في عدد صحيفة سبتمبر رقم 1293 في 19 اكتوبر الجاري قلنا ان (كلمة الرئيس في خواتم الشهر الكريم أمام ضيوفه في تعز لم تخلو أبدا من لفتة إنسانية ودمعة حزينة وإن كبتهما فقد عبر عنهما بصرخات وأنات من أنات شعبه وجماهيره. فمن أجل ما يجري من تطورات في اسعار السلع المختلفة) لم تستثني كلمته أحدا ، ما يدل على عميق ألمه لما يعانيه جمهور الفقراء "الغالبية الشعبية التي اكتسحت يوم 20 سبتمبر مشروعا ربما أدى نجاحه إلى الإخلال بأمن البلاد و ربما إلى صراع "دام" من أجل السلطة بين الطامعين بها المستسهلين للتحالفات مع "صناديق من بارود ونار ". لقد إستشعرت تلك الكلمة ضمائر التجار الذين تورطوا في رفع اسعار السلع فتراجعوا مندحرين قليلا عن الجشع وأحسوا أن خصومة مع الله قد تلحق بهم ضررا مع تنبه القيادة لما يدور وتقديرا لظروف الناس ومعيشتهم ، كما تحركت أجهزة وزارة التجارة في محافظات البلاد لتقوم بمهامها الرقابية والتموينية ، رغم أن الإحتياطي الإستراتيجي من القمح " كما قيل " كان قد تم التصرف به خلال فترة رفع الأسعار مقابل استعاضته عند وورود كميات جديدة من القمح، ولا يعرف أحدا إن كانت وزارة التجارة قد وافقت على التصرف باحتياط البلاد الإستراتيجي أم انها فوجئت بصرخة الرئيس بعد أن عرف هو بما جرى وكان يجري . في يوم الجمعة 20 اكتوبر الجاري ورد خبر مفاده ،أنه ستنشأ ورشة عمل لتحسين أداء عمليات إنتاج ومنتجي الرخام والجرانيت (كصناعة محلية)، وهذا سيكون انجازا لخدمة أهداف التنمية بصورة أكمل وأفضل ، لكن علق أحد الذين تلقوا الخبر عبر شاشة هاتفه المحمول مساء نفس يوم نشر الخبر قائلا: لو أن الادارة التموينية وهي جزء من وزارة الصناعة في البلاد(مرفق سياسي واداري) تقوم بجلب من يعلم ويدرب أصحاب المخابز والأفران في عموم البلاد (كيفية صناعة الخبز والرغيف لنكون كبقية البشر ندفع نقودنا على مدار الساعة لنشتري مقابلها خبزا جيدا لا خبزا رديئا وبلا مواصفات عكس الحال في بقية بلاد العرب الأخرى ، ولكي يتحسن إنتاج الجرانيت والرخام بتواز مع تحسن كسرة الخبز ولا نشترط أن يكون خبزا يونانيا). زاد صاحبنا في قوله ان صناعة الخبز عملية لا يستهان بها ولقمة العيش هي أعز منتجات الوجود التي لها حرمتها وجودة تلك اللقمة تعبر عن رقي وحضارة المجتمع التي ينتجها وقدقال فيلسوف الإغريق إفلاطون " 5 و 4 ق.م" :(إن السياسي الذي لا يقدر قيمة القمح ليس بسياسي) والمعنى واضح. ونقتبس عن عالم الإجتماع عبد الرحمن إبن خلدون في مقدمته :(أن الحضر لهم أدآب في أحوالهم في المعاش والمسكن والبناء وأمور الدين والدنيا ......... ............ فلهم في كل ذلك أدآب يوقف عندها في جميع ما يتناولونه ويتلبسون به من أخذ وترك حتى كأنها حدود لا تُتَعدّى وهي مع ذلك صنائع يتلقاها الآخر عن الأول منهم ولا شك ان كل صناعة مرتبة يرجع منها إلى النفس أثرا يكسبها عقلا جديدا تستعد به لقبول صناعة أخرى ويتهيأ بها العقل بسرعة الإدراك للمعارف) إنتهى الاقتباس . يتضح مما أدركه إبن خلدون أنه : إذا لم نحسن إستخدام المواد الداخلة في صناعة الرغيف والخبز وبقية المعجنات الأخرى لن ننتقل الى صناعة أخرى، أي لن نتهيأ ولن نتقن انتاج أي منتجات أخرى . أضاف صاحبنا : من يستطيع أن يذكر إسم أي دولة تتقن إنتاج سلع صناعية مختلفة وخبزها بمستوى متدن أو بمستويات ومواصفات خبزنا ورغيفنا . الخبز في فرنسا راق جدا وكذلك صناعته، وفي دول الخليج ومنها عمان المجاورة وكانت مثل الناس قبل نهضتها وفي السعودية وهناك مخابز ليمنيين. وفي سوريا خبزهم جيد وتجد صناعتهم جيدةوإن كان ليس بمستوى الخبز الفرنسي ولا بمواصفاته، إلا أنه خبز جيد جدا شكلا وعجنا وحجما ووزنا وإحراقا وطعما ولونا ويتناسب مع نمط الاستهلاك السوري، لكن خبزنا لا يتناسب مع نمط استهلاكنا فالخبز اليمني قبل عقود كان أفضل منه اليوم عجنا ووزنا وحجما وإحراقا. ومن المؤكد أنه لا تعارض بين أن نحسن إنتاج الرخام والجرانيت وأي منتجات وطنية أخرى وبين أن نحسن عيشتنا في اعداد لقمتنا، ولكن أن نهتم بصناعات ولا نعطي إهتماما لأساسيات الحياة يجعلنا نحس بعدم تراتبية في التفكير ، بمعنى إهمالنا لتراتبية أو جدولة خطوات الرقي والتقدم كما رأى إبن خلدون قبل أكثر من 600 سنة ،أو حتى عدم السير بها بتواز مع ،أوبالقفز على المتطلبات الأساسية للحياة ، وهذا يعني تماما أن (ثقافة التقدم هنا ثقافة إنتقائية تتهرب من تلبية الحاجات الأساسية للحياة بصورة تتنافى ولاتتناسب والعصر الذي نقضي فيه حياتنا اليوم). كما أن عدم الإنتباه لمسائل الدقة والانضباط في مواصفات مستلزمات حياتنا اليومية وعدم إدراك متطلبات الغير ممن نتوقع أن نصدر لهم والإنكفاء بحصر مواردنا في بيع النفط يعني أنه لن نحقق أهدافنا "الحلم" ، بل سنستمر في حلقة مفرغة لا تستوعب التاريخ ولا ثقافته الاقتصادية ولا تجعلنا نحس بالذين يحققون أحلامهم أمام أعيننا ونتحول فقط إلى عابرين عبر أنفاق حالكة في ظلامها نتحدث عن قصص نجاحات غيرنا وإنجازاتهم ونقلات نوعية في مسيراتهم دون إنتقائية لتراتبية وجداول تقدمهم بينما نحن نعيش حالة بهرجة وكثر كلام ومستمعين إلى أخبار وموسيقى النجاح هناك، وسنبقى أسرى لتسلط كوادر على مرافق هامة من أجل أن يعيشوا هم ونحن نزول من أجل أن يستمروا في مراكزهم ووظائفهم بدعم "عرابيهم" ونبقى نحن "كل المجتمع اليمني لا نتقن صنع كسرة خبزة رغم استخدامنا لأفران فرنسية وإيطالية منتشرة في المدن، ولم ولا نستطيع أن نضبط رقابة جودة على كسرة خبز ولا على زراعة قليل سلع من خضار وفواكه واصطياد سمكة من أجل السوق المحلي، فما بالنا بالتصدير وشروطه وثقافة التصدير التي تسبقها ثقافة حسن إدارة مرافق البنى التحتية ... ولا كيف نعبئها "كرتنتها ونغلفها" في أكياس بلاستيكيةوكرتونية تحفظها في تسويقها وفي مخازن التبريد التجارية أو المنزلية. ما الفائدة اذن من خفض سعر كيس القمح وسلع غذائية أخرى بينما لا نجد خبزا ورغيفا بمواصفات تليق ببني البشر كما هو الحال في دول قريبة في مستويات معيشتها من مستوياتها هنا . كان هناك فرن مملوك للقطاع العام هنا في صنعاء (مؤسسة الحبوب كما كانت تملك صوامع غلال ومخازن للدقيق الخ)، وكان ذلك الفرن ينتج رغيفا بمواصفات جيدة رغم ان المطلوب لم يكن الا حاجتنا لتعليم أصحاب المخابز كيف يصنعون خبزا بمواصفات تليق بالإنسان ، ولم يكن كل الخبز المطلوب لليمن مما كان ينتجه ذلك الفرن . الناس هنا يريدون خبزا للسلتة والمطبوخات من خضار ورغيفا " روتي" للفول وخلافه، فالأنماط تفرض نفسها، ولكن ليس بمواصفات رديئة كما هو الحال هنا "عندنا". ان تعليم الناس كيف يخبزون وكيف يطبخون وكيف يقتصدون في حياتهم ،وكيف يوفرون وقودا ولا يزيلون اشجارا من أجل تخبيز لقمة ، وكيف يتمهنون ويمهنوا أبنائهم وتشجيعهم على تعلم الحرف المختلفة ليزيلوا فقرهم وبؤسهم هي أساسيات التنمية ووقودها وليس عملية نهب المال العام شرطا من شروط السير نحو الأفضل فتلك ثقافة الاستهتار بالأمة واستضعافها . ليكن عام 2007م هو عام تعليم اصحاب المخابز كيفية صناعة الخبز والرغيف المناسب للاستهلاك البشري" لبني البشر" ، كي ننطلق بعد نجاحنا إلى تحسين مواصفات صناعات أخرى لأغراض الاستهلاك الأدمي هنا وللبشر في الاسواق الخارجية. تلقى الجميع خلال اليومين الماضيين عبر شاشات الهاتف المحمول وغيرها " أن اليمن ستوقع إتفاقا مع دول الخليج للالتزام بالمواصفات الخليجية" . طبعا أكثر المواصفات الخليجية ستتعلق بمنتجات إستهلاكية مختلفة لا شك ان منها ستكون المعجنات ومنها المعكرونة والفطائر والمعلبات والعصائر الخ مما يستهلكه البشر كتلك التي تزخر بها البقالات هنا في اليمن وهناك في الخليج ومنها بقايا الروتي" الشبورة المستورد من شركة أمريكانا بل من شركات في أوروبا للأسف "!!!. علما بأن المعهد المهني الألماني (مقره شارع بغداد، بالإضافة إلى قيامه بالتدريب المهني (نجارة وحدادة وميكنة وكهرباء) كان يعلم الطلبة كيفية صناعة الحلويات والفطائر المختلفة، ولو كنا طلبنا منهم أن يعلموا الطلبة كيفية إعداد منتجات غذائية مختلفة لعلموها للطلبة لكن ربما نحن لم نطلب )، فمثل هذه الكوادر ستعمل في الفنادق والمطاعم وهي ركائز تحقق أهداف سياحية (أي تخدم الإقتصاد السياحي) . لذلك نطلب أن نلتزم نحن بمواصفات الخبز والرغيف والمعجنات والفطائر والعصائر والحلويات المختلفة من أجل استهلاكنا بمواصفات السلع الخليجية التي ملئت أسواقنا، فلربما أنتجناها بأسعار منخفضة لمواطنينا وللتصدير بأسعار منافسة،في عملية تصدير مضادة. ان أجور العمالة هنا باتت أرخص من تلك الهندية التي يستخدمها الخليجيون "مزية تفضيلية هامة بالإضافة إلى أن أسعار استيراد مستلزمات إنتاج تلك المنتجات ستكون أرخص، لأن اليمن بلد بحجم سكاني كبير سيستورد كميات أكبر من من مستلزمات حاجاته وحاجات دول الخليج ،أي لحاجة السوق المحلي الكبير ولحاجة التصدير " . أن نتتج بدون مواصفات وبلا ضوابط وبدون رقابة على الجودة بمستويات تنافس وبدون تدريب البشر على هكذا منتجات نكون قد دفعنا البعض وليس كل المنتجين إلى إنتاج بمستويات يتم رفضها في المعابر الحدودية (وهل شطارتنا تتركز بغض الطرف عن عمليات "تكعيف" الناس بها هنا وكأنهم حثالة البشر ويرفضها الجوار عند المعابر، إما لأسباب صحيحة أو كيدية لا يدري إلا الله؟). لقد قلنا في العدد 1292 من صحيفة سبتمبر 2006م بأن (الإصلاح الذي وعد به الرئيس سيتولى قيادته هو شخصيا)، وهذا ما أكدته كلمته في تعز أمام ضيوفه الذي منحوه أكثر من 22 % من أصوات إعادة تثبيته رئيسا للبلاد . ونؤكد أنه لن يسبقه أحد ممن كان يفترض أن يقوموا بتحسس مشاكل الفقراء وأناتهم إلى فهم حاجات المجتمع والناس، فللرئيس أحساسيسه و ضميره وأولوياته وأجندته. في هذا العدد نقول ونكرر : إلى تنتاب المختصين عملية صحو وإلى أن يتهمهم الناس بأنهم قد صحوا لأداء مهامهم بصرخات من الرئيس فان الرئيس هو وحده الذي سيتولى إدارة عملية الإصلاح إبتداء من توفير كسرة الخبز الى نهضة متوازنة . السؤال هو : هل الرئيس ملزم بأن يصبح رقيبا وحسيبا على متطلبات حياتنا ؟ وهل سيبقى من هم مفوضون على القيام بتلك المهام لا يعتبرونها إلا مصدرا ....؟ ....... وترسيتها "هموما" لا تنتهي عند الرئيس ولإفراغ برنامجه الإنتخابي من محتواه .. إن صحوة الضمير لا تكفي، فرقابة الرئيس وصرخاته أناته ستتحول إلى كابوس يلاحق من هوت ضمائرهم في كسب غير رضاء الله، وهنا لا بد ان تلحق صرخات الرئيس وأناته برقابة شعبية واسعة ورقابة رسمية شديدة ، لا يستغلها أحد من سدنة المناصب الكبيرة ليفوز بتعيين رجاله من أبناء حارته أو قريته لملء جيوبهم بمال حرام من أموال جماهير الرئيس التي غازلها معارضوه فأبت إلا أن تمنحه ثقتها مرة أخرى، وهو لا شك ضميرها ولا غيره.. وليستمر بقيادة عملية الإصلاح بمفرده. لو أنا نشغل أنفسنا بقضايا مثل تلك التي شغل بها نفسه إبن خلدون (وإن بدت سخيفة لمفكرينا)، فستبقى أهم من مشاغلة ومهاجمة بعضنا في كتابات تتصدر قضايا ومماحكات لا تجدي ولم تجدي ولن تجدي. دعاء: "رحم الله إفلاطون وإبن خلدون".