تمتلك اليمن كبلد يقع ضمن جغرافية الجزيرة العربية ملا تمتلكه باقي دول الخليج العربي مجتمعة من تاريخ قديم وموروثات شعبية نقلت الي بقاع العالم العربي القديم مع القبائل التي أنتشرت في كل البقاع لتصنع تاريخ جديد من تاريخها المغمور بمياة السد المثقوب وكفرها بعم الله سبحانه وتعالي بعد مشكلة الفار الخارق والسد المخروق وضلت شاهدا علي هذه الموروثات التاريخية ما وجدت من أثار ونقوش قديمة في مختلف الأقطار العربية الحديثة ، ومن هذه الموروثات الموروث الفني الذي يميز اليمن ويتميز أنما وجد مهما غلفه الآخرون أو نسبوه لهم فالشمس لا يختلف أثنين علي ظهورها وقت الظهيرة إلا أنه يظل محصن ضد التحريف والانتساب لغير موطنة الأصلي فالبصمة التاريخية لا تمحها الأصابع المتلاعبة بالموروثات الفني لهذا البلد . نقل هذا الفن وتلك البصمة أينما رحل وحل الإنسان اليمن فاليمني بطبعه يحب تراثه ويحمله معه في صرته على ظهره حيثما شرق وغرب ففي ضل الهجمات الشرسة التي تتعرض لها الموروثات الشعبية المتعددة للدول العربية وهذه الحملة الهادفة لتغير وطمس التاريخ العربي والذي تلاعبت به أيادي المستشرقين قديما برحلاتهم المتعددة صوب الجزيرة العربية والتي ضل بالنسبة لهم سر من الأسرار التي تحيرهم ويتوقون لأستكشفها فسجلوا ودونوا كيفما شاءوا مع مراعاة التحريف والتغير بما يتماشى مع مخططاتهم ودراساتهم . لكن الموروث اليمني ضل شامخا في وجه موجات التحريف والتغير والذي أعتقد أن غياب الانتشار في فترة من الفترات والتي غاب عنها الاهتمام بهذا الموروث الغني جدا هو من ساعد على بقاء الطابع التاريخي الأصيل كما هو ولكن لا يخلوا الأمر من انتقاله على حياء بين دول المنطقة ويمثله في سياق هذا الحديث فن الغناء اليمن بمدارسة المتعددة من المدرسة الصنعانية الي المدرسة اللحجيه والمدرسة الحضرمية وكذلك المدرسة العدنية والمدرسة التعزية أن جاز التعبير ، حيث أن كل مدرسة لها روادها وجمهورها العريض وكل مدرسة بروادها الذين ساهموا بالحفاظ علي طابع كل مدرسة منفردة علي حدا ومجتمعه ببعض الأحيان ،فألحن اليمن له طابع السحر عندما ينتقل الي أذان متذوقة في ظل ثورة الفضائيات المتوالدة مع كل فجر يوم جديد والتي أيضا ساهمت في اندثار الموروثات العربية الأصيلة وطمس الهوية الأصلية لكل موروث بما أدخل عليها من تعديلات موسيقية وألحان غير العربية سوى من المهجر البعيد أو من الموروثات المجاورة للمنطقة العربية التي تتشابه الي حد كبير فتجد المواويل العراقية عملاقة كدجلة والفرات وتجد ألحن المصري سهل كسهولة مياه النيل ينساب في أذن السامعين وتجد الألحان المغربية وهي مزيج من الفن العربي للجزيرة العربية والموروث البربري والأمازيغي والأفريقي للصحراء المغربية تداخل واثر وتلاحم مع الموروث الأسباني في فترة حكم العرب للأندلس . في خضم هذا وذاك يبقي الفن اليمني شاهدا علي الأصالة بدندنته المختلفة وطريقة ألحانه ومعزوفاته الرائعة فعندما تستمع للغناء اليمني ينقلك علي أجنحة قصة سيف ابن ذي يزن الخيالية الي عالم جميل يجعلك تطير فوق صنعاء وعدن ولحج وحضرموت علي بساط السحر لهذه المدارس العتيقة ، وإذا كان هنالك مأخذ علي القائمين على هذا الفن هو أنه بقيا كما هو بدون التحديث المحمود مع المحافظة علي الأصالة وعدم نقلة الي خارج اليمن إلا فيما ندر ببعض المهرجانات القليلة جدا وهنا أتذكر قصة عملاق اليمن الشاعر / عبد الله البر دوني في مهرجان تكريم الشاعر الموصلي ( أبو تمام ) في العراق عندما دعيت اليمن للمشاركة فكان عملاقنا هو الممثل للدولة الغير معروفة بغنى تراثها الفني والشعري فجعل دورة في ألقاء قصيدته قبل نهاية الحفل و ذلك لأنه لم يكن قد عرف خارج اليمن وعندما قدم بغداد قدمها يمتطي حمار أعرج و أشعث أغبر لو أقسم علي الله لأبره شاعر يكتحل بعمي البصر لكنه حاد البصيرة مما جعله محل عدم اهتمام من قبل منظمي المهرجان مقابل عملاقة الشعر العربي المتواجدين و الذين ذاع صيتهم لوجود الانتشارية لديهم وخروجهم خارج حدوده بلدانهم بعكس وضع مبدعينا في اليمن الذين يضلون يصارعون تراب الاندثار والتقوقع الداخلي في حدود الوطن وعندما قراء اسم عملاقنا الأعمى وقيد الي منصة اللقاء تململ البعض منه من هذا الأعمى رث الثياب منكوش الشعر ليقف هذا الموقف العظيم فهم البعض بالانصراف كما يقول القال ماذا سيقول هذا القادم من اليمن المهمش مظهره لا يدلل علي جوهره فهو لا يلبس البذلة ذات الماركة المعروفة وينتعل حذاء قد أكل الدهر بعضا منه وأكل الجدري وجهه ولم يصفف شعره منذ قرون فوقف عملاق اليمن الصغير وأنشد قصيدته الرائعة في رثاء الشاعر أبو تمام وهي علي نفس سجع قصيدة الشاعر المكرم وعنوانها (أبو تمام وعروبة اليوم ) وما أن انتهي من أخر شطر في القصيدة الرائعة حتى وقف الجميع ليصفقوا له وأفوائهم مفتوحة من هول المفاجئة ووجوههم تستغرب من أين هذا القادم أعاد من بين أضرحة شعراء العصور العباسية والعصر الأموي ونال علي أثرها جائزة المهرجان وعرفت الدنيا أن باليمن هذا البلد المنسي من الظهور من يقول شعر لم يعد يسمع مثله فقد افتقد في العصر الحاضر ، وهذا مثال بسيط أسوقه ليعرف الجميع أننا لا نهتم بأي شي حولنا يحدث تقوم الدنيا وتقعد والمواطن اليمني لا يعنيه الأمر لا من قريب ولا من بعيد . أذا مشكلتنا تكمن في عدم معرفتنا بما لدينا من صفحات تاريخية جميلة وكذلك عدم تعريفنا للآخرين بما لدينا من تاريخ سوى علي الفرد اليمني العادي الذي ينام علي عتبات التاريخ المختلفة أو يرقد في قريته علي مقابر يرقد التاريخ تحت ترابها فلا جهات حكومية مهنية تحمل أماناتها ولا فردية تحافظ علي ما يوجد لديهم فالبيع اقرب من الاحتفاظ والدولارات تسيل اللعاب والمافيا الدولية لتهريب الآثار متواجدة بقوة وعودتنا لموضوعنا ومورثونا الفني الجميل في عدم مجاراتنا وإخراجنا له من الناحية الشعرية والغنائية للمتلقين بالطريقة الحديثة واستغلال التطور الحاصل في الصوت والصورة حسب متطلبات العصر مع أدخل تعديلات لحنية تبقي الجوهرة كما هو وهذا من باب التسويق والتوصيل لما لدينا للآخرين ، فلا تزال القناة اليمنية عندما تتفرج عليها تنقلك الي عصور ما قبل التاريخ الحديث من كل مقاوماتها الضعيفة والمعدومة فلا ديكورات حديثة تشعرك بأنك في عصرنا الحاضر ولا مؤثرات ضوئية ولا سمعية شي يجعل أي يمني يخجل أن يقول هذه قناتنا الفضائية ، ونأخذ أمثله مما تغنوا وطوروا الأغنية اليمنية بصفة عامة ا ولهم الدور الكبير في نقلها لتصبح أغانيهم إقليمية وعربية تتردد علي كل لسان ويطرب السامع سوى من متذوقين القديم او من الجيل الجديد المتذوق للغناء ولنأخذ أغاني الفنان العملاق أبو بكر سالم والذي يعتبر عملاق الأغنية اليمنية وحارسها الأمين من التحريف والتزييف وأنا هنا أجزم أن جميع أبناء الخليج العربي يعرفون الفن اليمني كما يعرفون أبنائهم من خلال هذا الفنان وغيره ، وما يتعرض له هذا الفن الغنائي من سرقات فنية يعرفها القاصي والداني من فنانين وفنانات الخليج لهو دليل وأضح علي تهميشنا لمورثنا الذي مازالت أتربة السنوات تجثم فوق صدره ، تقصيرا وأضح من قبل القائمين على هذا الفن وكم هو مخزي عندما يتنكر فنانون خليجيون معروفون وهم عملاقة للفن الخليجي بأن الفن اليمني لم يشاركهم النجاح وحملهم الي النجومية بينما يذكر البعض منهم بكل فخر بأن الفن الغنائي اليمن هو القاعدة الأساسية لفن الغناء الخليجي ، ومن عملاقة الفن الخليجي الفنان الكبير محمد عبده والفنان الكبير أبو بكر سالم والفنان عبد الرب إدريس كلهم تخرجوا من مدارس الغناء اليمني ونهلوا منه أجمل أغانيهم التي حملتهم الي النجومية ، فالشعوب تقاس بمقياس موروثاتها الفنية والأدبية لا بمهرجاناتها وحفلاتها المجنونة المفسدة للذوق والتذوق الفني . فنحن شعب يمني لا نهتم بما لدينا من كنوز بل نطاها بأقدامنا ولا نشعر ، فما يميز بعض المواطنين اليمنيين في أي عاصمة عربية هو منظرة الرث تعرفه كما تعرف الشمس في كبد السماء مع أنه يملك أنت يكون ذوا منظر حسن وهندام محترم لكن من مفارقة الأقدار أن الإنسان اليمني أخر ما يفكر به هو منظرة وطريقة لبسه ، فا ليس عيب أن يفتخر أي إنسان بزيه الرسمي لبلدة لكن في حدود المعقول وبطريقة تجعله مكان أعجاب وتقدير لأنه ينقل تراثه الجميل ليريه للدنيا لا العكس ليسخر منه الآخرين وإلا لما نظمت المهرجانات والكرنفالات للتعريف بما لدي الشعوب . ففي حين تسارع دول العالم الي تلميع ما بقي لها من أثار قديمة وتخرجها للدنيا بمخرجات حديثة تجعله يعود عليها بالمنفعة العامة نجد أنفسنا في يمن مأرب وسبا وحمير وبلقيس وأروى نهدم ما بقي شاهدا علي تلك الحقبة التاريخية الهامة بل والخطير هو تسريب هذه الآثار وبيعها من قبل مافيا دولية بمساعده مستنفذين يمنيين فأين القائمين علي هذه الآثار التي يسافر لها الباحثين عن الأصالة وتاريخ الشعوب لترتوي صدورهم من عبقها وتتكحل أعينهم من رايتها ، فالأيادي التخريبية لدينا تطال عنان السماء والإهمال رفيقنا الي عالم الاندثار والنسيان حتى وأن وجد بقايا أطلال شاهدة لا تجد مقومات الاجتذاب السياحي حولها من مرافق ومنشئات حيوية وأهم من كل وذاك الناحية الأمنية فكم من حوادث اختطافات وقتل وسلب للسياح القادمين الي اليمن الموحل بوحل التخلف والنسيان ولدينا شاهدا حي فجزيرة سقطرى التي ليوجد لها مثيل بالدنيا مهمشة ومنسية ومندثرة والبحث جار عن من يدفع ويشيل الليلة فهي متحف طبيعي للحياة البرية فيها وبيئة تأوي ألاف الطيور النادرة والأشجار التي لا يوجد لها مثيل بالدنيا لكننا لا نسمع عنها مما جعل دولة أفريقية ضعيفة تتطاول عليها وتحاول احتلالها مما يدلل علي غياب الجهات المعنية بالأمر فلا حول ولا قوة إلا بالله ...............