اليوم نعيش ذكرى أعظم مأساة وكارثة إنسانية عاشها الشعب اليمني في ال13 من يناير1986م حيث اندلعت في عدن حرب شوارع بعد أن تمت تصفية قيادات كبيرة من الحزب الاشتراكي اليمني وكانت تتم التصفيات بالبطاقة بحيث تم استهداف قيادات أخرى كان لها دور بارز في ترسيخ النظام وعلى رأس الجميع المناضل الكبير عبد الفتاح إسماعيل الذي لا تزال الأخبار تتضارب حول مصيره ومن أقدم على تصفيته، البعض يقول أنه الرئيس السابق علي سالم البيض لأنه كان معه في نفس الدبابة وآخرون يقولون أنه شخص آخر وأنه خرج من صالة الاجتماعات حيا بعد ذلك أختفت أخباره، المهم أن أحداث 13 يناير المأساوية مثلت منعطفاً خطيراً خلفت تداعيات مخيفة وترتبت عليها عواقب وخيمة يكفي أنها أعادت القبيلة إلى الواجهة وجعلتها صمام أمان ومصدر ترجيح لبقاء الشخص في سدة الحكم، وهنا تتضح إشكالية كبيرة إذ أن البعض خاصة علماء الدين يصرخون من الحزبية ويعتبرونها شر مستطير وهو اعتقاد خاطئ لأن الحزبية مجرد مسمى ومحتوى حضاري يهذب السلوك أن اُحسن التعاطي معه وهذه الإشكالية لا ترتبط بالأحزاب في مجتمعنا العربي والإسلامي فقط لكنها بدأت من الاسلام نفسه إذ انه بغياب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدث التنازع والتجاذبات من يحكم من ومن المؤهل لقيادة الآخر للأسف حولوا الدين إلى وسيلة للترجيح والمزايدة وهكذا حدث بالنسبة للأحزاب فلقد انزلق المسار العام للاهتمامات وبرامج التثقيف بفكر الحزب إلى حلقات ضيقة أتسمت بالنفاق والتزلف والحديث عن القيادة التاريخية والقائد الملهم والضرورة والمعجزة. حماية هذه التوجهات البغيضة أقتضت استحضار الطائفية والمناطقية والقبلية من أوكارها السحيقة بهدف التجييش العشوائي وترجيح الكفة من قبل كل طرف وأن على حساب المبادئ والقيم التي وضعها الحزب لتسيير شؤونه وضبط سلوكيات أعضائه لكن هذا التحول الخطير أجج رغبات الثأر والانتقام من الآخر المخالف وأن في نطاق الحزب نفسه، وعندما غدت هذه الأفكار ممنهجة ومرعية فقد فاقمت الأوضاع وجعلت الرغبات المشبوهة تتعاظم وتستهدف الواقع وتجعل رفاق الدرب يوجهون فوهات البنادق إلى بعضهم البعض بما يوحي أن التجربة وصلت إلى أفق مسدود فقدت معه الفاعلية وقوه الحضور بنفس الأفق الحضاري وعادت إلى الاستعانة بالقبيلة «وكأنك يا ابو زيد ما غزيت ..» وهذا ما جعل جورج حاوي أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني يقول ما حدث في عدن مأساة وكارثة بكل المقاييس كنا اعتقدنا لزمن أن الرفاق تجاوزوا الطائفة والقبيلة والمذهب وإذا بأحداث يناير تعيد الأمور إلى نقطة الصفر ، طبعاً هذا التصريح جاء بعد أن كان حاوي نفسه قد تباهى بنظام الحكم في عدن وقال يكفينا أننا بنينا نظاماً للعمال والفلاحين في جنوباليمن وأيده في هذا التوجه جورج حبش أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لكنهم سرعان ما جروا أذيال الخيبة بعد أحداث يناير خاصة أن حبش قال في تصريح سابق يبدو أن اليمنيين على مشارف الإتفاق لتخرج البلاد من الظلمات إلى النور ومن خطوط التماس والمواجهات الدامية إلى رحاب الحوار والمحبة ، ولهذا كانت ماساته أكبر حينما وجد أنه راهن على سراب ، الإيجابية الكبيرة هي ما أنتهى إليه الوضع بعد الوحدة لأن قيادات كبيرة وفي المقدمة علي ناصر محمد تساموا فوق الجراح وقرروا العودة إلى أحضان الحزب متناسين كل ما حدث وهذه الايجابية ستظل مصدر تفاؤل تؤكد أن الحزب مهما شرد بعض أعضائه سيظل مدافعاً عن الوطن مهما كانت الظروف والمهم أن نأخذ مما حدث في يناير العبرة والعظة حتى لا تتكرر المأساة في اليمن بشكل عام. . والله من وراء القصد