(إننا في صنعاء ندرك أن هناك من يحاول زج الدول المطلة على حوض البحر الأحمر في حلبة الصراع الدولي وذلك بتركيزهم المستمر اخيرا على استراتيجية هذا البحر.. ولذا فإن علينا اليوم تقع مسؤولية عظيمة تلك هي الخروج بأوطاننا من شباك الصراع الدولي إذ أن الدخول فيه يعنى التوريط بالمصالح الوطنية العليا لأوطاننا وشعوبنا إلى جانب الاحتمالات المخيفة الأخرى) من كلمة الرئيس الشهيد المقدم ابراهيم الحمدي في مؤتمر البحر الأحمر المنعقد في الثالث من ربيع الثاني 1397هجرية الموافق 22 مارس 1977م بمدينة تعز. جنود مرتزقة تعود بداية العلاقات الأمريكية- المصرية إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر الميلادي ففي 7 مايو 1830م قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بتوقيع معاهدة تجارية مع الدولة العثمانية والتي بمقتضاها أصبح لها حق إنشاء قنصليات في جميع انحاء اقاليم الدولة العثمانية وكان أول وكيل قنصلي لأمريكا في الإسكندرية في 12 يناير 1832م وفي عام 1848م رفعت أمريكا مستوى تمثيلها في مصر إلى مرتبة القنصلية العامة. وفي منتصف ذلك القرن وجد صراع دولي قائم في المكسيك بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا حيث كانت أمريكا ترفض الوجود الفرنسي في المكسيك وكانت تلح على ضرورة جلاء الفرنسيين من المكسيك وفقا لمبدأ مونرو الذي لا يقر الوجود الأوروبي في الأمريكيتين وهكذا صارت المكسيك مسرحا لعمليات حربية بين الأمريكيين والفرنسيين ولما كانت الأحوال الجوية في أراضي المكسيك لا تلائم جنود فرنسا الذين تعرضوا للموت بسبب تفشي الحمي الصفراء والحرارة العالية لذا فكرت فرنسا في احد اصدقائها الذين يحكمون مصر آنذاك كي ينقذوا الموقف فقد طلبت فرنسا من مصر أن تمنحها بعض الجنود الذين اعتادوا على الأجواء الحارة كي تستبدل جنودها بهم، فاستخدم الإمبراطور نابليون الثالث نفوذه لدى الخديوي سعيد (1854- 1863م) وطلب منه إمداده بجنود للعمل تحت إشراف القوات الفرنسية بالمكسيك، فأرسل الخديوي سعيد ألف جندي سوداني كمرتزقة- حينما كانت مصر والسودان دولة واحدة- يقاتلون تحت راية فرنسا في المكسيك ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومع بداية الحرب الأهلية الأمريكية سنة 1861م فرض الرئيس الأمريكي لينكولن حصارا بحريا على شواطئ الولاياتالأمريكية الجنوبية الذين كانوا يصدرون القطن الى اوروبا وهو ما أدى إلى ازدياد الطلب على القطن المصري طويل التيلة في الأسواق العالمية حتى أن مصر أصبحت آنذاك المصدر الرئيسي لهذا القطن على مستوى العالم، وقد تسببت الحرب الأهلية الأمريكية في متاعب وأزمة بالغة الخطورة لصناعات النسيج الأوروبية التي كانت تقف على حافة الإفلاس في صيف 1861م، وهو ما أدى الى تحول فكرة الإنجليز نحو احتلال مصر التي تزرع قطنا عالي الجودة وخاصة وأن قرب الانتهاء من قناة السويس فزاد من أهمية مصر جغرافيا والبحر الأحمر استراتيجيا. ومع افتتاح قناة السويس عام 1869م للملاحة الدولية لم تتفاعل امريكا مع الحدث حتى أنها لم توقع معاهدة القسطنطينة في عام 1888م والتي تقضى بتنظيم الملاحة عبر القناة.. الإساءة لمصر في مطلع القرن العشرين قام الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت في مارس 1910م بزيارة لمصر ومن حرم الجامعة الأهلية القى روزفلت محاضرة اشبه بالتقريع والتعالي واعتبار مصر ولاية أمريكية حيث بدأ بالمدح والثناء على اللورد كرومر وهو ألد اعداء المصرين في ذلك الوقت ومن ثم استطرد في التدخل بالشؤون الداخلية المصرية ثم استفاض في خطابه فأكد على خطأ التعجل بالمطالبة بالدستور وأوضح (أن الأمم التي لم تستكمل نضجها بعد- في إشارة إلى مصر- بحيث تنتفع بدستور ينص على حكم نفسها بنفسها سوف تفشل تماما في محاولاتها)، وقد اعتبر هذا الخطاب مفرطا في غرابته اذ القاه داخل قمة صرح تعليمي في مصر وكال في اتهاماته للشعب المصري بالجهل وسوء التقدير والتطلع إلى ما لا يحق لهم أن يأملوا فيه او يدركوه لأنه أكبر من إمكاناتهم. جاء هذا الخطاب على لسان رئيس دولة لم يكن قد مر على قيامها اكثر من 134 سنة وموجه خطابه إلى واحدة من أقدم الحضارات على وجه الأرض..! أثارت هذه المحاضرة موجة عاصفة من الغضب والنقد وافردت عددا من الصحف الوطنية صفحات مطولة للرد على بذاءات ووقاحة الرئيس الأمريكي على مصر وشعبها. وفي فترة ما بين الحربين (1919- 1939م) وكنتيجة لطبيعة العلاقات الاستعمارية بين امريكاوبريطانيا حيث كانت مصر تحت الاحتلال البريطاني فقد أقامت أمريكا في مصر قواعد عسكرية ومطارات حربية ولم تكتف امريكا بالجانب العسكري بل امتدت نشاط شركات البترول الأمريكية.. ففي عام 1937م حصلت على امتيازات للتنقيب عن البترول في مساحة 61 ألف كم2 شرقي قناة السويس. القواعد الأمريكية واعتبر لقاء الملك فاروق مع الرئيس الأمريكي روزفلت في فبراير 1945م بداية لسحب البساط البريطاني من المنطقة عامة ومصر خاصة وسعيا واشنطن وراء السيطرة وبدأت أمريكا بتقديم بعض المعونات الاقتصادية لمصر مستغلة الخلاف بين مصر وبريطانيا. وفي 1946م استجابت الحكومة الأمريكية لمطالب الحكومة المصرية بإزالة القواعد الأمريكية وقد جاءت هذه الاستجابة بسبب حرص الأمريكان على عدم إتاحة المبرر أمام السوفيت لإبقاء قواتهم في شمالي إيران على اساس مبدأ المعاملة بالمثل وفي يونيو من نفس العام تم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين من مستوى القنصليات إلى مستوى السفارات. وفي يونيو 1948م شاركت أمريكا في مجلس إدارة شركة قناة السويس كنتيجة لازدياد استخدامها للقناة مع نمو مصالحها البترولية في الشرق الأوسط. القيادة المتحالفة في 13 اكتوبر1951م قدمت الدول الأربع أمريكاوبريطانياوفرنسا وتركيا اقتراحا إلى مصر بإنشاء منظمة دفاعية ضد العدوان الخارجي (الاتحاد السوفيتي) فيما عرف بالقيادة المتحالفة للشرق الأوسط على ان يكون مقرها القاهرة ونص الاقتراح على سحب بريطانيا لقواتها غير المشاركة في القوات المتحالفة مقابل أن تقدم مصر التسهيلات على أرضها متضمنا استخدام الموانئ والمطارات والمواصلات في حالة الحرب على أن تسلم القاعدة البريطانية في قناة السويس إلى مصر بصفة رسمية مقابل تحويلها إلى قاعدة مشتركة للدول الداخلة في الحلف أي تخرج بريطانيا وحدها لتعود ومعها أمريكاوفرنسا وتركيا! جاء الرفض المصري قاطعا لذلك المقترح بجعل مصر ومطاراتها وموانئها تحت تصرف الدول الغربية الاستعمارية لذلك أزعج رفض مصر فكرة قيادة الشرق الأوسط وإلغاء معاهدة 1936م بين مصر وبريطانيا مسؤولي الخارجية الأمريكية ازعاجا شديدا بل وتطورت الأحداث في مصر على اطلاق شرارة ثورة يوليو 1952م التي اطاحت فيها مجموعة من الضباط بقيادة جمال عبدالناصر بالملك فاروق. احتواء القاهرة وفي نهاية اغسطس 1952م اصدرت الحكومة الأمريكية بيانا أعلنت فيه تأييدها للثورة يوليو في مصر وكان لواشنطن بهذا التأييد اهدافها الخاصة كما تكشف وثائق وزارة الخارجية الأمريكية كاشراك مصر في خطط الدفاع المشترك والسلام مع الكيان الصهيوني، في حين توهم المصريون أن امريكا سوف تساند ثورتهم الوليدة فكتبت صحيفة (الأهرام) في عددها الصادر بتاريخ 5 سبتمبر 1952م (إن أمريكا التي حاربت طويلا من أجل الاستقلال والحرية لقادرة اليوم على تقدير معاني كفاحنا لنيل حريتنا)ِ أما جريدة الأخبار الجديدة فكتبت في 5 نوفمبر تقول: (على جميع البلدان الإسلامية والعربية أن تقر وتعترف بأن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط مقارنة بسياسات الدول الكبرى الأخرى هي الأقرب من غيرها إلى العدالة ومناصرة الدول الصغيرة). وفي مطلع 1953م نجحت أمريكا في تدعيم نفوذها الدبلوماسي بسبب تدخلها النشط في مفاوضات السودان لإنجاحها وكان ذلك موضع تقدير القيادة المصرية. وفي نفس العام قدمت أمريكا الى مصر 15 مليون دولار كمساعدات محاولة ترسيخ فكرة التواجد الأمريكي في المنطقة بشكل عام بأكثر من طريقة وأسلوب. مشروع الشرق الأوسط وفي 11 مايو 1953م قام وزير الخارجية الأمريكي دالاس بأول زيارة رسمية لمصر على رأس وفد رفيع المستوى حاملا معه مشروع للدفاع عن الشرق الأوسط يمثل في أهميته بالنسبة للمنطقة مشروع حلف الناتو بالنسبة لأوروبا وكان ضمن مشروعه افكار لتحقيق صلح بين مصر والكيان الصهيوني لكن مصر استقبلت مشروع دالاس بفتور شديد خاصة وأن أول تصريح أدلى به في القاهرة أكد فيه على ضرورة بقاء قاعدة قناة السويس في متناول الغرب للدفاع عن المنطقة ثم أوضح (أن أمريكا لن تستطيع مد مصر بأسلحة ذات قيمة إلا بعد التفاوض مع البريطانيين وابدى بعض المرونة بخصوص العلاقات مع إسرائيل). التخوف الأمريكي ومما زاد من انزعاج امريكا من الظهور المتوازي للنزعة الوطنية الثورية في مصر وايران وتخوف وزير الخارجية الأمريكي (أتشيسون) من أن الشرق الأوسط بكامله قد يصبح معاديا للغرب. وفي ربيع عام 1953م قام وزير خارجية امريكا جون دالاس بجولة في الشرق الأوسط ومما قاله: (بأن مصر التي تحيط بها قوى النزعة الوطنية التي لا حد لها لن تكون شريكا أمينا يعتمد عليه) ورغم ذلك كان المسؤولون الأمريكيون يأملون في أن يتعاون عبدالناصر معهم وقد ضمن استقلاله مع الخطط الأمنية الغربية ويقر بمعاهدة القسم الشمالي (سلسلة من المعاهدات المضادة للسوفيت من شرق آسيا حتى شمال أوروبا) ثم ينضم إليها في النهاية وفي 16 اغسطس 1954م قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية جون نيجان: (نحن نعتمد على مصر كي تقوم بدور قيادي في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط) وحينما تحدث الرئيس المصري عبدالناصر عن تكوين معاهدة أمن جماعي لجامعة الدول العربية اقترح دالاس وزير خارجية امريكا ربط هذه المعاهدة بترتيب القسم الشمالي عن طريق اتفاقية دفاع مشترك مصرية - تركية وشجع رد فعل الرئيس عبدالناصر المبدئي وقبوله 40 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية الأمريكية في أواخر 1954م الآمال الأمريكية بأن يصبح شريكا في الأمن وبما يخدم مطامع واهداف السياسة الأمريكية في المنطقة. سيادة القرار إلا أنه بحلول أوائل 1955م بدأ أن ذلك التفاؤل الأمريكي لا أساس له في الواقع فقد رفض عبدالناصر قبول المساعدات العسكرية الأمريكية بسبب الشرط الذي يقضى بتولي بعثة عسكرية أمريكية ادارتها وهو الشرط الذي رأى أنه تُشتم منه رائحة الاستعمار كما رفض خطة امريكية سرية بتحويل 5 ملايين دولار من المساعدة الاقتصادية لشراء معدات عسكرية بما يخالف حتى القانون الأمريكي المنظم للمساعدات الاقتصادية. وبذلك برز الرئيس عبدالناصر كشوكة في خاصرة أمريكا في الشرق الأوسط فقد عارض فكرة القسم الشمالي وأصبح منتقدا أساسيا لحلف بغداد ابريل 1955م وقد اعتبر عبدالناصر أن مهمة مصر هي تخليص الشرق الأوسط من الامبريالية الغربية وكان ردة فعله قويا تجاه استفزازات الكيان الصهيوني. وفي غياب منع المساعدات العسكرية الأمريكية اشترى ناصر كميات كبيرة من السلاح من الاتحاد السوفيتي في سبتمبر 1955م. ..... يتبع