ظلت ( الجوف) وعلى امتداد عقود من الزمن لغزا محيرا في وعينا الجمعي ؛فهي المنطقة المخطوفة السيادة والثروة والولاء،فمنذ انتهاء الحرب الملكية الجمهورية-حين كانت الجوف معقل الملكيين والتحالف الاستعماري معهم-لم تعد الجوف الى حضن الدولة في صنعاء إلا اسما في حين بقيت واقعا مرتبطاً بالجار السعودي الذي حرص على ان تظل هذه المنطقة الهامة موطئ قدم له داخل اليمن سواء للهيمنة على ثرواتها الطبيعية والبشرية أو للهيمنة على القرار السياسي ل(صنعاء) وقد ساعد على ذلك ان السلطة في صنعاء -وعلى الاخص في العقود الاربعة الاخيرة -عمدت على حرمان الجوف من أي تنمية تغريها للعودة الى كنفها ؛بل عملت مع حكام الرياض على إبقاء الجوف بالصورة التي ارادوها لها رمزا للتخلف والتمرد على الدولة من خلال دعم شخصيات وقوى سياسية عمقت تلك التبعية. ومع ثورة 21 سبتمبر2014 كانت الجوف قد حزمت امرها؛ وحسمت خيارها الى جانب الثورة والدولة في صنعاء ؛ وهو ما أرعب السعودية وأصابها بالجنون، فهي تعتبر مثلث (الجوف، صعدة، حجة)خط دفاعها الاول والاخير مع اليمن ؛وهي تعلم تاريخيا ان من يسيطر عليه يسيطر على مثلث (نجران ، عسير، جيزان) والتحكم الى العمق اي (الطائف-جدة) وما بعدهما. ومن هنا كان لابد للسعودية -من وجهة نظرها-ان تلجأ الى احتلال مثلث (الجوف، صعدة، حجة)بالحرب وتحويله الى منطقة عازلة تحت ذريعة حماية أمنها، أسوة بما فعله حلفاؤها من قبل :الكيان الصهيوني حين اقتطع الشريط الحدودي من لبنان ،وتم تحريره عام ألفين ، وما فعله الامريكي في العراق تحت مسمى كردستان، وما فعله ويسعى لفرضه واقعا التركي في شمال سوريا،والهدف ليس فقط الاحتلال وإنما الهيمنة على قرار العواصم التي ترى فيها قوى الغزو خطرا وجوديا عليها. وعليه وجدنا العدوان السعودي وحلفاءه مع أول يوم للعدوان يعلنون ان هذا المثلث اصبح منطقة عازلة انسانية لإقامة المخيمات للنازحين من الحرب في اليمن، وبالتالي تهجير سكانها إذا رفضوا القبول بقوى الغزو والاحتلال، ولما لم يجد تحالف الغزاة أحدا من اليمنيين لبى دعوتهم وذهب لاجئا اليهم.. فلجأ الى سياسة الارض المحروقة لإجبار السكان على النزوح كما حدث حين اعلن صعدة منطقة عمليات عسكرية وكذلك قصف واحراق مناطق التماس مع حجة(حرض -ميدي) ووصل الامر الى احراق مخيمات النازحين التي مر على انشائها عشر سنوات ومع ذلك فشلت خطته تلك في إجبار اليمنيين على النزوح الى مخيماته ،بل التحقوا في صفوف الجيش واللجان لمقاومته. وهكذا كان لابد للعدوان ان يفتش في سجلاته القديمة والحديثة عن عملائه واعوانه في الجوف وان يستعين بجيوش المرتزقة الذين اتى بهم من كل حدب وصوب؛ وتحت نيران آلاته الحربية الجهنمية ليتمكن من احتلال معظم مديريات الجوف وعاصمتها ولأهميتها أسند القيادة فيها سياسيا وعسكريا لقادته وضباطه، أما المرتزقة فليسوا اكثر من تابعين لهم وفي معركة التحرير في الشهر الماضي استقدم معظم ألويته من مثلث جيزان عسير نجران لكنهم هزموا وولوا عائدين قبل ان يقطع عليهم مجاهدو الجيش طرق الهروب . ولسنا بصدد سرد كل النتائج التي حققتها معركة تحرير الجوف.. لكن هناك نتائج استراتيجية هي اشبه بالمفاتيح لكل الابواب التي كان يعتقد انها مغلقة والى الابد.. واهمها: ا-ان انتصار الجوف أسقط المخطط العدواني المتمثل في إنشاء منطقة عازلة في حدودنا الشمالية تحت سيطرة العدو السعودي لحماية امنه. 2-تحرير الجوف هو مفتاح تحرير مأرب مما يعني سقوط مشروع الاقاليم الخبيث. 3- تحرير الجوف يعني فتح بوابة تحرير شرق اليمن (مارب، شبوة، حضرموت، المهرة) أي اسقاط مشروع الانفصال الاستعماري 4- ان الجوف هي حلقة الوصل بين شمال وجنوب وشرق اليمن أي مثلث الثروات الطبيعية ومنابع النفط في اليمن. 5- الجوف هي المنطلق لتحرير واستعادة كل المنافذ الحدودية بين اليمن والعدو السعودي وكذا استعادة كل ما تم اقتطاعه من اراضي اليمن والعودة الى الحدود الطبيعية التاريخية لليمن مع الجوار. لكن يبقى الاهم وهو ان استقرار الجوف هو مفتاح استقرار اليمن كل اليمن؛ وعليه فإن اول مطلب يجب تحقيقه هو أن تحظى الجوف لدى الدولة في صنعاء بالأولوية القصوى والاستثنائية لتعزيز وجود الدولة في الجوف والاسراع في وضع خطة تنموية شاملة وسريعة ومتوالية لتأهيل الجوف على كل الاصعدة وفي المقدمة منها انجاز البنية التحتية للانتقال بالجوف الى عصر التنمية والبناء،فلها حق على الدولة قبل حق الدولة عليها،والاهم هو اعادة بعث الروح الحضارية في وعي ونفسية قبائل الجوف واهلها.. لأن مستقبل الجوف جزء أصيل في مستقبل اليمن ؛ فهي ليست مجرد مخزون نفطي او غاز او معادن....الخ وإنما هي أرض ثمارها من ذهب؛برمالها وجبالها وصحاريها ورياحها ومناخها وأشجارها وكل ما خلقه الله فيها..وهو ما يعني ضرورة ان تتحول الجوف الى ورشة عمل متواصل دون توقف وبروح وطنية وهمة وعزيمة تليق بتاريخ الجوف وبحضارة اليمن. * عضو مجلس الشورى