرؤساء الاقوياء والملوك السبعة الذين يحكمون المنطقة إلى شكل آخر يوفر قدرا أكبر من المساواة بين المواطنين وقدرا أكبر من الشفافية والقابلية للمحاسبة من جانب الحكومة. ويقول كريستيان بورتمان نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة مينا"إن التنمية لا تعني فحسب بمسائل الدخل والثروة. إنها تعني كذلك بنوعية حياة أفضل بما يعنيه هذا بدوره من توفير فرص التعليم والمساواة في العلاج". ويوضح الدكتور شبلي تلحمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميريلاند أن تغير الطريقة التي تحكم بها دول منطقة مينا الاربع والعشرين لن تكون سهلة لاسيما وأن الحرب ضد الارهاب التي تقودها الولاياتالمتحدة تضيف إلى مشاعر فقدان الامان وجيشان العواطف الملتهبة في المنطقة. ويعتقد مستشارو الرئيس جورج بوش بأن "الاصلاح سيفيد الولاياتالمتحدة لان الارهاب في منطقة مينا مقترن بضعف التنمية" حسبما يقول تلحمي. لكن تلحمي يشير إلى أن تصرفات واشنطن تبعث برسالة معاكسة. ويقول تلحمي "إن أولوية محاربة القاعدة في باكستان ستخمد أي ضغط من أجل الاصلاح فيها". وإذا ما تعاونت السعودية مع واشنطن في المسألة الاسرائيلية-الفلسطينية وفي الحرب ضد الارهاب فإن "الضغط من أجل الاصلاح سيتوارى". إن واشنطن لا تمنح مسألة التنمية في الشرق الاوسط إلا معسول الكلام بمبادرة الشراكة الامريكية-الشرق اوسطيةالتي تتكلف 29 مليون دولار. وأطلق بوش المبادرة العام الماضي قائلا "إن أيديولوجية الارهاب الكريهة" تغذيها "أنظمة قمعية". لكن منتقدين مثل توماس فريدمان الكاتب بصحيفة نيويورك تايمز والخبير بشئون الشرق الاوسط يقول إن عقودا من التسامح الامريكي مع الانظمة الغنية بالبترول وذات القبضة الحديدية وكذلك مع تخلف التنمية مقابل تدفق إمدادات النفط نشر بذور مشاعر الكراهية الهائلة لامريكا في المنطقة. وفي استطلاع للرأي أجراه تلحمي لحساب مؤسسة زغبي الدولية في شهري شباط/فبراير وآذار/مارس أعرب معظم من شاركوا في الاستطلاع من النساء والرجال وعددهم 020،3 من ست دول عن شعورهم بأن الحرب العراقية ستجلب "قدرا أقل من الديمقراطية" إلى المنطقة. وجاءت نسبة من أجابوا ب "قدر أقل من الديمقراطية" على النحو التالي: (95) في المائة من السعوديين و66 في المائة من المغرب و63 في المائة من المصريين و58 في المائة من الاردنيين و59 في المائة من مواطني الامارات العربية المتحدة و73 في المائة من اللبنانيين. ويقول تلحمي إن السبيل الوحيد لاحداث تغيير في المنطقة هو من خلال الضغط الداخلي ولاسيما في الدول الغنية بالبترول مثل السعودية التي تضمن لجميع مواطنيها دخلا معفيا من الضرائب. وأضاف "الاعفاء من الضرائب (يعني) عدم مساءلة الحكومة". (د ب أ)