من مساوئ استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق الشقيق ، إتخاذه ذريعة من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية، التي نقلت نشاطاتها التدريبية ومعاركها المسماة بالجهادية من أفغانستان ، والبوسنة ، إلى أرض العراق ، وانضمام من كانوا يتخفون في الأوكار والمخابئ في عديد من الدول العربية والإسلامية إليهم، معتبرين أن الهجرة إلى أرض العراق صارت فرض عين على كل مسلم ومسلمة بعد ما استباحها الكفار والصليبيون !! والذي، لا يفهمه الساسة الأمريكان ، ومعهم مستشاروهم ، أن مثل ذلك الخطاب الديماغوجي يلقى رواجاً واسعاً لدى عامة المسلمين ، وقد يتنامى أكثر ، إذا ما ظلوا يسرحون ويمرحون داخل مدن ومحافظات العراق، بدباباتهم ، وأسلحتهم الثقيلة .. والمستفيد الأكبر من بقائهم هناك هم المتطرفون والإرهابيون ، من أعضاء تنظيم القاعدة ، وبقية الجماعات الإرهابية المسيئة للإسلام، ومن تبعهم من الشباب المغرر بهم، أو ممن تستثيرهم عواطفهم الدينية ومشاعرهم الإسلامية، وتقودهم لكراهية من يرونه محتلاً لشمال جزيرة العرب، التي كانت آخر وصية للرسول الكريم لأصحابه بأن لا يجتمع فيها دينان. إن غاية ما كان يطمح له قادة الإرهاب والتطرف هو توفر أرض آمنة للتدريب ولعمليات الكر والفر التي يقومون بها ، وهذا ما تحقق لهم في العراق ، مع زيادة وجود المبرر المتمثل بالمحتل الصليبي حد قولهم والمؤن والعتاد والأسلحة الخفيفة والثقيلة التي سيغتنمونها في محاربتهم له .. وبعدما كانوا منبوذين من مجتمعاتهم ، ودولهم ، بسبب أفكارهم الشاذة المتعصبة وسلوكياتهم المتطرفة، وجدوا في ظل بقاء المحتل الأمريكي من يتعاطف معهم ، ويدعولهم في المنابر ، ويحرض على الاقتداء بهم ، وقد يتحولون في ظل عجز الساسة العرب ، وتراجع النخبة من المفكرين وعجز الأحزاب المدنية وسيطرة الخطاب التحريضي عليها ، إلى طليعة للأمة ولن يعدموا من يضفي عليهم من صفات التبجيل والاحترام مالا يستحقون. لقد تحولت العراق إلى معسكر كبير لاحتضان الإرهاب والتطرف ، ومبرر مشرعن لتوسيع قاعدة العنف المتسلح بالدين الإسلامي الحنيف. وكما أعطت الولاياتالمتحدةالأمريكية الفرصة الذهبية للمتطرفين في الثمانينيات من القرن الماضي لفتح معسكرات لهم في أفغانستان وباكستان فإنها في بقائها في العراق محمية بأساطيلها البحرية غير البعيدة والمسيطرة على مياه العرب الدافئة ، تمنح الإرهاب فرصة نمو وإنتشار أوسع وأكبر.. وقد تجعله مع الأيام المتحدث الشرعي لأمة الإسلام والناطق المدعوم بحشد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية باسم العرب والمسلمين. وإذا ما استثنينا مصالح أمريكا في ثروات المنطقة فإن المتضرر الأكبر هم العرب والمسلمون بتصدر فكر الإرهاب والعنف لمجتمعاتهم ودولهم. لقد أفصح أسامة بن لادن في عديد حوارات منشورة له ، أنه كان يزمل في نقل تدريبات أتباعه إلى اليمن ، بسبب وعورة مسالكها ، وتشابه تضاريسها من أفغانستان ولكنه عجز عن تحقيق مبتغاه ، بسبب كره اليمنيين للتطرف ، وقوة إرادة الرئيس/ علي عبدالله صالح، في محاربة واستئصال شأفة المتطرفين الذين قذفت بهم أفغانستان لليمن ، كما أن حكمته جنبت اليمن من عديد من «المصائد» و«الأفخاخ» التي حملت في ظاهرها المصلحة فيما كانت ترمي إلى إدخال اليمن إلى نيران الجحيم .. وهنا يستحق فخامة الرئيس/ علي عبدالله صالح، العرفان من شعبه ، وأيضاً من أبناء دول الجوار ، لسعيه المبكر في حل المشاكل الحدودية التي كانت شائكة وعالقة بين اليمن وجيرانها ، ومبادرته لحلها على قاعدة لا ضرر ولا ضرار.. لأن استمرار المشاكل الحدودية كان سيفتح الأبواب علي مصاريعها أمام عناصر الإرهاب للتحرك بخفة ونشاط والمؤكد أن جهود فخامة الرئيس في هذا الجانب ، قد أقلقت القاعدة .. ما جعلها تحاول تعكير صفاء الأجواء الانتخابية بمحاولة التفجير الفاشلة للمنشآت النفطية في الضبة وصافر ، دعماً منها للمتطرفين الساعين إلى السلطة بمختلف الوسائل ففشلت مخططاتهم، وخاب رجاء وهم يفضل يقظة عيون اليمن الساهرة .. وكم كان رئيس الجمهورية حكيماً عندما عنف مذيع الجزيرة أحمد منصور في مقابلته الأخيرة عندما حاول سؤاله عن خارطة الشرق الأوسط الجديد ، التي تم شريها قبل أشهر بغرض خلق المزيد من الشقاق إذا ما استجاب لها زعيم متهور أو قائد أهوج. إن اليمن اليوم في مأمن وسلام بفضل سياستها الحكيمة وبالمقابل فإن العراق تحولت إلى محضن للإرهاب ، وهناك دول أخرى قد تتبعها نتيجة لسيطرة الطيش والنزق على سياستها، ويخطئ من يظن أن هناك مقاومة كبيرة في العراق تابعة لحزب البعث أو لصدام فلو كان ذلك صحيحاً لظهرت ردود عنيفة وغير عادية بعيد الحكم عليه بالإعدام ، وما حصل لم يتعد مظاهرات لمئات الأشخاص ، وحوادث عنف أصبحت روتينية ومرافقة للاحتلال ، وإذا كان من مفاجآت هو أن تتبنى (القاعدة) انتقاماً مناسباً له ، وذلك غير مستبق إذا ما تفحصنا تغير خطاب القاعدة نحو صدام من السلب إلى الايجاب بعد سقوطه. أخطأ كثيرون وقد منكون منهم في الاعتقاد بأن الاحتلال الأمريكي ، رغم سلبياته ، سيحمل معه إلى المنطقة رياح وتباشير الديمقراطية ، والحرية ، وثقافة المجتمع المدني..فأثبتت السنوات الثلاث أن الذي ظهر وطفى وتجبر هو العنف والإرهاب .. وثقافة التطرف المسيئة للإسلام .. باسم الإسلام .. أما أمريكا ، فإنها قد ورطت نفسها ومن الأفضل للعرب ولها .. أن ترحل عن العراق وسنكون لها من الشاكرين إذا ما أخذت معها مشائخ الإرهاب. * صحيفة الجمهورية