كانت نهاية «أبو مصعب الزرقاوي» أكثر من طبيعية، أنّها نهاية كلّ من يحترف الأرهاب ويقتل باسم الدين الحنيف ، دين التسامح الذي يرفض الأرهاب والأرهابين ويرذلهم. لم يكن أمام «أبو مصعب الزرقاوي» سوى أن يلقى جزاءه بعد كلّ ما فعله في حق العراقيين بما في ذلك النساء والأطفال وبعد كلّ ما فعله في حق بلده الأردن الذي وقف دائماً في وجه كلّ أنواع التطرف وسعى الى أعطاء صورة حقيقية وحضارية عن الأسلام وسماحته بعيداً عن أيّ نوع من أنواع التطرف. لقد نال الأردن نصيبه من أرهاب الزرقاوي الذي أرسل أنتحاريين الى فنادق في عمّان فجّروا أنفسهم بأناس آمنين كانوا يمضون سهرة أو يحضرون عرساً في أحد فنادق العاصمة الأردنية، فقُتل ستّون بريئاً في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنّها مأساوية ووحشية. أستحقّ «أبو مصعب الزرقاوي» تلك النهاية البائسة التي تليق به وبأمثاله وبمعلّمه أسامة بن لا دن الذي يسميه بعض المنافقين من اشباه المتعلمين «الشيخ أسامة». أنّه الأرهابي الذي يتحملّ جزءاً كبيراً من مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع العربية والأسلامية في هذه الأيام، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001 التي سهّلت على القوة العظمى الوحيدة في العالم أتخاذ القرار القاضي بشنّ الحرب على العراق. ولكن أبعد من العملية التي أدّت الى التخلص من الزرقاوي الذي لا يعرف شيئاً كثيراً من اللغة العربية، لغة القرآن الكريم الذي يسعى الى الأستشهاد بآياته الكريمة، لا بدّ من طرح تساؤلات في شأن مرحلة ما بعد التخلّص من هذا الأرهابي. هل التخلّص منه بداية النهاية للحرب الأهلية التي أنغمس فيها العراق؟ أم أن أغتيال الأرهابي الرقم واحد في العراق مجرد فصل من فصول الحرب الأهلية، وأن الوقت حان للتخلّص من الرجل بعدما أدّى المهمات المطلوبة منه على رأسها أثارة النعرات المذهبية الكفيلة بأستمرار الحرب الأهلية وتوفير الوقود اللازم لها؟ أن العودة الى الخطابات التي وجّهها الزرقاوي الى العالم تظهر أنّه من أشباه الأميين الذين يخلطون بين الفاعل والمفعول به من دون أي معرفة بالغرض الذي تستخدم من أجله أحرف الجرّ. هل يليق بشخص من هذا المستوى قيادة المعركة في وجه الأحتلال الأميركي للعراق؟ هل يمكن أيجاد أيّ تفسيرمنطقي للأعجاب الذي أبداه عرب كثر بأرهابي من مستوى الزرقاوي لجأ الى الأنتحاريين والسيّارات المفخخة لقتل الأبرياء، أم أن التفسير المنطقي الوحيد لهذه الظاهرة تكمن في أن الأفلاس العربي فاق كلّ التوقعات وأن المطلوب البحث عن بطل، حتى لو كان أرهابياً متميّزاً في ميدان الجريمة في مستوى الزرقاوي، بغية الحديث عن مقاومة ومقاومين في العراق، بغض النظر عما تمارسه هذه المقاومة المزعومة التي لم تستهدف سوى الأطفال والنساء والآمنين؟ ثمة أسئلة كثيرة يطرحها القضاء على الزرقاوي. في مقدّم هذه الأسئلة هل هناك قوى سنّية عربية قادرة على أخذ المبادرة والدخول في مفاوضات حقيقية تؤدي الى قيام حدّ أدنى من التوازن في البلد؟ أم أن معظم أهل السنّة من العرب فقدوا أي أمل في المستقبل وأن ألأرهاب يعتبر الخيار الوحيد المتوافر لهم بغية الحصول على ما يعتبرونه حقّاً لهم؟ والأهم من ذلك، هل يوجد وعي لدى الأحزاب الشيعية الكبيرة لضرورة العودة عن الأخطاء التي أرتكبت في الماضي، خصوصاً خطأ تشكيل ميليشيات حزبية يسيطر عليها في نهاية المطاف أيرانيون لا مصلحة لهم سوى تنفيذ سياسة بلدهم في العراق؟ هل في قيادات الأحزاب الشيعية على رأسها «المجلس الأعلى للثورة الأسلامية» و «حزب الدعوة الاسلامية» من يستوعب أنه لن تقوم قيامة لدولة في العراق في ظلّ وجود ميليشيات حزبية تنتمي الى مذهب معيّن؟ أم أن هدف هذه الأحزاب في النه اية الوصول الى تقسيم العراق والسيطرة على الجنوب الغني بالنفط وأن الميليشيات تظل الطريق الأقصر لبلوغ هذا الهدف الذي يمثّل الطموحات الأيرانية؟ لا شكّ أن الأحتلال الأميركي يتحمّل مسؤولية كبيرة في وصول الوضع العراقي الى حيث وصل أليه. ذلك أنّه لا يمكن لعاقل أن ينسى أن الأميركيين زرعوا بذور الطائفية والمذهبية في العراق بعدما ربطوا الأعداد للحرب بوصول «الأكثرية الشيعية» الى السلطة وبأقرار مبدأ الفيديرالية بما يتناسب وطموحات الأكراد في الوصول في أقرب ما يمكن الى دولة مستقلة لا ينقصها الآن سوى تأمين أن يكون نفط كركوك لها. ولا شكّ أن الأميركيين لم يدركوا سوى متأخرين أن أيران تحوّلت الى المنتصر الأوّل في الحرب التي أستهدفت أسقاط نظام صدّام حسين العائلي- البعثي الذي قضى على النسيج الأجتماعي للعراق. هل يفيد مقتل الزرقاوي الأميركيين في شيء؟ أو على الأصحّ هل يمكن أن يعود بفائدة على العراق والعراقيين؟ لا يزال صعباً الأجابة عن هذا السؤال اللهم ألاّ أذا كانت العملية تدخل في أعادة نظر شاملة في الوضع في البلد بدءاً بالسعي الفعلي الى أيجاد توازن بين مكوّنات المجتمع بما يبعد أهل السنّة العرب عن الأرهاب من جهة، وأنتهاء بالتخلص من الميليشات التابعة للأحزاب الشيعية من جهة أخرى. في النهاية الأرهاب كلّ لا يتجزأ. لا يوجد أرهاب مبرر وأرهاب مدان. الأرهاب هو الأرهاب ولا شيء آخر غير الأرهاب.. تبقى نقطة أخيرة لا بد من الأشارة اليها، هل صدفة أنّ تحديد المكان الذي كان فيه الزرقاوي مع مساعديه بما سمح للطائرات الأميركية بقصفه، جاء في وقت تسعى فيه الأدارة الأميركية الى الدخول في صفقة مع النظام الأيراني يتناول بين ما يتناول البرنامج النووي ل«الجمهورية الأسلامية» ودورها الأقليمي ومستقبل النظام فيها... في كلّ الأحوال، أن توقيت قتل الزرقاوي ليس بالتوقيت البريء. الشيء الوحيد الأكيد أن العراق ومعه المنطقة مقبل على تطورات كبيرة في حال التوصل الى صفقة أميركية- أيرانية أو في حال تعذر التوصل الى ذلك.