من يراقب المشهد السياسي اليمني بعد اتفاق مبادئ مسقط وزيارة كيري الأخيرة إلى السعودية يوم 18/12/2016م سيجد أن فارقاً سياسياً مهماً بل بالغ الأهمية في مسار الصراع العسكري والسياسي اليمني ويعتبر هذا الفارق بداية جديدة لمسار خارطة سياسية أقرتها الدول الأربع (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات) ووقع على مبادئها مندوب الوفد الوطني للمفاوضات محمد عبدالسلام نيابة عن صنعاء ووزير خارجية أمريكا نيابة عن الدول الأربع وتغيب أو غيب عن هذا الاتفاق هادي وحكومته. تطور تابعه الداخل والخارج باهتمام كبير.. فهل سينتهز حزب الإصلاح اللحظة الزمنية السياسية الفارقة ويغير مسار سياسته ومضمون مواقفه المراوحة مكانها منذ مغادرتهم العاصمة صنعاء إلى مقر إقامتهم في الرياض؟! العقل والمنطق السياسي يدعوهم وكذلك مصلحتهم السياسية ومصلحة الوطن تحتم عليهم التعامل الإيجابي مع هذا التحول السياسي الكبير فيكفيهم ما خسروا سياسياً وشعبياً طيلة الحرب, فقد كانوا ولازالوا جزءاً من الغطاء السياسي الرئيسي للحرب التي فرضت على بلدهم وشعبهم وقد كانوا كذلك ولازالوا جزءاً من رأس الحربة في المعارك العسكرية وخسروا الكثير من التأييد الشعبي الذي كانوا يراهنون عليه في تحريك الشارع السياسي في الماضي نتيجة سلبيتهم وتجاهلهم معاناة شعبهم خصوصاً بعد تلك المجازر ضد المدنيين في الأسواق وصالات الأفراح والتجمعات السكانية والمآتم التي زاد عددها عن ستين مجزرة ولم يسمع الشعب تنديداً واحداً من حزب الإصلاح يستنكر تلك المجازر ويطالب على الأقل تجنيب المواطن ومعيشته من غارات طائرات التحالف. أعود إلى انتهاز اللحظة السياسية التي أتمنى على عقلاء حزب الإصلاح استغلالها ووضع حد لجمودهم السياسي ويتحرروا من ضيق المنزلة بين المنزلتين: منزلة قيد بقائهم في الرياض وضيق حركتهم السياسية إلا مع ما يتوافق ورؤية الرياض ومنزلة ثوابت ما يسمى بالشرعية والتدخل الإيراني في اليمن. أما الأولى فهم يعرفون قبل غيرهم أن المملكة السعودية لم تزج بنفسها في أتون العدوان بالجيش والمال والمواقف السياسية من أجل ما يسمى بالشرعية وكرامة وأمن اليمن فلهم أجندتهم ورؤيتهم السياسية حيال اليمن منذ زمن طويل من منطلق رؤيتهم لمصلحة سياسة بلادهم وحلمهم بأن تكون السعودية دولة إقليمية ثالثة ذات فعل وتأثير على الساحة العربية والإسلامية, ناهيك عن أن السعودية والإمارات تنظر إليكم كحزب إرهابي بعد هرولتكم المشهورة في تأييد الإخوان في مصر ومواقفكم السياسية الواضحة ضد السعودية وضد حكامها الذين يحكمون من غرف الإنعاش. أما الثانية فيا إخوتنا في الإصلاح أنتم تعرفون قبل غيركم أيضاً أن هادي وشرعيته من استأصل السلفيين من دماج ومن ساعد الحوثيين على آل الأحمر ومن بدهائه ومؤامراته استطاع ضرب الإصلاح في عمران وخذل اللواء علي محسن مع فرقته وأخرجه وكل قيادات الإصلاح من صنعاء واستطاع من خلال أعضاء حزبكم أن يفشل حوار موفمبيك والذي كان على وشك النجاح بشهادة بن عمر. وأما الحديث الممجوج عن التدخل الإيراني في اليمن فحزب الإصلاح يعرف الحقيقة بكل أبعادها ولا داعي للخوض في تلك «الانتهازية الإيرانية» ولعبتها الناجحة التي استطاعت من خلالها إغراق السعودية ومن معها في رمال وجبال اليمن في حرب خاسرة. أعود إلى أهمية انتهاز الإصلاح اللحظة السياسية التي تطبخ على نار هادئة فالحكمة تدعو الإصلاح إلى إعادة تقييم أدائه السياسي خلال السنوات الأخيرة والنظر بعين الباحث عن المخرج الأقل ثمناً خصوصاً ومحيطه العربي والإسلامي يضيق جغرافياً على حركة الإخوان المسلمين بفعل التغييرات على الساحة الأمريكية والأوروبية ونظرة الغرب إلى حركة الإخوان المسلمين كحركة إرهابية يجب محاربتها, ناهيكم عن الأهم هو أن رهان دخول صنعاء قد فشل ولا أمل من الحل العسكري فهو يعني مزيداً من الدماء والدمار دون نهاية واضحة وأن الحل الأنجع والأكثر واقعية بعد أكثر من عام وعشرة أشهر من الحرب يكمن في المصالحة الوطنية والعودة إلى روح التسامح السياسي فإخوانكم في صنعاء من المؤتمر والأنصار وكل حلفائهم هم الأقرب إليكم دماً ونسباً وإخوة والجميع عليهم مسؤولية وقف الحرب والمشاركة الصادقة في وضع أسس للمصالحة الوطنية وإعادة بناء ما دمرته الحرب وجبر مصاب أهلهم من أبناء الشعب فيكفي قتالاً وخراباً. واعتقد أن على حزب التجمع اليمني للإصلاح أن يعي طبيعة المتغيرات السياسية خلال عامين ونيف, كذلك عليه أن يتصور قدر تغير المزاج الشعبي بعد العدوان والحرب فما قبل الحرب ليس مثلما بعدها.. وكما نطلب من الإصلاح انتهاز اللحظة نطلب كذلك من المؤتمر والأنصار عدم التهويل في الخسارة الشعبية لحزب الإصلاح.. فنعتقد انه لازال له مجاميعه الصامتة وخلاياه النشطة ولازال بإمكانه أن يلعب بحرفية في المستقبل. وإذا كانت السياسة هي «فن الممكن» فعلى حزب الإصلاح أن ينتهز اللحظة السياسية ويعود إلى المربع السياسي اليمني ويراهن على عودته إلى صنعاء بالحوار والمصالحة الوطنية والخوف إذا استمر في جموده أن يضيع عنب صنعاء وبلح عدن وحتى ملح مارب. والله من وراء القصد،،،