حضرموت.. مسلحو الهضبة يهاجمون قوات النخبة والمنطقة الثانية تصدر بيان    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على 5 محافظات ومرتفعات 4 محافظات أخرى    شبوة:فعالية تأبينية مهيبة للإعلامي والإذاعي وكروان التعليق الرياضي فائز محروق    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    ريال مدريد يختصر اسم "البرنابيو" ويحوله إلى ملعب متعدد الأغراض    الذهب يهبط من أعلى مستوياته في 3 أسابيع    استئناف الدوري اليمني.. قرارات حاسمة من اتحاد الكرة ترسم ملامح المرحلة المقبلة    مناقشة آليات توفير مادة الغاز المنزلي لمحافظة البيضاء    وزير الصحة: اليمن يواجه أزمات مركبة ومتداخلة والكوارث المناخية تهدد الصحة العامة فيه    واشنطن تفرض عقوبات على 32 فردا وكيانا على علاقة بتهديد الملاحة الدولية    واشنطن تكشف عن التنازلات التي قدمها الشرع في البيت الأبيض    لجنة من وزارة الدفاع تزور جرحى الجيش المعتصمين بمأرب وتعد بمعالجات عاجلة    العراق ضد الإمارات بالملحق الآسيوي.. هل يتكرر سيناريو حدث قبل 40 عاما؟    اول موقف من صنعاء على اعتقال الامارات للحسني في نيودلهي    انهيار مشروع نيوم.. حلم محمد بن سلمان اصطدم بصلابة الواقع    خديعة العروبة والوحدة.. حين تكرر التاريخ على أرض الجنوب    لماذا قتلوا فيصل وسجنوا الرئيس قحطان؟    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    قضية الجنوب: هل آن الأوان للعودة إلى الشارع!    ثم الصواريخ النووية ضد إيران    حل الدولتين في فلسطين والجنوب الغربي    إعلان نتائج الانتخابات العراقية والسوداني يؤكد تصدر ائتلافه    جروندبرغ يقدم احاطة جديدة لمجلس الأمن حول اليمن 5 عصرا    الكشف عن 132 جريمة مجهولة في صنعاء    تدشين منافسات بطولة الشركات لألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    ندوة تؤكد على دور علماء اليمن في تحصين المجتمع من التجريف الطائفي الحوثي    الإعلان عن القائمة النهائية لمنتخب الناشئين استعدادا للتصفيات الآسيوية    الأمم المتحدة: اليمن من بين ست دول مهددة بتفاقم انعدام الأمن الغذائي    شبوة تودّع صوتها الرياضي.. فعالية تأبينية للفقيد فائز عوض المحروق    مناقشة جوانب ترميم وتأهيل قلعة القاهرة وحصن نعمان بحجة    بكين تتهم واشنطن: "اختراق على مستوى دولة" وسرقة 13 مليار دولار من البيتكوين    قراءة تحليلية لنص "اسحقوا مخاوفكم" ل"أحمد سيف حاشد"    افتتاح مركز الصادرات الزراعية بمديرية تريم بتمويل من الاتحاد الأوروبي    القرود تتوحش في البيضاء وتفترس أكثر من مائة رأس من الأغنام    مفتاح: مسيرة التغيير التي يتطلع اليها شعبنا ماضية للامام    من المرشح لخلافة محمد صلاح في ليفربول؟    المنتصر يدعوا لإعادة ترتيب بيت الإعلام الرياضي بعدن قبل موعد الانتخابات المرتقبة    دربحة وفواز إلى النهائي الكبير بعد منافسات حماسية في كأس دوري الملوك – الشرق الأوسط    حضرموت.. تُسرق في وضح النهار باسم "اليمن"!    عالميا..ارتفاع أسعار الذهب مدعوما بتراجع الدولار    احتجاج على تهميش الثقافة: كيف تُقوِّض "أيديولوجيا النجاة العاجلة" بناء المجتمعات المرنة في الوطن العربي    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن في عيونهم
نشر في 26 سبتمبر يوم 04 - 02 - 2007

الضحايا يحتفظون في ذاكرتهم بالمعاناة لفترة أطول بكثير ممّا يحتفظ بها الجناة ". قاعدة أثبت التاريخ صحّتها .. بيد أنّ الخلاف يكمن في اعتبار كلّ طرف أنّه الضحيّة و أنّ الآخر هو الجاني .
فالغرب يعتبر الشرق قد جنى عليه في مراحل كثيرة كفتح الأندلس و القسطنطينيّة و معركة بلاط الشهداء ، و حديثاً في الهجمات الإرهابيّة التي تستهدفه في عقر داره و في كلّ مكان في العالم .
كما أنّ الشرق يعتبر ذاته ضحيّة للجاني الغربي ، منذ أيّام الحروب الصليبيّة و الاستعمار و الاحتلال الصهيوني المستمرّ ، و حديثاً بالاحتلال الأمريكي و بوصم كلّ مسلم أينما كان بوصمة الإرهاب .
بعد أن ناقش الجزء الأوّل من"نحن في عيونهم" النظرة للعربي و المسلم في الأدب و الإعلام الغربي ، سيتمّ استعراض نتيجة هذه الصورة على المسلمين في المجتمعات الغربيّة و في الأحداث السياسيّة الموجّهة ضدّهم.
نحن في مجتمعاتهم
لعلّ (بول فندلي) العضو السابق في الكونغرس الأمريكي عن ولاية إيلينوي طوال 22عاماً ، ليُعدّ من أكثر من أنصف العرب و المسلمين في كتابه الأخير (لا سكوت بعد اليوم) .
ففي معرض تقديمه الدليل للغرب على الصورة المغلوطة التي يحفظونها عن المسلمين ، يسوق فندلي إحصائيّات و أسماء عن مسلمي أمريكا قائلاً : " نسبة المسلمين المتدينين الذين يحافظون على أداء الواجبات الدينية هي النسبة الأعلى بين أتباع الديانات الأخرى ، وبعض التقديرات تعتقد أنهم يصلون إلى 17 مليون في أمريكا وحدها ويعيش منهم حوالي مليون مسلم في كاليفورنيا ومثلهم في نيويورك ، كما تُقدّر المساجد في أمريكا بستة آلاف مسجد ".
و يضيف قائلاً : "كان المسلمين حوالي 25% من الأفارقة الذين جلبوا إلى القارة الأميركية وبيعوا عبيدا، وقد أُجبر هؤلاء على التخلي عن دينهم، وقد وصل البحارة المسلمون إلى أميركا عام 1178م أي قبل كولومبوس ، الذي وصل إلى أميركا بمعونة بحارة مسلمين ، بثلاثة قرون . كما هاجر عدد كبير من عرب إسبانيا إلى أميركا هرباً من محاكم التفتيش الكاثوليكية، وكان ثمة مسلمون بين الصينيين الذين استقدموا للعمل في بناء شبكة السكك الحديدية، كما كانت أضخم هجرة للمسلمين في أواخر ستينات القرن العشرين وأغلبها من جنوب آسيا والدول العربية. ويمثل السود 30% من المسلمين ومثلهم من جنوب آسيا، والعرب 10%، والأتراك10%، والإيرانيون 3% ، ولا تزيد نسبة البطالة بين مسلمي أمريكا على 2% أي نصف المعدل القومي، وأما نسبة الجرائم بينهم فهي متدنية ".
و يورد فندلي بعض الأسماء الإسلاميّة المشهورة في المجتمع الأمريكي ك "الأفريقي محمد علي بطل العالم في الملاكمة، وكريم عبد الجبار لاعب كرة السلة، ومن المسلمين غير الأفارقة يبرز عدد كبير في شتّى المجالات العلميّة، منهم أحمد زويل المصري عالم الكيمياء الحائز على جائزة نوبل عام 1999 ، وراي إيراني من قادة شركة "أوكسدنتال" النفطية، وإبراهيم أبو لغد رئيس دائرة العلوم السياسية في جامعة نورث ويسترن، ورشيد الخالدي الأستاذ في جامعة شيكاغو، وهشام شرابي من جامعة جورجتاون ومدير مركز تحليل السياسات في واشنطن ".
و قد أكّد فندلي أنّ الصور النمطيّة الخاطئة التي رسمها الغرب لعقود طويلة عن العرب و المسلمين لم تكن إلاّ نتيجة ل "جهل الأمريكيّين الذين لم يقابل معظمهم أيّ مسلم ، كما لم يقرأ أكثرهم و لو حتّى آية من القرآن الكريم أو كتاب يتحدّث عن الإسلام ، و لم يناقشوا الإسلام مع أيّ شخص مطّلع ". بل إنّ الأمريكيّين خصوصاً "يعتمدون على الصور النمطيّة الإعلاميّة و على ما يردّدّه الناس ".
و يضرب المثال على ذلك بما حدث معه حيث يقول : " منذ طفولتي و حتى خريف العمر استقرت صورة نمطية مضللة في ذهني عن العرب و المسلمين ؛ فقد كانت معلمة مدرسة الأحد المسيحية تقول لنا أن شعبا أميّاً بدائيّاً و ميّالاً للعنف يعيش في مناطق صحراوية و يعبد إلهاً غريباً ، كانت تسميهم محمديين و تواظب على قول أن هؤلاء ليسوا مثلنا ".
و يذكر فندلي أنه " بسبب إحجام المسلمين عن تصحيح هذه الصورة" فقد استقرت في ذهنه حتّى بدأت علاقته بالإسلام والعرب بدون تخطيط عندما سافر عام 1974 إلى عدن للتوسط في إطلاق سراح مواطن أميركي معتقل هناك، و يذكر فندلي أنّ هذه الرحلة كانت قد فتحت عينيه على "ثقافة مستندة إلى الشرف والكرامة، وقيمة كل إنسان، والتسامح وطلب العلم".
و يؤكد فندلي أن التصورات الخاطئة عن الإسلام هي في معظم المرّات" نتاج للصراع العربي الإسرائيلي".
بالإضافة ل " النشاط الحثيث الذي تبذله جماعة الضغط لصالح المساعدات الأمريكية لإسرائيل ، إذ تحرص على الترويج بأن إسرائيل تعيش حالة مواجهة دائمة مع أخطار جدية مصدرها مجموعات الإرهابيين المسلمين".
و كان مركز (بيو) الأمريكي للأبحاث و الدراسات قد أورد إحصائيّة أخيرة عن نظرة الغرب للشرق. فكانت بعض النتائج كالتالي : " أبرز السلبيّات التي يراها الغربيون في المسلمين هي : العنف، التطرف، الغطرسة، نسبة الفرنسيّين الذين وجدوا في المسلمين عنفا 41%، تطرفا 50%، غطرسة 38%. في ألمانيا يرون المسلمين عنيفين بنسبة 52% ، 78% يرونهم متطرفين و28% يرون فيهم غطرسة، في روسيا الذين يرونهم عنيفين 59%، متطرفين 72%، متغطرسين 51% ، أمّا في أسبانيا فالنسب كانت للعنف 60%، التطرف 83%، الغطرسة 42% أي النسبة الأعلى نجدها في أسبانيا التي كنا نفترض أنّ لا مشكلة بينها و بين المسلمين ".
كما أنّ بعض نسب الغربيين الذين يعتقدون أن المسلمين لا يحترمون النساء هي كالتالي: في أسبانيا النسبة الأعلى 83%، ألمانيا 80%، فرنسا 77%، الولايات المتحدة 69%، بريطانيا 59% .
بالنسبة للطرف الذي يُحمّله الغربيّون مسؤولية الصراع في الشرق الأوسط كان ما يلي : في فرنسا الذين حملوا المسلمين المسؤولية 47% الغربيين 28% اليهود لا أحد. في ألمانيا المسلمين تحملوا المسؤولية بنسبة 39% الغربيين 17% اليهود لا أحد ، في أميركا تحمّل المسلمين المسؤوليّة بنسبة 33% ، الغربيّين 26% واليهود لا أحد .
و في ذات الإحصائيّة فإنّ "الصفات الجيدة" كما يراها الغرب في المسلمين هي : التمسك الصادق بمعتقداتهم الدينية وحبهم للإسلام والكرم في الضيافة والروابط الأسرية العميقة، فيما الصفات السيئة الأخرى هي عدم التوحد أو التعاون فيما بينهم والفساد السياسي.
إلاّ أنّ المدير التنفيذي للدراسات الإسلامية بمؤسسة غالوب داليا مجاهد تؤكّد أنهم عندما سألوا الأمريكيّين عن الصفات التي تعجبهم في العرب المسلمين كان جوابهم الأوّل (nothing) أو (I don't know).
و لعلّ ممّا يلفت النظر أنّ الصحف العالميّة و العربيّة لا تكاد تخلو يوماً من خبر اصطدام ما بين المسلمين الذين يقطنون مجتمعات غربيّة و ما بين المواطنين الأصليّين في تلك المجتمعات . أحد هذه الأخبار كان عن منع السلطات الامريكية في مطار (دينفر) في ولاية كولورادو طبيباً كنديّاً مسلمًا من مواصلة رحلته على متن طائرة تابعة لشركة "يونايتد ايرلاينز" الامريكية، وقامت باستبعاده تحت حراسة الشرطة ، بعد ان رفض طاقم الطائرة السماح للدكتور أحمد فاروق بالسفر على متنها بحجة قيامه بتصرفات تثير الشبهة.
وذكرت شبكة "سي بي سي" الاخبارية الكندية التي نشرت الخبر في يوم 18-8-2006 أنّ " أحد المسافرين أبلغ طاقم الطائرة أنّ راكباً يتصرف بطريقة مريبة" ، بعد أن رآه "يصلّي المغرب وهو جالس على مقعده وأنه قد يكون إرهابيا "، ما أدّى لطرده من الطائرة .
وقد دافع متحدث باسم شركة "يونايتد ايرلاينز" عن الاجراء الذي اتخذ في حقّ فاروق قائلاً أن من واجب طاقم الطائرة أن يأخذ أيّ تهديد قد يعرّض حياة المسافرين للخطر على محمل الجد .
و كان من بين التصريحات التي أثارت حفيظة المسلمين في المجتمع الأمريكي ، تلك التي أدلى بها الرئيس بوش مستخدماً عبارتيّ "حرب صليبيّة" و "المسلمين الفاشيّين". إلاّ أنّ الجالية المسلمة التي بدأت أصواتها تتعالى احتجاجاً هي تلك الموجودة في هولندا ؛ فقد نقلت صحيفة (ديلي تلجراف) على لسان محمد أوصلاح نائب رئيس جمعية الائمة في هولندا أنّ" 180 من 450 مسجدا في هولندا لم يعد بها أئمة لأنّ الأئمّة يغادرون البلاد" ، و قد أبدى أوصلاح تخوّفه من "احتماليّة أن يملأ المتطرّفون مكان هؤلاء الأئمّة" .
و جدير بالذكر أنّ الحكومة الهولنديّة كانت قد كثّفت الحملة ضد الهجرة وهددت بترحيل من يفشلون في الحصول على حق اللجوء وطالبت المهاجرين الجدد بتعلّم اللغة الهولندية وإكمال برنامج إلزامي للاندماج في المجتمع الهولندي الذي يبلغ تعداد المسلمين فيه مليون نسمة في دولة كانت تعدّ دولة متسامحة لكن التوترات العرقيّة بدأت تظهر في السنوات الاخيرة لاسيّما بعد مقتل المخرج (ثيو فان جوخ) على يدّ مسلم هولندي متطرف في عام 2004 بسبب انتقاده العلني للإسلام.
و كان (رايس ديفس) بطل فيلم (سيّد الخواتم) قد أثار عاصفة من الاحتجاجات ليس فقط بسبب فيلمه المسيء للإسلام بل بسبب تصريحاته عن المسلمين في المجتمع الهولندي و التي قال فيها : " ثمّة مشكلة ديموغرافية في مجتمعاتنا نحجم عن التصريح بها خوفاً من اتهامنا بالعنصريّة ، إلاّ أنّ الاحصائيّات تقول أنه بحلول العام 2020 سيكون 50% من الطلبة تحت سنّ الثمانية عشر في هولندا وحدها هم من المسلمين . و هذا يعني أنّ الأجيال الناشئة الغربيّة ستكون في مرحلة تحدّي ، إن لم ترقى لمستواه فحضارتها ستكون في خطر كبير".
و قد أردف قائلاً :" وجهة نظري في وزير فرنسي يطير للقاهرة لأخذ مصادقة رجل دين في أحد المساجد هناك حول قرار حظر الحجاب ، برأيي يأخذ منحيين: من وجهة نظر ثقافية فهذه حساسيّة و شفافيّة زائدة ، و من وجهة نظر أخرى فهذا إفساح مجال لمرجعية غير معتبرة تقبع خارج أوروبا " .
مضيفاً :" ليس من التسامح إطلاقاً أن نغضّ الطرف عن عدم احترام الآخرين لثقافتنا و مجتمعنا ، أن لا أكون عنصريّاً لا يعني إطلاقاً أن أتهاون بشأن ثقافتي .لا يمكنني نسيان منظر المسلمين و هم يرقصون و يقفزون في أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ، بينما نحن لم نأل جهداً و لا حزناً عندما ضرب إيران المسلمة زلزال مدمّر" .
يعلّق على وضع المسلمين في المجتمعات الغربيّة أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنيّة الدكتور أحمد نوفل قائلاً : " لابدّ من الإقرار بالخطأ الحاصل من كلا الطرفين الإسلامي العربي من جهة و الغربي من جهة أخرى ، فالغرب يغضّ الطرف عن معظم الأعراق باستثناء العرب و المسلمين ، فهاهم السيخ بعمائمهم و اليهود بقبّعاتهم ينتشرون في الغرب من غير حدوث تلك المضايقات التي تحيق بالمسلمين ، و لكنّ المسلمين يتحمّلون جزء من المسؤوليّة في مبالغتهم أحياناً على صعيد المظهر و التصرّفات ".
و يضرب المثال على ذلك ب "النساء المسلمات اللواتي ذهبن لمقابلة وزير الخارجية البريطاني جاك سترو و هنّ يرتدين الخمارات السوداء " ، حيث يرى نوفل أنّ ذلك "من قبيل المبالغة لأنّ الجدل دائر أصلاً حول الخمار في العالم الإسلامي فكيف بالعالم الغربي ؟" .
و يضيف : "درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح ، فالأفضل أن ترتدي المحجّبات هناك غطاء رأس و لباس ساتر ، كما على الرجال أن لا يبالغوا في إعفاء لحاهم و تقصير أثوابهم و إلى غير ذلك من الشكليّات التي تعطي انطباعاً للغرب بالتمرّد الإسلاميّ ".
و يدعو نوفل للتمييز ما بين "ما يمكن التنازل فيه و ما لا يمكن ، حيث لا تنازل في الصلاة أو عدم معاقرة المحرّمات ، كما أنّ من الجميل أن يلتحق أبناء المسلمين هناك بمدارس تعلّم الإسلام و العربيّة و لكن من غير التدقيق على الشكليّات الآنفة الذكر و التي من الممكن التنازل عنها بسهولة ".
نحن في سياستهم
يصف جين بيرد أحد الموظّفين السابقين في الخارجية الأميركية استخدام الصورة النمطية الجاهزة عن "الإرهاب الإسلامي" بمثابة"زرّ ساخن" يُستخدم لتسويغ الممارسات الإسرائيلية القاسية. كما أنّ هذا التنميط " يُشجع على اتخاذ قرارات مكلفة على الشعب الأميركي كإقرار هبات سنوية تبلغ 4.7 مليار$ " .
و كان توماس فريدمان صاحب كتاب (العالم مسطّح) ، قد قال في إحدى مقالاته التي نشرتها جريدة الشرق الأوسط بعنوان (تفجيرات لندن على أيّ الملاعب ترمي بكرة اللهب؟): "الانفجارات التي وقعت في لندن مثيرة للقلق، لأنها انفجارات في وطننا الأم وأقرب حلفائنا، و هو ما يعني وصول هذا السلاح الجهادي الرهيب الى قلب عاصمة غربية رئيسية، لأنّ المجتمعات المفتوحة تعتمد على الثقة، والثقة بأن الشخص الجالس الى جوارك في الحافلة او في مترو الأنفاق، لا يحيط وسطه بديناميت. لقد أصبح معظم المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية مثيرين للشبهة، لأنهم قد يكونوا قنبلة متحركة محتملة ".
و يضيف قائلاً : " نسبة لعدم وجود هدف واضح للانتقام ، ولعدم توفر عدد كاف من أفراد الشرطة لمراقبة كل شبر في هذه المدينة المفتوحة، فالحلول هي: إما أن يبدأ العالم الاسلامي بلجم متطرفيه والسيطرة عليهم ، وإما ان يفعل الغرب ذلك نيابة عنهم، علماً أن الغرب سيفعل ذلك على نحو متشدّدّ وصارم، بعدم منحهم تأشيرات دخول، واعتبار أيّ مسلم مذنباً حتى تثبت براءته".
و في مقال آخر نشرته الشرق الأوسط بعنوان (سأغضبكم .. شرقكم الأوسط عارياً) قال فريدمان:
"أود أن أقدم للرئيس بوش قواعد عملي الصحافي في الشرق الأوسط ، على أمل أن تساعده فيما يتعين عمله في العراق. و منها : يتعيّن على أيّ صحافي أو ضابط في الجيش الأميركي يرغب بالخدمة في العراق، أن يجري اختبارا يتألف من سؤال واحد: «هل تعتقد أن اقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم؟»، إذا أجاب بالإيجاب فلا يمكنه الذهاب إلى العراق. بوسعه أن يخدم في اليابان أو كوريا أو ألمانيا وليس العراق إذا لم تستطع أن توضح شيئا للشرق أوسطيين بنظرية المؤامرة، فلا تحاول توضيحه على الإطلاق، فإنهم لن يصدقوك / لا تبعث قصتك الاخبارية من لبنان أو غزة أو العراق متحدثاً عن وقف لاطلاق النار. فسينتهي دائما قبل أن تصدر الصحيفة في الصباح التالي،في الشرق الأوسط يمضي المتطرفون قاطعين الطريق كله، أما المعتدلون فيميلون إلى الابتعاد عن الطريق، أكثر العبارات استخداما من قبل السياسيين العرب المعتدلين هي: «كنا سنواجه الاشخاص السيئين، عندما قمتم أيّها الاميركيون الاغبياء بهذا التصرف الغبي. و لو لم تفعلوا ذلك ، لتمكنا من المواجهة، إلا أن الأمر أصبح متأخراً. هذا خطاكم لكونكم بهذا الغباء» الحرب الأهلية في العالم العربي نادرا ما تكون حول الأفكار مثل الليبرالية في مواجهة الشيوعية. بل هي حول أية قبيلة تتولى الحكم ، القضايا العشائرية في الشرق الأوسط نادرا ما ترتبط بمناخ ايجابي. وعندما يكون أحد الأطراف ضعيفا سيقول لك «أنا ضعيف كيف يمكننا التسوية؟» وعندما يكون قويا سيقول لك «أنا قويّ لماذا يجب علي التوصل إلى تسوية؟» يحتار المسلمون إذ يعتبرون أنفسهم يدينون بالدين المتفوق، كيف يمكن لإسرائيل ان تكون بهذه القوة؟ ".
و كان الكاتب الموريتاني محمد الشنقيطي قد شخّص في إحدى مقالاته أسباب هذه الصور النمطيّة سياسيّاً بما يلي : "شركات النفط المؤثرة في صناعة القرار الأميركي التي تريد السائل الذهبي الأسود بأيّ ثمن ، شركات السلاح الأميركية التي تريد عقوداً مربحة وحروباً دائمة، ولو كان وقودها هو الدم الأميركي وغير الأميركي ، اللوبي اليهودي الذي يتخذ من أميركا سُلَّما لأمجاد الدولة اليهودية، ولا يهمّه تورط أميركا أو صراعها مع العالم الإسلامي في سبيل ذلك ، اليمين المسيحي المتصهين الذي يريد التكفير عن استعباد اليهود في الماضي بعبادتهم في الحاضر، ويحاول غسل ذنوبه وعُقَدِه التاريخية بدماء المسلمين ".
و يتابع قائلاً : " على أنّ الأمر في جوهره لا صلة له بصراع الأيدولوجيات أو الأديان، فالفلسطيني الذي يحارب من أجل وجوده والعراقي الذي يحارب من أجل سيادته، لا يحتاجان إلى أيدولوجية إسلامية أو غير إسلامية ليقوما بما يقومان به، كما لم يحتجْ الملحد الروسي إلى دين ليقاوم النازية، ولم يحتج الوثني الفيتنامي إلى دين لمقاومة الاستعمار. فقصّة "صراع الأيدولوجيات" و"صراع الحضارات" مجرد تبريرات وتهويمات فضفاضة تغطي على جوهر الخلاف ونقطة النزاع، وهي استعباد الشعوب، وامتهان كرامتها، واقتلاعها من أرضها ".
و قد ضرب المفكّر المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري مثالاً عن التحيّز السياسي الأمريكي في إحدى مقالاته قائلاً :" حينما كنت أعمل في جامعة الملك سعود (قسم اللغة الإنجليزية وآدابها) تقدّم أحد الأساتذة بأبحاثه للترقية. وكان عدد منها يدور حول صورة الإنسان العربي في بعض الروايات الأمريكية اليهودية ذات التوجه الصهيوني الصريح. وقررت الجامعة، إيمانًا منها بالموضوعية والعلمية، أن ترسل بالأبحاث لعلماء عرب وغير عرب لتقييمها. وكان رد المُحكِّم الأمريكي مدهشًا إلى أقصى درجة، فقد أعاد كل الأبحاث مبينًا في خطابه أنّ الصهيونية ما هي إلاّ (buzz word)، أي "كلمة تصدر طنينًا، ولكنها لا معنى لها"، وهذه هي طريقته الأمريكية في أن يقول إنه لا يوجد شيء اسمه "صهيونية ." ووجهة نظره هذه، هي نتاج تحيز غربي و قد تكون جديرة بشيء من الاحترام لو أن أطفال الانتفاضة ممن فقدوا عيونهم أو أيديهم أو ذويهم تقبّلوها، ولكن جراحهم لا تزال نازفة و الجراح كما نعلم لا تصدر طنينًا لا معنى له."
و في كتابه (السلام المفقود) يقول المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط دينيس روس: " مشكلة العرب أنّهم يريدون من إسرائيل أن تنسحب من أراضيهم دون تطبيع العلاقات و تدفأة التواصل معها ! هذه مجرّد أضغاث أحلام و انعكاس لازدواجيّة شخصيّة العربي ".
و يسوق موقفاً لعمرو موسى حين كان وزير خارجيّة لمصر عندما قال لشمعون بيريز : "على إسرائيل أن تندمج في المنطقة و أن تمتنع عن محاولة الهيمنة عليها " ، ليردّ عليه بيريز قائلاً : "و لماذا تريد إسرائيل أن تهيمن على بؤسكم ؟! ".
و يتابع قائلاً : " إنّ تمترس الفلسطينيّين حول قولهم أنّهم ضحايا لن ينتج عنه سوى الاستمرار في أن يظلّوا ضحايا ، عليهم تجاوز الماضي و القبول بالواقع و تقديم تنازلات مؤلمة ليكون لهم دولة معقولة تحفظ بقايا اسمهم ". و يردف : " على الإسرائيليّين برغم قوّتهم و جبروتهم أن يدركوا و الفلسطينيّين برغم غضبهم و عمليّاتهم الانتحاريّة أنّ أحداً منهم لن يستطيع إنكار الآخر تاريخيّاً و جغرافيّاً ، و أنّ قدر الشعبين أن يعيشا معاً و لو تمنّى كلّ منهم غير ذلك ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.