لا يختلف عاقلان على علاقة بما يدور في هذا العالم على ان الخطاب الاخير للرئيس باراك اوباما والذي تناول فيه الوضع في الشرق الاوسط تضمّن جديدا. ولكن بغض النظر عن مضمون الخطاب يظل السؤال المطروح هل يمتلك اوباما القدرة على تنفيذ وعوده؟ لا شك ان خطابه الاخير الذي تحدث فيه عن رؤيته للتسوية في المنطقة كان خطابا شجاعا بكلّ معنى الكلمة. للمرة الاولى، هناك رئيس اميركي يتحدث عن "خطوط العام 1967" بصفة كونها مرجعية المفاوضات والتسوية التي يتطلع اليها المجتمع الدولي. الاهمّ من ذلك، يأتي كلام الرئيس الاميركي عن حدود للدولة الفلسطينية "القابلة للحياة" مع كل من مصر واسرائيل والاردن، بمثابة تأكيد لضرورة ان لا يكون هناك وجود اسرائيلي في اراضي الدولة الفلسطينية المستقلة. ينسف هذا الكلام الاميركي عن حدود الدولة الفلسطينية النظرية الاسرائيلية التي يتمسك بها بنيامين نتانياهو والتي تدعو الى ابقاء السيطرة الاسرائيلية على المنطقة الفاصلة بين الضفتين الغربية والشرقية وهي مجرى نهر الاردن... حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية. دفع ذلك برئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس الى القول لرئيس الوزراء الاسرائيلي في لقائهما الاخير قبل اشهر عدة انه يفضل الاحتلال على بقاء الوجود العسكري الاسرائيلي في اراضي الدولة الفلسطينية المستقلة. كل ما فعله اوباما في خطابه الاخير كان الاعلان عن وجود مبادئ عامة لا يمكن تجاهلها او القفز عنها في حال المطلوب ايجاد تسوية. ذهب الى ابعد ما ذهب اليه الرئيس بيل كلينتون لدى عرضه اواخر العام 2000 اطارا عاما للتسوية تفادى الاشارة صراحة الى خطوط العام 1967 التي يصرّ عليها الجانب الفلسطيني. في الواقع، لم يحد الرئيس الاميركي عن الخطوط العامة للحلول والصيغ التي توصّل اليها الفلسطينيون والاسرائيليون في المفاوضات الطويلة التي جرت بينهما في شرم الشيخ وطابا اواخر العام 2000 بعد فشل قمة كامب ديفيد بين الرئيس بيل كلينتون وياسر عرفات، رحمه الله، وايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك. في تلك المفاوضات، استطاع الفلسطينيون والاسرائيليون ايجاد حلول بنسبة كبيرة تصل الى ما يزيد على خمسة وسبعين في المائة من المشاكل الشائكةاستنادا الى خطوط 1967 مع تعديلات عليها تقوم على "تبادل للاراضي". انه التعبير الذي استخدمه اوباما في خطابه الاخير الذي اختار القاءه من مبنى وزارة الخارجية الاميركية. جاء ارييل شارون الذي شكل حكومته في آذار- مارس من العام 2001 ليطوي صفحة التسوية من منطلق ان "لا وجود لشريك فلسطيني" يمكن التفاوض معه. بين 2001 و2011، لم يتغيّر شيء اسرائيليا. يؤكد ذلك رد فعل نتانياهو على خطاب اوباما. اعترض رئيس الوزراء الاسرائيلي اول ما اعترض على خطوط العام 1967. كلّ ما في الامر انه يعتبر ان الوقت يعمل لمصلحته وان في استطاعته تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. الى الآن، نجح في ذلك الى حدّ كبير مستفيدا من عوامل عدة بينها الغياب العربي ووجود حلف غير معلن مع "حماس" التي تسيطر منذ العام 2007 على قطاع غزة وتشارك اسرائيل رغبتها في القضاء على مؤسسات الدولة الفلسطينية المرتقبة. منذ فشل قمة كامب ديفيد صيف العام 2000، انحصر الهم الاسرائيلي في منع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. ولذلك، كان هناك تركيز على تدمير أيّة مؤسسة يمكن ان تلعب دورا مساعدا في قيام الدولة الفلسطينية. وهذا يفسّر الى حدّ كبير تشجيع "حماس" في حربها على السلطة الوطنية. هل سيتغيّر شيء بعد الخطاب الاخير لاوباما؟ من الواضح ان اسرائيل لا تزال تقاوم التسوية. لا يزال رهان نتانياهو على التفاوض من اجل التفاوض وليس من اجل التوصل الى حلول. الثابت ان خطاب الرئيس الاميركي تضمن مواقف متقدمة تسمح للجانب الفلسطيني بالمطالبة بالعودة الى المفاوضات من منطلق انه صارت لها مرجعية معقولة ومقبولة تتفق مع قرارات الشرعية الدولية. ولكن يبقى في النهاية، هل ما طرحه اوباما موقف اميركي ستعمل ادارته على وضعه موضع التنفيذ ام انه مجرد وجهة نظر؟ في تاريخ الشرق الاوسط الحديث، لم يتم التوصل الى اي اتفاق عربي- اسرائيلي من دون دور فعّال للولايات المتحدة. شئنا ام ابينا، لم يكن هناك مجال للوصول الى اتفاقي كامب ديفيد في خريف العام 1978 لولا جهود الرئيس جيمي كارتر الذي اخذ على عاتقه اقناع مناحيم بيغن بأن لا خيار امامه سوى توقيع الاتفاقين اللذين انبثق عن احدهما معاهدة السلام المصرية- الاسرائيلية التي غيّرت في العام 1979 طبيعة الشرق الاوسط وقلبت التوازنات في المنطقة كلها. اما الاتفاق الاخر المتعلق بالحكم الذاتي للفلسطينيين فلا يزال معلقا حتى الآن... ما الذي سيفعله باراك اوباما بعد خطابه؟ هل يثبت انه لا يمكن الاستخفاف به باي شكل وانه اكثر جرأة مما يعتقد بدليل اصطياد ادارته لاسامة بن لادن في وقت كان الاعتقاد السائدهو انها تخلت عمّا يسمى "الحرب على الارهاب". ايام قليلة سنعرف بعدها هل صارت هناك سياسة اميركية متماسكة في الشرق الاوسط؟ هل استعاد باراك اوباما المبادرة... ام ان الامر لا يتجاوز الادلاء بوجهة نظر عبر خطاب يسجّل موقفا للتاريخ لا اكثر!